الحملة الصليبية المعاصرة للصهيونية المسيحية
26.05.2025
أوريان 21
الحملة الصليبية المعاصرة للصهيونية المسيحية
فريديريك كلاركسون؛ وبن لوربر – (أوريان 21) 2025/5/13
الغد الأردنية
الاحد 25/5/2025
أصبحت حركة اليمين المسيحي المتنامية قوة دافعة للدعم الأميركي والعالمي غير المشروط لإسرائيل. وتوسع نطاق تأثير هذه الحركة اليوم إلى بلدان الجنوب العالمي، من البرازيل إلى نيجيريا.
* * *
في 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2024، تجمهر عشرات الآلاف خارج مبنى الكابيتول الأميركي في واشنطن العاصمة للمشاركة فيما أَطلق عليه المنظمون اسم "مسيرة المليون امرأة". ونظمت هذه المسيرة ثلة من قادة "حركة الإصلاح الرسولي الجديد"(1)، وهي حركة يمينية مسيحية نشِطة ومتنامية أثّرت على مئات الملايين من الناس حول العالم، بما في ذلك عشرات الملايين في الولايات المتحدة.
تزامنت المسيرة مع عيد "يوم كيبور"، أو "يوم الغفران" اليهودي، وتضمنت ثيماتها "تسيد" المسيحيين المؤسسات السياسية، وحشد الناخبين، وتطهير مبنى الكابيتول من الشياطين، تماشيا مع تركيز الحركة على فكرة "الحرب الروحية". لكن الغرض الآخر من هذه المسيرة كان حشد الدعم لإسرائيل، مع أن التغطية الإعلامية المحدودة لم تُضئ هذا الجانب.
"عليكم أن تنقادوا لكلمة الرب"
صعد لُو إنْغل، أحد منظّمي المسيرة، إلى المنصة، وأعلن: "عليكم أن تنقادوا لكلمة الرّب! إذا أيدنا وباركنا إسرائيل، فإنه قد يُنقذ أمتنا"! ومن على منصة مزينة بالأعلام الإسرائيلية، وجّه قادة المسيرة ابتهالات الجمهور لمدة عشر ساعات متعاقبة، وحثّوا الكونغرس على تلبية "التكليف الإنجيلي"، كما قال أحد المتحدثين، و"تقديم دعم مطلق لإسرائيل في مواجهة أعدائها وأعدائنا". وفي لحظة معينة، أنشد الحشدُ النشيدَ الوطني الإسرائيلي وسط تصفيق حارّ(1).
تُمثل شبكات الكنائس الخمسينية والكاريزماتية المستقلة، وغيرها من المؤسسات التي تُشكّل "حركة الإصلاح الرسولي الجديد"، ربما أبرز حركة دينية في التاريخ الحديث للولايات المتحدة الأميركية. كانت الحركة أساسية في الحملات الرئاسية الثلاث لدونالد ترامب، منذ حملته الأولى العام 2015. وبعد فوزه الأول في العام التالي، شقّت الحركة طريقها إلى المناصب العليا في السلطة السياسية، مع تنصيب الداعية التلفزيونية باولا وايت-كين، المستشارة الروحية لترامب، رئيسة لمكتب الإيمان الجديد في البيت الأبيض.
مع تنامي الغضب العالمي على أجندة إسرائيل الإقصائية والتوسعية، يبدو أن ولاية ترامب الثانية تتجه نحو تأييد إسرائيل أكثر من ولايته الأولى. في الأسابيع الأولى من توليه منصبه، دعا ترامب إلى التطهير العرقي لأكثر من مليونيْ فلسطيني في قطاع غزة وإلى احتلال الولايات المتحدة للقطاع المحاصر والمدمّر بعد نحو عام ونصف من القصف والغزو الإسرائيلي. وبالإضافة إلى ذلك، تعهّد كبار المسؤولين في إدارة ترامب بدعم ضم إسرائيل للضفة الغربية، ومن بينهم باولا وايت-كين، ووزير الدفاع بيت هيغسيث، والسفير الأميركي في إسرائيل مايك هاكابي الذي وعد بأنّ ترامب سيُحدث تغييرات "ذات أبعاد توراتية" في الشرق الأوسط(3).
من جانبها، تُدرك القيادة الإسرائيلية مصدر دعمها الأقوى. خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن العاصمة في شباط (فبراير) الفائت، لم يلتقِ بالقادة اليهود الأميركيين، ولكنه اجتمع بالقادة الإنجيليين لمدة 90 دقيقة. وكان ثلاثة منهم على الأقل شخصياتٍ بارزة في "حركة الإصلاح الرسولي الجديد"، بمن فيهم باولا وايت-كين، التي أشارت التقارير إلى أنها عقدت اجتماعاً منفصلاً وطويلاً مع نتنياهو وأجْرت معه مقابلة مطوّلة لصالح التلفزيون الإسرائيلي.
رسل وأنبياء
ليست "حركة الإصلاح الرسولي الجديد" حركة دينية عادية، بل هي، على حد تعبير عالم السياسة بول جوبْ(4)، مثالٌ على "التحول الجذري" الذي طال المسيحية الأميركية. وقد تعدّت رؤيتها السياسية المعسكر الكاريزماتي والخمسيني الذي نشأت فيه، حتى أصبحت مهيمنة على فئة أوسع من الإنجيلية الأميركية.
تُعدّ "حركة الإصلاح الرسولي الجديد" حركةً عابرةً للطوائف، نشأت جذورها من مصادر عدّة على مدى قرنٍ من الزمن. وكان الراحل تشارلز بيتر فاغنر، الأستاذ في معهد "فولر اللاهوتي" الإنجيلي(5)، أول من درس وسمّى الحركة في منتصف تسعينيات القرن المنصرم. ولاحظ أن الكنائس المستقلة أو غير الطائفية كانت الأسرع نموًا في الولايات المتحدة والعالم. ورأى فاغنر في هذا النمو الهائل تحولاً ناشئاً.
ينطوي هذا التحول الشامل على شبكات من الكنائس والقسّيسيات التابعة لـ"حركة الإصلاح الرسولي الجديد"، والتي ترفض العديد من العقائد والطوائف والأدوار القيادية المسيحية التاريخية، في حين تُعيد تدريجياً أدوار الكهانة المتّصلة بكنيسة القرن الأول كما هو مسطور في "سفْر أفسس" (المنسوب إلى الرسول بولس). ومن هذه الأدوار اتخاذ زعماء الحركة ألقاب الرسول والنبي، حتى أن لو إنغل يحمل صفة النبي، فيما تحمل باولا وايت-كين صفة الرسولة.
تمثّل "حركة الإصلاح الرسولي الجديد" رؤيةً ديناميكيةً للسيطرة الدينية والسياسية تُعرف باسم "تفويض (أو نبوءة) الجبال السبعة"، وهي مُخطط سياسيّ مجازيّ يُكلّف المؤمنين ببسط "السيادة" على "الجبال السبعة" للسلطة المجتمعية: الحكومة، والدين، والأسرة، والتعليم، والإعلام، والفنون والترفيه، والتجارة.
حرب ضد القوى الشيطانية
تتصوّر بعض عناصر الحركة أنها جيشُ نهاية الزمان، جيشٌ مُقدّر له أن يشنّ "حرباً روحية" في السماوات بواسطة الصلاة، وإذا أمكن، عبر حربٍ مادية ضد القوى "الشيطانية" للّيبرالية والديمقراطية ومجتمع الميم وحقوق الإنجاب وغيرها من القوى التي تعتبرها معادِية.
ليس هذا ضرباً من الإفراط المجازيّ، والأمر المقلِق تحديداً في "حركة الإصلاح الرسولي الجديد" ونفوذها السياسيّ المُتنامي هو أن الاختلافات السياسية والدينية العاديّة تكتسي صبغة شيطانية، بحيث يصبح مصدرها الأرواح الخارقة للطبيعة التي تُسبّب المشاكل على مختلف الأصعدة، من الحياة اليومية إلى الصراعات الدولية. وترى الحركة أن هذه الشياطين قادرة على توجيه كل شيء، من الأفراد إلى الأمم، كما ترى فيها عقبةً رئيسية أمام إقامة ملكوت الرب على الأرض. على سبيل المثال، يزعم "الرسولان" تشي آن ولانْس والْناوْ، ومعهم آخرون، أن نائبة الرئيس السابقة، كامالا هاريس، هي بمنزلة "إيزابيل"(6)، أي أنها -حرفيا- روحٌ شيطانية.
تنتشر نظرة الحركة بسرعة. وحسب استطلاعٍ أجراه الأستاذ جوبْ في العام 2024، يُسلّم أكثر من 60 في المائة من مسيحيي الولايات المتحدة بأن "ثمة رسلاً وأنبياء في عصرنا هذا"، ويعتقد نصفهم تقريباً بأن "ثمة أرواحاً وقوى شيطانية تبسط نفوذها على الجغرافيا"، وأن على الكنيسة "تنظيم حملات حرب روحية وصلاة لتنحية الشياطين العليا". ويؤيد 42 في المائة من المشاركين "تكليف السيادة" الذي تتبناه "حركة الإصلاح الرسولي الجديد"، ويوافقون على أن "الرب يريد للمسيحيين أن يَعتلوا قمم جبال المجتمع السبعة".
بالإضافة إلى ذلك، تُسهم "حركة الإصلاح الرسولي الجديد" في حشد أنصار حركة "ماغا" (جعل أميركا عظيمة مرة أخرى). وكان قادتها، أمثال باولا وايت-كين ولانس والناو، من أوائل وأكثر الداعمين الإنجيليين حماسة لترشيح ترامب في العام 2015. وبرز هؤلاء القادة ثانية في حركة إنكار انتخابات العام 2020، حيث أسهم العديد من "الرسل" و"الأنبياء" في بناء الزخم الذي سبق أعمال الشغب التي اندلعت في 6 كانون الثاني (يناير) 2021، بإقامة تجمعات للصلاة خارج مبنى الكابيتول ومناجاة الله كي يسحق أعداءه، وبالنفخ في الشوفار (قرن الكبش المستخدم في حروب إسرائيل القديمة) الذي استملكه المسيحيون المتأثرون بـ"حركة الإصلاح الرسولي الجديد". وعلى الرغم من الاعتراف الآن بتأثير المسيحيين الإنجيليين على الحياة العامة الأميركية، ما يزال تأثير الحركة على النطاق الدولي، وخاصة في الشرق الأوسط، مُغْفَلاً.
إسرائيل ونهاية العالم
طيلة عقود من الزمن، تعاون قادة الحركة المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة وحول العالم مع اليمين الإسرائيلي لتعميق سياسات الفصل العنصري والتطهير العرقي والهيمنة في فلسطين. وفي السنوات الأخيرة، دعت الحركة إلى زيادة المساعدات الأميركية لإسرائيل، وضمّ الضفة الغربية، والعدوان على إيران، ووقف تمويل وكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وقمع الانتقادات التي تطال إسرائيل وغيرها من سياسات اليمين المتطرف. ببساطة، يجوز القول بأن الصهيونية المسيحية هي عمادُ الدعم الأميركي والعالمي لإسرائيل. وإذا كان هذا مفاجئا، يكفي التذكير بأن أبرز منظّمة مسيحية صهيونية أميركية، وهي منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" التي مقرها تكساس، تضم أكثر من 10 ملايين عضو، أيْ ناخبين أكثر من إجمالي عدد اليهود في الولايات المتحدة بنحو 50 في المائة.
سيكون الملمّ بالصهيونية المسيحية على دراية بمنظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" وزعيمها القس جون هاغي. أحد الأسباب هو أن المؤتمر السنوي الشهير للمنظمة يستقطب شخصيات سياسية بارزة، وكذلك لأن هاغي أشار في أواخر العام 2005 إلى أن "المحرقة" كانت جزءًا من خطة الرب لجلْب اليهود إلى إسرائيل وأن هتلر "صيادٌ" مرسَل بتكليف إلهي(7). وادّعى هاغي في كتابه "العد التنازلي للقدس"، الصادر في العام 2006، أن "نازيّي هتلر" طردوا اليهود من أوروبا "إلى الوطن الوحيد الذي أراده الله لليهود -إسرائيل".
منذ تأسيسها في العام 2006، أصبحت منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" النظيرَ الإنجيلي لـ"لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية" (AIPAC)، وهي منظمة ضغط نافذة مؤيدة لإسرائيل، غالباً ما تقترن -خطأً في أكثر الأحيان- بالمجتمع اليهودي الأميركي. وتضغط المنظمة بشدة على الكونغرس لتمرير مجموعة من السياسات المحبّذة عند اليمين الإسرائيلي، كما يكيل القادة الإسرائيليون المديح للقس هاغي بسبب دعمه الثابت لإسرائيل.
لكنّ هاغي يمثّل صورةً أقدم من الصهيونية المسيحية، تجسّدت في الإنجيليين البيض أمثال جيري فالويل وفي روايات القس تيم لاهاي مع جنكينز جيري Left Behind "المتروكون". ويستند هذا الشكل القديم من الصهيونية المسيحية إلى رؤية "إعفائية" لأحداث نهاية العالم، تُكتَب فيها النجاة للمسيحيين المؤمنين بفعل "الاختطاف" على السحاب للصعود إلى السماء ولقاء المسيح، بينما تغرق إسرائيل والعالم في حروب الضيقة العظيمة(8).
التسريع بتحقق "ملكوت الله على الأرض"
لكن صعود "حركة الإصلاح الرسولي الجديد" ونمو الكنائس الخمسينية والكاريزماتية أسهم في تغيير لاهوت نهاية العالم الذي ساد اليمين المسيحي. فبدلاً من انتظار "الاختطاف إلى السماء"، انخرط العديد من الإنجيليين في بناء رؤيتهم لـ"ملكوت الله على الأرض". ويشمل هذا السعيَ إلى استعادة "الأرض" من الشياطين عبر صلاةٍ تُسمّى "الحرب الروحية"، بالإضافة إلى الانخراط العمليّ في السياسات الانتخابية.
وهو ما يفسر التأكيد الشديد على الدور الذي تتصوّره "حركة الإصلاح الرسولي الجديد" لإسرائيل في رؤيتها لأحداث نهاية العالم، والتي تعتقد أنها جارية حالياً. تُؤمن الحركة بإمكانية تحقيق اليوتوبيا الألفية -ألف عام من الحكم المسيحي الكامل- عن طريق توسيع سيادة إسرائيل على الأرض "التوراتية"، ودعم هجرة اليهود إلى إسرائيل، وتحويل اليهود إلى الإيمان بيسوع. واستناداً إلى سفر التكوين، الآية 12:3، حيث قال الرب لإبراهيم: "وأُبارِكُ مُبارِكيكَ، ولاعِنَكَ أَلْعَنُه"، تعتقد الحركة بأن "مباركة إسرائيل" هي السبيل الوحيدة لنيل الشعوب رضا الرب.
على الرغم من أن "حركة الإصلاح الرسولي الجديد" تُدرَج غالباً مع مفاهيم القومية المسيحية الأميركية، فإن الدولة المركزية في رؤيتها الدينية والسياسية هي في الحقيقة إسرائيل. وتعتقد الحركة أن تراجع الولايات المتحدة عن دعم إسرائيل سيَحكم على أميركا بالزوال، لكنّ النجاح في حشد الدعم الأميركي والعالمي خلف إسرائيل سيُسهم، للمفارقة، في تحقيق المشروع الأوسع المتمثل في ترسيخ السيادة المسيحية على العالم. وكما هو الحال مع الأشكال القديمة للصهيونية المسيحية، يميل هذا التوجه إلى تصوير اليهود وإسرائيل، لاهوتياً، بصفتهم "مواضيع فيتيشيّة تتجاوز التحديد وتكتسي بقوة خارقة للطبيعة"، على حد تعبير الباحث س. جوناثان أودونيل. وبعبارة أخرى، ما هُم في نهاية المطاف سوى أدواتٌ في السردية السائدة للخلاص المسيحي(9).
نقل السفارة الأميركية إلى القدس
يتجلّى تأثير "حركة الإصلاح الرسولي الجديد" في الحركة الأميركية المؤيّدة لإسرائيل، إذ يُواظب قساوِستها وأعضاؤها على تنظيم وحضور التجمّعات والمؤتمرات المؤيدة لإسرائيل، كما ينخرطون في جهود الضغط التي تنسّقها مجموعات مثل منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" على مستوى الولايات والحكومة الفيدرالية. ونشرت صحيفة "إن ذيز تايمز" في ربيع العام 2024 تقريراً بشأن تنظيم قادة الحركة احتجاجات حاشدة أمام جامعات عدّة ضد ما يُزعم أنه "معاداة السامية" في حرم الجامعات. وقد تسلّق المتظاهرون أبواب جامعة كولومبيا، ثم كالوا الشتائم للطلاب. وفي هذه المسيرات، امتزجت استحضارات نهاية العالم مع شيطنة المسلمين ودعوات تحويل اليهود عن دينهم، وهو ما سلّط الضوء على التشابك بين معاداة السامية والتعصب الأعمى ضد الفلسطينيين والمسلمين، وكيف يُغذّي هذا التصوُّر دعم "حركة الإصلاح الرسولي الجديد" لإسرائيل.
قال ماريو برامنيك، القسّ كوبيّ المولد ورئيس "التحالف اللاتيني من أجل إسرائيل"، متفاخرًا: "نعلم أن العديد من مبادرات الفرقة التي أطلقناها تُؤتي أكلها الآن في البيت الأبيض في عهد ترامب". وجاء هذا التصريح خلال صلاة مع زعماء آخرين في الحركة في شباط (فبراير) 2024 احتفالاً بالأوامر التنفيذية التي وقّعها ترامب والضغوطات التي طبّقتها إدارته على الجامعات لترحيل الطلاب وخنق حرية التعبير، وغيرها من الإجراءات(10).
ينشط برامنيك بدرجة كبيرة في ما تسمّيه الحركة "جبل" الحكومة، ويستخدم نفوذه الحكومي بشكل أساسي للضغط من أجل زيادة الدعم لإسرائيل. ويُعدّ برامنيك أحد أبرز المستشارين الإنجيليين لترامب منذ العام 2016، كما أنه كان المبعوث الخاص لمبادرة "الإيمان والفرص" التابعة للبيت الأبيض خلال ولاية ترامب الأولى، وكثيراً ما يلتقي ببنيامين نتنياهو.
في العام 2018، وبعدما حقق ترامب هدفاً رئيسياً في سياسة الصهيونية المسيحية بنقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس، زعم برامنيك أنه التقى على الأقل ثمانية رؤساء دول آخرين، من ضمنهم زعماء اليمين المتطرف الرئيس السلفادوري نجيب بقيلة والرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، من أجل إقناعهم بالسير على نفس الطريق.
خلال احتفالٍ بنقل السفارة في العام 2019، أعلن برامنيك: "إنها لمعجزة أن يُعيّن الرب دونالد ترامب ليكون قورشَ هذا العصر"، في استحضارٍ للفكرة المتداولة في أوساط "حركة الإصلاح الرسولي الجديد" التي تقول بأن الرب يستخدم ترامب، عديم الأخلاق، لتحقيق مقاصده، تماماً كما استخدم الرب ذات مرة الملك الوثني قورش لتخليص بني إسرائيل التوراتيين من المنفى في بابل.
كشف حديث برامنيك في إفطار صلاة القدس -التجمّع الذي انعقد في "مار إيه لاغو"- مقر إقامة ترامب في ميامي- في كانون الثاني (يناير) 2025 بمشاركة قادة نافذين من الصهاينة المسيحيين والإسرائيليين واليهود الأميركيين- عن تحديثٍ للمنظور التوراتي الذي يُقيّم على أساسه دور ترامب. ويزعم برامنيك أن دور ترامب قد تغيّر؛ فبعد أن كان بمنزلة قورش، أصبح الآن في مرتبة دارا الأول (الملك الذي مكّن من إعادة بناء هيكل القدس). وهذا في نظره يُمثّل "مَسحةً أخيرة" لتعزيز التوسع والهيمنة الإسرائيلية(11).
في هذا الإفطار، أعلن برامنيك: "لأول مرة منذ حرب 1967، يتعدّى الجيش الإسرائيلي خطوط العدو في غزة وجنوب لبنان وسورية بصورة خارقة للطبيعة". وأضاف: "إننا في لحظة مفصليّة"، إذ يكتمل الآن ما بدأه الرب في إدارة ترامب الأولى.
وليس برامنيك القائدَ المؤثر الوحيد من الحركة الذي يدور في فلك إدارة ترامب الجديدة، فإلى جانبه ثمة باولا وايت-كين التي تقود مكتبَ الإيمان الجديد بالبيت الأبيض(12)، بالإضافة إلى "الرسولان" البارزان سيندي جاكوبس وجيم غارلو، اللذين تحدثا في تجمع إفطار صلاة القدس. "عندما نحاول تقسيم أرض إسرائيل، تلك الأرض التي وهبها الرب، فإن ذلك يُغضبه"! هذا ما صرحت به جاكوبس، مانحة بذلك إسرائيل تبريرا لاهوتيا لضمّ الأراضي المحتلة وتوسيع نطاق الحرب الإقليمية. وأضافت: "لقد كبّلنا إسرائيل مرارا وتكرارا، في حين كان بإمكانها إنهاء المهمّة مرة وإلى الأبد"(13).
حركة تنتشر حول العالم
لعل التأثير الأكبر لـ"حركة الإصلاح الرسولي الجديد" على الصهيونية المسيحية يتركز في دول الجنوب، حيث تتعدد الدول التي لطالما انتقدت إسرائيل في المحافل الدولية كالأمم المتحدة. لكن النمو السريع للأشكال غير الطائفية للمسيحية الخمسينية والكاريزماتية في العقود الأخيرة أسهم في انبثاق حركات جديدة قوامها ملايين الأشخاص الذين "يباركون إسرائيل".
يعدّ يورغن بوهلر أحد أبرز "رُسل" الحركة ورئيس "السفارة المسيحية الدولية في القدس" (ICEJ). وفي مقابلة تعود إلى العام 221204 صرّح: "بدأت تلوح تباشير إدراك الجنوب العالمي قيمة إسرائيل". وتشكل "السفارة المسيحية في القدس" أكبر منظمة مسيحية صهيونية في العالم، ولها مكاتب فرعية وممثلون في أكثر من 90 دولة، كما أنها تزعم تمثيل عشرات الملايين من المسيحيين. وبالإضافة إلى تنسيق أنشطة كنسيّة تواصلية على صعيد عالمي وممارسة الضغط السياسي وجمع التبرعات لدعم إسرائيل، تستضيف "السفارة" أيضا رحلة حج مسيحية ضخمة في "عيد المظال"، وتُحضر آلاف السياح إلى القدس خلال "عيد العُرش" اليهودي (يأتي بعد عيد الغفران. وهو إحياء لذكرى خيمة السعف التي آوت اليهود في العراء أثناء خروجهم من مصر بحسب المعتقد التوراتي).
من نيجيريا إلى الفلبين
نظّم الرسول رينيه تيرا نوفا، مدير الفرع البرازيلي التابع لـ"السفارة المسيحية الدولية في القدس" ورئيس شبكة رسولية عالمية تضم أكثر من سبعة ملايين عضو، مسيرات حاشدة مؤيدة لإسرائيل في البرازيل، وهي دولة يُقدّر الباحثون أن عدد معتنقي الخمسينية والكاريزماتية فيها سيفوق قريباً عدد معتنقي الكاثوليكية، كما أسهم في إرسال آلاف الحجّاج إلى إسرائيل بمناسبة "عيد المظال".
في المقابل، يُشرف الرسول النيجيري إينوخ أديبويْ، الذي اختارته مجلة "نيوزويك" ضمن أكثر 50 شخصية مؤثرة في العالم، ويشرف على شبكة كنسيّة واسعة لها فروع في أكثر من 110 دول. وتزعم هذه الشبكة أنها تستوعب أكثر من خمسة ملايين شخص في نيجيريا وتحاول التأثير على ملايينَ غيرهم في مختلف أرجاء العالم. وقد تعهد أديبويْ، المتحدث الدائم في اجتماعات "السفارة المسيحية الدولية في القدس"، بتسخير شبكته هذه لدعم إسرائيل بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر).
وتنسّق المنظمات المنضوية تحت "حركة الإصلاح الرسولي الجديد"، مثل "بيت الصلاة الدولي" في ميسوري، أياماً عالمية للصلاة والصوم تتمحور حول إسرائيل، مثل "صوم إستير العالمي"، وهي أيامٌ تحشد الملايين عبر شبكات الكنائس الخمسينية والكاريزمية في أوغندا وسنغافورة واليابان وماليزيا والفلبين والهند وغيرها من الدول.
تُمثّل سائر هذه الشبكات ما أسماه جوزيف ويليامز، الأستاذ في جامعة روتجرز، عملية "خَمْسَنة" الصهيونية المسيحية في كافة أنحاء الجنوب العالمي، حيث تُسهم "الجاذبية الدولية" المُتنامية "للممارسات والهويات العمليّة المستقاة من اليهودية والمرتبطة بأدوار اليهود وإسرائيل" في تعزيز اليمين الإسرائيلي المتطرف، فضلاً عن اليمين العالمي(15).
مع نمو "حركة الإصلاح الرسولي الجديد"، بصفتها قوة دينية وسياسية عالمية وازِنة، نتوقع أن تُصبح الحركة الصهيونية المسيحية أكثر تشدداً وعدوانية، وأن تميل أكثر فأكثر إلى ما تسميه "تحويل العالم". ولذلك ينبغي للتقدميين أن لا يُغفلوا هذا الواقع، لكي يتسنى لهم تكييف استراتيجيات ملائمة للدفاع عن الديمقراطية وتغيير السياسة الخارجية الأميركية.
* * *
في البرازيل، انجراف الإنجيليين إلى اليمين
في العام 2014 في ساو باولو، افتتحت "الكنيسة الخمسينية العالمية لملكوت الرب" مجمعاً كنسياً جديداً بتكلفة 300 مليون دولار، زعمت أنه نسخة مطابقة لهيكل سليمان الذي سيُعاد تشييده، بحسب النبوءة، في آخر الزمان. وتأسست هذه الكنيسة على يد الأسقف إدير ماسيدو، الذي اتخذ لنفسه صفة "النبي" وفقاً لما شرّعته "حركة الإصلاح الرسولي الجديد"، ودعا إلى إقامة "حكم رسولي" في البرازيل، وهي تستوعب عشرة آلاف شخص وتكتسي أرضيتها وجدرانها بحجارة مجلوبة من القدس.
خلال افتتاح الكنيسة، قال أحد ممثليها: "لقد أردنا مساعدة الناس على الالتفات إلى إسرائيل ودعم وجودها، كما أردنا منحهم فرصة لمس حجارة القدس، وهو أمر ينطوي عندهم على أهمية بالغة"(16).
كان "هيكل سليمان" للنبي ماسيدو أحدَ المظاهر المترفة لانجراف إنجيلي أوسع نحو اليمين، وكانت له تداعيات سياسية جسيمة. في العام 2014، عامُ افتتاحه، أدانت البرازيل هجوم إسرائيل على قطاع غزة واستدعت سفيرها في تل أبيب. وبحلول العام 2018، أسهم ماسيدو في حشد الدعم الإنجيلي لانتخاب الرئيس اليميني المتطرف جايير بولسونارو، المؤيد المخلص لإسرائيل.
*فريديريك كلاركسون: باحث رئيسي في "المؤسسة البحثية السياسية" (Political Research Associates) في سومرفيل، ماساتشوستس، وهو مركز أبحاث سياسية يدرس حركات اليمين المتطرف.*بن لوربر: باحث رئيسي في "المؤسسة البحثية السياسية" (Political Research Associates) في سومرفيل، ماساتشوستس، وهو مركز أبحاث سياسية يدرس حركات اليمين المتطرف. ترجم المقال من الانكليزية دريس أمجيش.
(1) ملاحظة هيئة التحرير: "الإصلاح الرسوليّ الجديد" هو تيار مسيحي داخل الحركة البروتستانتية الإنجيلية، يدعو إلى استعادة السلطة الرسولية في الكنيسة، ويسعى للسيطرة على المؤسسات الاجتماعية والسياسية وفق رؤية محافظة متشددة.
(2) فريدريك كلاركسون، "مع التهديدات بالعنف السياسي، تجاهلت وسائل الإعلام إلى حد كبير مظاهرة "’المليون امرأة‘ التي نظمتها "حركة الإصلاح الرسولي الجديد" في واشنطن العاصمة"، مجلة "ريليجن ديسباتش"، 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2024.
(3) لازار بيرمان، "المبعوث الأميركي المقبل هاكابي يقول إن ترامب سيجلب تغييراً "ذا أبعاد توراتية" في الشرق الأوسط"، صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، 9 شباط (فبراير) 2025.
(4) نقلاً عن ستيفاني ماكرومن، "جيش الله يخرج من الظلال"، مجلة "ذي أتلانتيك"، 25 شباط (فبراير) 2025.
(5) مقتبس من المقال في الملاحظة السابقة.
(6) ملاحظة هيئة التحرير: إيزابيل هي ملكة فينيقية وقرينة الملك آخاب ملك إسرائيل. حسب الكتاب المقدس نشرت إيزابيل عبادة الإله الفينيقي "بعل" في المملكة، إضافة إلى قيامها بأعمال شريرة أخرى. على مر العصور، ارتبط اسم "ايزابيل" بالأنبياء الكاذبين. وبحلول القرن العشرين، ارتبط أيضًا بالنساء ذوات السمعة السيئة.
(7) بروس ويلسون، "تسجيل صوتي لجون هاغي، المؤيد السياسي لجون ماكين، وهو يبشر بأن اليهود ملعونون وأدنى من مرتبة البشر"، Talk to action، 15 أيار (مايو) 2008.
(8) ملاحظة هيئة التحرير: في علم الآخرة المسيحي، هي فترة من الاضطرابات والكوارث التي ستسبق مجيء يسوع المسيح الثاني، عندما سيظهر المسيح الدجال ويشن حربًا ضد شعب المسيح، ويتبع ذلك ظهور يسوع في السماء ليقضي على المسيح الدجال وجنوده، ليبدأ بعد ذلك عصر السلام الأبدي.
(9) س. جوناثان أودونيل، "معاداة السامية في طور المحو: معاداة العولمة المسيحية الصهيونية ورفض العيش المشترك"، مجلة "دراسات عرقية واثنية"، المجلد 44، العدد الأول، 2021.
(10) بين لوربر، "القرار التنفيذي لترامب لمكافحة معاداة السامية يستخدم سلامة اليهود كسلاح لسحق التضامن مع فلسطين"، مجلة "ريليجن ديسباتش"، 6 شباط (فبراير) 2025.
(11) ميشيل تشابين، "زعماء إنجيليون لاتينيون يجتمعون في القدس لحضور قمة حول إسرائيل"، وكالة "خدمة الأخبار الدينية"، 24 أيار (مايو) 2019.
(12) ملاحظة هيئة التحرير: بحسب المرسوم الذي أنشأ هذا المكتب الجديد، فإنه "يتحمل المسؤولية الأساسية، داخل السلطة التنفيذية، لتمكين الكيانات الدينية والمنظمات المجتمعية وأماكن العبادة من خدمة الأسر والمجتمعات".
(13) آدم إلياهو بيركوفيتش، "القادة الإنجيليون في القدس يطالبون بالسيادة الإسرائيلية على قلب الكتاب المقدس"، Israel365News، 5 آذار (مارس) 2025.
(14) نقلاً عن ماعين هوفمان، "عضو الكنيست الإسرائيلي للبرلمانيين المسيحيين: طالبوا حكوماتكم بمعاقبة إيران"، نقابة الأخبار اليهودية، 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2022.
(15) جوزيف ويليامز، "خمسينية الصهيونية المسيحية"، كتاب تاريخ الكنيسة، المجلد 84، العدد الأول، آذار (مارس) 2015.
(16) آدم إلياهو بيركويتز، "بناء معبد سليمان في البرازيل بتكلفة 300 مليون دولار"، Israel365News 18، تشرين الأول (أكتوبر) 2015.
** ملاحظة المحرر: نشر الحساب الرسمي للبيت الأبيض على منصة "إكس" الصورة المرفقة للرئيس ترامب وهو يتلقى المباركة في 8 شباط (فبراير)، إلى جانب النص التالي: "كما يقول الكتاب المقدس، "طوبى لصانعي السلام". لذلك آمل أن يُعرف أعظم إرث لي، عندما ينتهي كل هذا، باعتباري صانع سلام وموحِّد"، الرئيس دونالد ج. ترامب".