الرئيسة \  مواقف  \  التصوف معرفة..

التصوف معرفة..

23.12.2025
زهير سالم

التصوف معرفة..
 في أسواق العقائد والمذاهب والأفكار يحاول كل فريق أن يسوّق بضاعته…
ومع أن الأسواق مليئة بالدبس الحامض.. ولكن  لا أحد ينادي بهذا العنوان عن دبسه، كلٌ ينادي: عسل يادبس، قيمق يا لبن..
أمرُّ بأناس يعرفون التصوف بأنه زهد!! وكم من زاهد حق غير متصوف، وكم من متصوف حق غير زاهد!!
وإذا شئتم أعرّف لكم التصوف، من غير تطفيف سأقول: التصوف معرفة..
وبعد أن أبحر الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي، في محاولاته في المنقذ من الضلال عاد يقول: العجز عن الإدراك إدراك.
وألف السهروردي غير القتيل: عوارف المعارف.
أما السهروردي القتيل فألف: حكمة الإشراق، وهياكل النور.. ومنذ قرأتها صدمني أن يكون للنور هيكل!!
وكان ابن سبعين الأندلسي: يجلس أمام البحر يراقب الموج ويقول: الله فقط لا شك في ذلك!! ترى موجا وليس ثَمّ إلا البحر..
قرأت فصوص الحكم وأنا طالب في الجامعة، في المكتبة الوطنية في حلب..
كم يحدوني الشوقُ إلى المكتبتين الوطنية والوقفية فيها.. ؟؟!!
أشتاق حتى تغرق عيناي، تغرق لا تغرورق، ولكن له في أمرنا مشيئة.ولعله قدّر أن يمضي لنا هجرتنا، فيقبضنا مهاجرين غرباء!!
وأقول غير مثرّب على أحد، هم  ونحن بأمره -أمر مولانا ومولاهم- نعمل ويعملون..
يسألني أحدهم لماذا؟  فأشرح له بعضّ وجهة نظري؛ فيجيبني: ولكن هذا فلان وفلان وفلان!! يا أخي أنت تسألني عن أمري، ولكن هل أنا عن فلان وفلان وفلان بوكيل!!
والتصوف معرفة..
لذا قالوا: من ذاق عرف..
ومن عرف خاف..
ومن خاف أدلج
ومن أدلج دخل الجنة..
يقول العارفون: اللهم اغفر لنا ولمن طلب المغفرة، وأنت أعلمُ بنا وبهم..
اللهم ارحمنا وارحم من طمع في رحمتك، ورحمتك وسعت كل شيء…
وأهل التصوف أهل المعرفة…
ولو سار أهل التصوف الحقيقيين مع المعلِّم المعلَّم سبعين سنة، ما سألوه سؤالا سأله سيدنا موسى..
لا أحد أفضل من رسل الله ولا من أنبيائه، حتى لا يسبقني إليها أحد…
وترى أحدهم إذا تحدث الناس عن الرحمة التي وسعت كل شيء، يرطن ويبربر؛ وكأنه رضوان أو مالك!!
يا أخي أنا وأنت ما أجملنا إذا نجونا بأنفسنا..،
السائل المكدًي لا يشارط، لنبي من أولي العزم قيل: "فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ"
ما أغلظ جلده - هذا المكدّي"- حين يشترط على الله أن لا يغفر لفلان ولا لفلان ولا لفلان.. أيها المسكين -أنادي على زهير- اعمل على فكاك رقبتك، وادرء العذاب عن وجهك، ولا تحاول أن تدعي.. فما أقبح أن يكون أصحابُ الدعوة أصحابَ دعوى!!
قالها للأعرابي الجلف:
وماذا أصنع لك إن نُزعت من قلبك الرحمة، بل إن جهلت فما أدركت..
من الذي منح فرعون اللحظة التي يعلن فيها
"حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾"
بالتأكيد ليس موسى، ولا واحد من بني إسرائيل. ومن الذي سجلها وأشهرها وتركها كلمة باقية، ونجّاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية..؟؟
بالتأكيد ليس موريس بوكاي ولا الشيخ مصطفى العدوي ولا عبد الفتاح السيسي ولا أنا.. ولا أنت..
هي أمور يبديها ولا يبتديها..
والتصوف معرفة!!
ولكن هل يزِلُّ العارف: وكان من أكثر دعاء سيد المرسلين: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك..
والتصوف معرفة، وكان سيد المرسلين يدعو: وأعوذ بك من طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن!!
ويسألني عن بعض ما يرى؟؟  من أمر الناس في هذا الزمان!! وأقول في كل الطرق والسبل والدعوات يُحفظ
"فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا "
كان للسادة النقشبندية شعار "نظر بر قدم"
انظر إلى موضع قدميك…
أقولها لنفسي "ًموضعَ قدميك" يا زهير، لن تُتسأل يوم غدا عما فعل فلان أو فلان إلا أن تكون قد غللتَ أو بهتَّ أو اغتبت أو نممت..
دائما أذكر نفسي بمعنى قول الزور في قوله عن أكبر الكبائر: ألا وقول الزور وشهادة الزور، والعطف للمتغايرين، وقول الزور بعضه البهتان، أتذكر أن الغيبة بعض حديث الصادقين. وأن البهتان غيبة مع اجتراح الإفك.. مالي وللناس..
نجمع الحسنات بالهدب، ونسفحها سفاح الحمقى…
هل حفطتم بيت ابن سينا، ما أجمله، أقصد بيته؛ لكي لا أفتح بابا للجدل..
واحفظ… فإنه ماء الحياة.. يراق في الأرحام
قال أحد الصالحين: لو كنتُ مغتابا أحدا لاغتبت والديً، لذا أقول لنفسي: التصوف معرفة…
في حلب كانوا يسقطون العدالة عن كشاش الحمام..
يقولون يعيبونه بعيونه الزائغة..
مرة على حرمات الجيران..
ومرة على أسراب الطيور، كيف تطير.. وكيف يخطف منها أو يعيب..
ومرة حين يخادع طيوره فيخفق لها بجناح كذوب، وهي حين تهبط تقول له: وإنك لتعلم ما نريد..
وكنا في طفولتنا الغضة حين تعلمنا هذا العلم، تعلمنا أن كل قول نقوله، أو فعل نفعله علينا أن نتساءل: أي القعيدين تعجله.. فقد رسخ في اعتقادنا أنّ لنا عن اليمين وعن الشمال قعيدين
يقتضيان منا الحياء والتوقير والخوف من صاحب الشمال أن يبتدرنا.. وما أبكر ما حـفظنا:
إذا ما خلوْتَ الدّهرَ يوْمًا، فلا تَقُلْ
خَلَوْتُ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغفِلُ ساعة
وَلا أنَ مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيبُ
لهَوْنَا، لَعَمرُ اللّهِ، حتى تَتابَعَتْ
ذُنوبٌ على آثارهِنّ ذُنُوبُ!!
حتى صار من معرفتنا أن نحسم أمرنا أي المأمورّين بنا، شغلنا أكثر اليوم…
التصوف معرفة نعم معرفة…
وحين أقرأ بعض ما كتب أو حاضر أو انتدى أو قال الآخرون.. تكون نيتي لعلي أجد فيما قرروا هدية تهدى وعلما بستفاد..
(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)
زهير سالم
السبت 6/12/2025