التطبيع السوري رهينة أميركية إسرائيلية
28.08.2025
بسام مقداد
التطبيع السوري رهينة أميركية إسرائيلية
بسام مقداد
المدن
الاربعاء 27/8/2025
وصف أحدهم حالة إيران وحزب الله الراهنة بأنها مثل سيارة سقطت في وادٍ سحيق، ولم يسلم منها سوى جهاز الراديو الذي ما زال يبث بأعلى صوته. ومَن يستمع إلى تصريحات الإيرانيين و ما تبقى من أذرعهم في المنطقة، يتراءى له بأنهم يصدقون فعلاً أن سيارتهم خرجت من القعر ولم تُصب سوى بخدوش. وفي السياق، تعود الذاكرة إلى تسعينات القرن الماضي، حين اختطفت إسرائيل أحد مقاتلي حزب الله من قريته البقاعية. وبعد إطلاق سراحه في صفقة تبادل، عُلّقت صورته تحت أحد جسور الضاحيةالجنوبية لبيروت، وكتب عليها "الحمد لله نحن دائماً على حق".
أتباع الأيدولوجيات، المنتصرون في كل المعارك، ومهما تغير واقعهم وتقلبت المياه تحت جسورهم، وحتى لو هدمتها، "هم دائماً على حق". ومقابل هذا الحق الإلهي في الصواب الأبدي للإيديولوجية الدينية، كان الشيوعيون أتباع الأيديولوجيا الملحدة يرددون دائماً "وقد أثبت التاريخ صحة وجهة نظرنا". وبينما يعلن الإيرانيون وأذرعهم أنهم منتصرون و"دائماً على حق"، يعلن الرئيس السوري أن المفاوضات مع إسرائيل قد حققت تقدماً، وتتخذ السلطات اللبنانية قراراً بتجريد حزب الله من سلاحه، وفي طريق غزة ما زالت "حماس" تضع الشروط على صفقة إنقاذ ما تبقى من حياة في القطاع.
ومع ذلك، ما زالت نبرة إيران وحزب الله وبقايا الأذرع، ترتفع عالياً. يريدون من المنطقة والعالم أن يصدقوا "نصرهم"، ويتجاهلوا أن إسرائيل الآن هي التي تملي الشروط مع الولايات المتحدة، على إيران وعلى محمياتها السابقة التي تقف على عتبة التطبيع الأمني مع إسرائيل، تمهيداً للتطبيع الشامل. وحكاية إيران وأذرعها تشبه حكاية ما يسمى "حشرة ثمرة اليقطين". تدخل الحشرة في الثمرة عبر ثقب صغير، وتبدأ بالتهام داخلها حتى تفرغها نهائياً وتأخذ حجم الثمرة. وحين تنتهي من مهمتها وتهم بالخروج، تصطدم بضخامة حجمها وصغر الثقب الذي دخلت منه، فتضطر للصيام والعودة إلى حجمها السابق. كانت إيران تفاخر بدخولها يقطينات المنطقة الأربع، ومهما علت نبرتها وهي توزع تهديداتها الآن، ثمة مَن يجبرها على الخروج والعودة إلى حجمها الذي كانت عليه.
ومن دون أن ترفع الولايات المتحدة وإسرائيل نظرهما عن إيران العائدة إلى المفاوضات مع الترويكا الأوروبية، تنشط الدولتان الآن على الجبهتين السورية واللبنانية. ففي 22 آب الجاري، نشر موقع Detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية، نصاً نقله عن صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية. وعنون الموقع النص: "تشابك المصالح الأميركية الإسرائيلية قد يصالح سوريا وإسرائيل". ورأى المحلل في "هآرتس"، جاكي خوري، أن اللقاء بين وزير الخارجية السوري ووزير القضايا لإستراتيجية الإسرائيلي، في باريس، وكذلك لقاء الشيخ موفق طريف وتوم باراك، يشيران إلى أن المنطقة هي مسرح تشابك المصالح الأمنية والسياسية الأميركية والإسرائيلية. ولذلك، قد يوفر هذا التشابك نموذجاً نادراً للتعاون بين متنافسين بدا أن التوفيق بينهما مستحيل. لكن، إذا فشلت هذه الجهود الدبلوماسية، فستستمر الفوضي في المنطقة، وقد يرتفع مستوى التصعيد ويتعدى المنطقة. ومشاركة الولايات المتحدة تشير إلى استمررها في تشكيل النظام السوري الجديد، مع العلم أن لدى تركيا طموحات أيضاً حيال سوريا.
ورأى الكاتب أن المفاوضات بالنسبة للنظام السوري هي فرصة لفتح قناة اتصال مع إسرائيل، لا سيما لتعزيز العلاقات مع واشنطن. لكن تنازلات الشرع قد يعتبرها لمجتمع السوري خيانة تقوض شرعية حكمه. أما بالنسبة لإسرائيل التي تحتل قسماً من المنطقة العازلة، فهي غير معنية بالمسؤولية عن سكان هذه المنطقة، وتسعى لإعادتها إلى النظام السوري. وبعد أن يشير الكاتب إلى أن الإجتماع بين الشيخ طريف وباراك، ركز على إقامة معبر إنساني بين سوريا وإسرائيل،و يقول بأن محيط باراك يصرح بأن الولايات المتحدة تواصل دعم كل الجهود المؤدية إلى السلام والاستقرار بين إسرائيل وجيرانها. ويقولون أن هذا الدعم ينبثق من رؤية ترامب لشرق أوسط مزدهر، حيث سوريا المستقرة تعيش سلاماً مع نفسها ومع جيرانها، بمن فيهم إسرائيل. ويقول الكاتب أنه، في حين يتحدث نظام الشرع عن سعيه لحماية دروز السويداء، تصدر دعوات لإقامة منطقة حكم ذاتي درزية توفر الأمن للطائفة. كما تحدثت "هآرتس" عن المفاوضات في مرحلتها الراهنة. لكن المفاوضات تدور من أشهر، وكان الإعلام يفيض بالتكهنات عن حقيقة حصولها، ويلاحق سريتها أو علنيتها.
ونشر موقع caliber الأذري، في 3 تموز الماضي، نصاً تساءل في عنوانه عما إن كان السلام سيقوم بين سوريا وإسرائيل. وكتب النص خصيصاً للموقع، مؤلف كتاب "إسرائيل: الطرييق إلى الكارثة"، وهو المؤرخ الإسرائيلي روسي الأصل أرتيوم كيربيتشينوك Artem Kirpichenok الذي يتساءل عما إن كان مصير إسرائيل سيكون مشابهاً لمصير الدول الإستعمارية. واستهل الكاتب نصه بالقول أن التصريحات التي أطلقها آنذاك عدد من السياسيين، تشير إلى أن البلدين العدوين منذ نشوء إسرائيل، عملياً، قد يتمكنان من عقد إتفاقية سلام. ونقل عن مصدر إسرائيلي لم يذكر إسمه، أنه ليس لديه معلومات ما إن كان سيتم التوصل إلى إتفاقية شاملة عن تطبيع العلاقات بين والبلدين ومتى. وقال بأنه يعتقد أن الشرع يسير في الطريق الصحيح، إذ يريد حكومة تنعش الإقتصاد والإستثمارات. ونقل عن المصدر المجهول قوله لصحيفة The Times of Israel "نحن حذرون، وحذرون جداً". وأكد المصدر أن "هناك رغبةً مطلقةً في توسيع نطاق اتفاقيات أبراهام...وليس سرًا أننا نريد أن تكون سوريا جزءًا منها". وأضاف أنه، حتى في حال التوصل إلى اتفاقيات، فإن إسرائيل لن تتخلى عن جبل الشيخ أو مرتفعات الجولان.
وأشار الكاتب إلى أن وزير الخارجية الإسرائيلي أكد على الفور تقريباً ما جاء على لسان المصدر، إذ عبّر عن إستعداد إسرائيل لتطبيع العلاقات مع سوريا ولبنان وضمّهما إلى إتفاقيات أبراهام. واستهجن الكاتب كلام وزير الخارجية الذي كان منذ مدة وجيزة يعتبر الشرع "إرهابياً مستتراً"، وحذّر من "الإستسلام لسحره". لكن الكاتب رأى أنه، بعد حرب الإثني عشر يوماً مع إيران، تعرض موقف الحكومة الإسرائيلية من الشرع لبعض التغييرات. ورأى احتمال أن يكون وقوف سوريا على الحياد في فترة الحرب قد لعب دوراً في ذلك. ونقل الكاتب عن مصدرين إسرائيليين رفيعي المستوى قولهما أن الصفقة محتملة، لكنهما أكدا أنها تتطلب الكثير من الوقت. كما نقل عن ممثل للولايات المتحدة قوله أن المفاوضات كانت تتولاها حينها الحلقة متوسطة المستوى، ولم يكن قد جرى البحث بعد في لقاء زعيمَي سوريا وإسرائيل. وتمت الإشارة حينها إلى أن الولايات المتحدة كانت تؤيد عملية تدريجية من شأنها أن تساعد في تعزيز الثقة وتحسين العلاقات بين إسرائيل وسوريا.
وبعدما استرسل في الحديث عن تطور المفاوصات حينها، ومطالب سوريا وشروط إسرائيل لمواصلتها، توقف الكاتب عند لقاء الحاخام الأميركي أبراهام كوبر مع الشرع في حزيران/يونيو المنصرم، وتأكيده بأن اللقاء بين نتنياهو والشرع "أكثر من محتمل". وينوي الشرع التوجه إلى نيويورك في شهر أيلول المقبل لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتقول مصادر إسرائيلية أنهم في دمشق لا يستبعدون اللقاء بين الشرع ونتنياهو. وقد يكون الوسيط في اللقاء ولي العهد السعودي الذي سيزور دمشق في وقت قريب جداً.