الرئيسة \
تقارير \ الحاجة إلى بناء الهوية الوطنية في سوريا الجديدة
الحاجة إلى بناء الهوية الوطنية في سوريا الجديدة
24.05.2025
محمد شيخ يوسف
الحاجة إلى بناء الهوية الوطنية في سوريا الجديدة
محمد شيخ يوسف
سوريا تي في
الخميس 22/5/2025
أفرزت الثورة السورية على نظام الأسد البائد حراكا مجتمعيا سياسيا مختلفا عما كان عليه الوضع قبيل آذار/مارس 2011، إذ غيب نظام الحزب الواحد القمعي المجتمع على مدار عقود عن أي ممارسة سياسية حقيقية، وحصر الهوية الوطنية ضمن مفهوم طائفي أقلوي حزبي أدى إلى استبعاد شرائح وأطياف ومناطق عن المشاركة الفاعلة في الحياة المدنية والمجتمعية والسياسية، وهو ما تجلى واضحا في فترة ما بعد الثورة وبدء كل منطقة في سوريا التعبير عن نفسها وتنظيم صفوفها وترفع صوتها بقوة وتقول إنها موجودة، فظهرت لدينا المناطق والمجموعات والمكونات المغيبة، فكانت الثورة السورية العظيمة بالفعل ثورة الإنسان السوري وكرامته.
الحراك المجتمعي السياسي وإن كانت فيه تجارب غير ناجحة وأخرى تعرضت للتشويش متأثرة بضغوط المرحلة السابقة، وبقلة النضج السياسي ومزاولة العمل الاجتماعي، وبمنافع شخصية تارة، إلا أنها أظهرت نجاحا لدى كثير من التجارب، وهو ما أسهم في ظهور الهوية الوطنية السورية الجديدة القائمة على مقومات تضع الإنسان وحقوقه في المرتبة الأولى، ومصالحه وأمنه وحمايته، كخطوط حمراء لا تمس، وحرية معتقده ورأيه وثقافته كأساس لا يمكن التخلي عنه.
سوريا التي كان النظام يحصرها بمناطق محددة، وعبر شخصيات ومجموعات معينة، باتت لكل السوريين، شرق البلاد وغربه، ومن شماله وجنوبه، ليفرز وطنا جامعا لكل المواطنين تحت بند المساواة بين الجميع، وعادت سوريا لتتوحد مجددا وتجتمع لوحة الفسيفساء وتنضم للحكومة في دمشق، وتبقى المناطق التي تسيطر عليها قوى الأمر الواقع حاليا بعيدة، لكن عقارب الساعة تتجه إلى اقتراب عودة تلك المناطق لتشكل خريطة سوريا الموحدة.
وفي ظل الانقسام الذي كان النظام قد فرضه، بالتعاون مع دول ساندته، وبدعم من قوى انفصالية، ذاق السوريون إلى جانب تجربة الانتظام السياسي والاجتماعي والتعبير عن الذات، صعوبات التقسيم إلى كينونات ومناطق، وما حققت تلك من إيجابيات وسلبيات تختلف نسبيا من منطقة لأخرى، كانت سلبياتها كارثية على الجميع ونسبتها أكبر، وعانى جميع السوريين من تبعات هذا الأمر، كله يدفع السوريين حاليا إلى التمسك أكثر بوحدة البلاد، لتخف وطأة الحرب والانقسام، والاستفادة من سوريا الجديدة بعد النظام، والمرحلة الانتقالية التي تسير بشكل هادئ وبظل تحديات كبيرة، وانفتاح طاقة الأمل برفع العقوبات، وقرب بدء مرحلة إعادة الإعمار ودخول الاستثمارات، وهو ما يعني سنوات من البناء والعمل واستعادة الاقتصاد والأحياء المدمرة والبيوت والنهضة ولم الشمل وعودة المهجرين والنازحين والمغتربين، هي مراحل مهمة يحتاجها كل سوري.
هذه المرحلة الجديدة وبظل كل ما توفر من ظروف إقليمية ودولية تسهم في تعافي المرحلة المقبلة، تدفع بالحاجة إلى تبني جميع السوريين الهوية الوطنية الجديدة لسوريا الحديثة، هوية تشمل جميع المكونات والأعراق والأديان، من عرب وتركمان وأكراد وسريان، مسلمين سنة وعلويين ودروز، ومسيحيين، من كل الطوائف والأعراق والمكونات التي تشكل النسيج السوري، الكل سواسية متساوون في الحقوق المقدمة من قبل الدولة السورية والواجبات التي على عاتق الجميع، دون تمييز أو تفريق أو معاملة من أي درجة كانت، لا تفوق للمدينة على الريف، ولا المدن الكبرى على المدن الصغرى.
وخلال مرحلة بناء سوريا الجديدة، وأثناء عمل الدولة في المرحلة الانتقالية على مستويات متعددة من الحوار الوطني إلى الإعلان الدستوري المؤقت والحكومة في المرحلة الانتقالية والإعداد لطرح البرلمان المؤقت، يفهم كل عاقل أن هذه المرحلة هي مؤقتة وتعد حاجة لبناء الدولة بعد التخريب الممنهج من قبل النظام منذ أكثر من خمسين عاما، ولحين انتهاء المرحلة الانتقالية التي تشمل إعداد دستور جديد، وإجراء استفتاء عليه، وإجراء انتخابات جديدة تتمخض عنها حكومة تعمل على خدمة الشعب وتطبيق الدستور الذي يشمل الحقوق، يتعين على السوريين بكل أطيافهم ومكوناتهم العمل بشكل متواز على وعي الهوية السياسية والمجتمعة الجديدة في الدولة السورية الجديدة.
وضع الهوية السورية قبل الانتماءات العرقية والدينية والطائفية، فالجميع سوريون متساوون بالحقوق والواجبات وبالتالي الاعتزاز بالهوية السورية والابتعاد عن المناطقية.
ومن أبرز ملامح الهوية الوطنية الجديدة اللازمة بشكل عاجل لجميع السوريين، وضع سوريا أولا أمام أي اعتبار، مرحلة البناء هذه تتطلب وعيا وصبرا ودعما للحكومة لإتمام المراحل الانتقالية، وصولا إلى تطبيق الديمقراطية والحرية التي طالب بها السوريون منذ 2011 وقالوا حينها الموت ولا المذلة، وحرية للأبد، وبالتالي يحتاج من السوريين الوعي بضرورة الصبر في هذه المرحلة لتقف البلاد موحدة مرة جديدة، والابتعاد عن الاستفزازات والانجرار وراء الشائعات، والتفكير مليا في أي فتن قد تظهر في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ إن فلول النظام على رأس عملهم بدعم من بعض الأطراف، ويسعون كل فترة إلى تخريب المرحلة الجديدة عبر فتن وأكاذيب وألاعيب وتلفيق الأخبار وممارسة التضليل والتشويش.
النقطة الثانية المهمة هي التآخي بين السوريين، وإدراك أن هناك مساواة بين الجميع، فلا يمكن لأي أحد أن يكون مفضلا عن أي شخص آخر، ولا فضل لأحد على الآخر إلا عبر التآخي المشترك، ولا يمكن لأي طرف أن يحتكر أي شيء، لأن السوريين جميعا وصلوا إلى هذه المرحلة بالصبر والثبات والمعاناة، ومن المؤكد أن كل سوري كانت له معاناة مختلفة، بالطبع لا يشمل هذا رجال النظام والفاعلين معه ومرتكبي الانتهاكات والجرائم، حيث إن السوريين في الداخل كانوا ضحية وعانوا، والسوريين في الخارج كذلك كانت لهم معاناة ليست بالهينة، فضلا عن آلام أهالي الشهداء والمغيبين والمختفين ومن فقدت آثارهم، كل السوريين عانوا وجميعهم يستحقون الحياة الكريمة، وبالتالي لا فضل لأي سوري، فالمعاناة كانت مشتركة ولا تجزأ.
يجب ألا ينسى السوريون أن تجارب الدول الحقيقية في الديمقراطية بالحرية والمساواة تضع الجميع على قدر واحد من المعاملة والمسؤولية.
أما النقطة الثالثة وهي مهمة جدا، وهي وضع الهوية السورية قبل الانتماءات العرقية والدينية والطائفية، فالجميع سوريون متساوون بالحقوق والواجبات وبالتالي الاعتزاز بالهوية السورية والابتعاد عن المناطقية، فلا يريد أي أحد أن يكرر ممارسات النظام الإقصائية، فاليوم جميع المكونات والطوائف والمناطق والمدن، يشتركون مع بعضهم البعض في بناء الدولة السورية الجديدة، وهذا لا يعني بالطبع عدم الفخر بالانتماء إلى أي مكون أو طائفة أو مجموعة، هذا أمر مختلف تمام، بل إن مسألة الشعور بالهوية السورية والمساواة، تقلل من مخاطر التوترات والإحساس بالإقصاء، وبالوقت نفسه يحق للجميع الشعور بالفخر والاعتزاز بما ينتمي له من ثقافة ولغة ومعتقد، هذه هي مقومات الدولة الجديدة الديمقراطية راعية الحقوق والحريات للجميع، وهو ما خرج الجميع من أجله، وعدم الشعور بالاستبعاد في وطن يجمع الجميع.
كما يجب ألا ينسى السوريون أن تجارب الدول الحقيقية في الديمقراطية بالحرية والمساواة تضع الجميع على قدر واحد من المعاملة والمسؤولية، وحتى الوصول إلى هذه المرحلة يجب التحلي بروح الهوية الجديدة القائمة على هذا المبدأ، فلا تمييز بين أحد، كما تجري المعاملات في مختلف المؤسسات، والتعامل في الدول المتقدمة مع المواطنين وفق أرقامه الوطنية وحسب، ما يسهم في تقديم الخدمة لهم بشكل أفضل دون أي سؤال عن منطقة أو حي أو قرية او مدينة، وعليه يجب أن يتكاتف السوريون في المرحلة الجديدة لبناء الدولة بمعرفة الحقوق والواجبات، وبالطبع فإن هذا الموضوع كبير جدا ويمكن الحديث فيه بتفصيل، والأهم أن تكون كلها موجودة في الدستور الجديد المأمول، دستور يوفر الأمان والحرية والديمقراطية وكفالة حقوق جميع السوريين وضمان مساواتهم وتكافؤ الفرص فيما بينهم دون أي تفريق.