الرئيسة \  تقارير  \  التوازنات الجيوسياسية في سوريا من الطاقة إلى الأمن

التوازنات الجيوسياسية في سوريا من الطاقة إلى الأمن

05.08.2025
مجاهد أحمد المزوق



التوازنات الجيوسياسية في سوريا من الطاقة إلى الأمن
مجاهد أحمد المزوق
الجزيرة
الاثنين 4/8/2025
تواجه سوريا تحديات معقدة في سياق جيوسياسي متغير، حيث سعت الإدارة السورية الجديدة منذ وصولها للحكم إلى وضع خارطة طريق ترتكز على تحقيق توازن بين المصلحة الوطنية والمصالح المشتركة للأطراف الإقليمية والدولية.
هذه الخطوة أتت في وقت يتطلب فيه الوضع الراهن الابتعاد عن حالة الصدام، وهو ما تجلى بشكل واضح في ملف الطاقة، الذي يعد أحد الملفات الناجحة في هذا الشأن. فقد تمكنت سوريا من تحقيق توازن بين الاستثمارات والتنافس حول إعادة الإعمار، مما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون مع جميع الدول.
مع إدراك دمشق أن الصبر والدبلوماسية لم يعودا كافيين، وربما بات السلاح أهم من الخبز فقد أبرمت الإدارة السورية اتفاقيات دفاعية إستراتيجية مع أنقرة تضمن الاستقرار وتعزز حضورها الإقليمي، الذي تحاول إسرائيل سلبه
ومع ذلك، تبقى هناك تحديات داخلية عالقة، أبرزها سلاح المليشيات الانفصالية التي تحاول إسرائيل استثمارها لتحقيق طموحاتها التوسعية وفدرلة سوريا.
في هذا الإطار، شهدت الأشهر الثمانية الماضية تطورات مهمة، بما في ذلك رفع العقوبات وتعنت المليشيات، التي تستقوي بالكيان الصهيوني الذي يسعى لتحقيق مكتسبات جيوسياسية تحت مسمى "الحماية الإنسانية".
في الواقع، يبدو أن أهداف إسرائيل متعددة، حيث تبحث عن مبرر لتوسعها الجيوبوليتيكي نحو دمشق، وقد تمكنت من دخول مساحات جديدة تصل إلى 300 كيلومتر منذ سقوط النظام البائد.
قبل ملف الجنوب، أعلنت إسرائيل عن نيتها تقديم الحماية لمليشيا شمال شرق سوريا الانفصالية (قسد) في تحدٍ واضح لتركيا، التي كانت قد أعلنت في وقت سابق عن خطوات استباقية منها نيتها وضع قواعد عسكرية وسط سوريا.
وكان الرد الإسرائيلي بقصف مطار حماة العسكري ومطار T4، مما يعكس تصاعد التوتر والنفوذ في المنطقة.
بعد عدة أشهر استمرت إسرائيل بسياسة شد الأطراف عبر استمالة الدروز وإقناعهم بطلب الحماية الإنسانية فقامت باستهداف مبنى قيادة الأركان، ومحيط القصر الرئاسي.
في ظل هذه الضغوط، وتسارع الأحداث تحركت العشائر العربية، كرسالة واضحة لمن يريد العبث بالأمن. وفي السياق ذاته، جاء التحرك في الكونغرس الأميركي لتمديد قانون قيصر كإشارة واضحة لدمشق لاتخاذ قرارات جريئة داخلية وعلى الصعيد الخارجي.
على صعيد آخر، أعلنت السعودية عن نيتها استثمار 15 مليار دولار في سوريا، مما يعكس تغيرًا في موازين القوى الإقليمية ورسالة إضافية لحضورها في هذا الشأن.
ومع إدراك دمشق أن الصبر والدبلوماسية لم يعودا كافيين، وربما بات السلاح أهم من الخبز لذا فقد أبرمت الإدارة السورية اتفاقيات دفاعية إستراتيجية مع أنقرة تضمن الاستقرار وتعزز حضورها الإقليمي، الذي تحاول إسرائيل سلبه.
إن المستقبل القريب يحمل في طياته تحديات كبيرة، ولكن أيضًا فرصًا للتعاون والتوازن في العلاقات الدولية، مما يتطلب من كل الأطراف المعنية التحلي بالحكمة والمرونة والدبلوماسية
إن ما بين نية تركيا إنشاء قواعد عسكرية في الوسط السوري، وتدخلات إسرائيل في العمق الإستراتيجي لدمشق، تتبادل رسائل عالية النبرة وضغوط على كافة الأصعدة، تعيق الاستقرار والاستثمار وتهدد الأمن والسلم الدوليين، ومن الواضح أن ملفي الهجري وقسد لا يعدو كونهما أوراقًا استثمارية ضاغطة، بينما تخفي مصالح القوى المحركة الكثير من التعقيدات.
وفي سياق متصل، تتزايد التكهنات بشأن حالة تصادمية بين أنقرة والكيان الصهيوني، حيث أخذ الأخير دور النظام البائد ومحور إيران في اللعب بملف المليشيات.
وإذا لم تكبح الولايات المتحدة طموحات نتنياهو فإن التصادم لا مفر منه باعتقادي الشخصي أو القبول بتقديم تنازلات.
في هذا السياق ليست دمشق وحدها تحت الضغط الإسرائيلي بل الأردن أيضًا إن لم يستعد بخطوات استباقية، حيث يواجه تهديدات لأمنه القومي، بما في ذلك الأمن المائي والغذائي.
إن المستقبل القريب يحمل في طياته تحديات كبيرة، ولكن أيضًا فرصًا للتعاون والتوازن في العلاقات الدولية، مما يتطلب من كل الأطراف المعنية التحلي بالحكمةوالمرونة والدبلوماسية في التعامل مع هذه الديناميات المتغيرة.. فالمأزق خطير ومعقد.