الرئيسة \  تقارير  \  التاريخ يعيد نفسه في جنين.. ومحاولة نقل تجربة غزة إلى مدن الضفة لن تحل مشكلة الاستيطان ولا الاحتلال

التاريخ يعيد نفسه في جنين.. ومحاولة نقل تجربة غزة إلى مدن الضفة لن تحل مشكلة الاستيطان ولا الاحتلال

05.07.2023
إبراهيم درويش



الغارديان : التاريخ يعيد نفسه في جنين.. ومحاولة نقل تجربة غزة إلى مدن الضفة لن تحل مشكلة الاستيطان ولا الاحتلال
إبراهيم درويش
لندن- “القدس العربي”:
الثلاثاء 4/7/2023
اهتمت صحيفة “الغارديان” بالهجوم الإسرائيلي على مدينة جنين، ونشرت عدداً من التقارير الميدانية والتحليلات، إلى جانب مقال كاريكاتيري ساخر رَسَمَه رسام الكاريكاتير ستيف بيل، واستحضر فيه صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهيرة التي ظهر فيها على صهوة حصان عاري الصدر، وهذه المرة صور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عاري الصدر، وبالزي الخاكي، ويعتلي صهوة جرافة، ممسكاً بمهمازها، مخاطباً إياها: “اهدئي!. إنها مجرد عملية عسكرية كبيرة!”.
 أُجبر جيش الاحتلال، الشهر الماضي، على إرسال مروحيات عسكرية، لأول مرة منذ عقدين، لإنقاذ قوات برية واجهت بشكل غير متوقع مقاومة.
وفي تقرير أعدته مراسلة الصحيفة بالقدس بيثان ماكرنان وسفيان طه جاء أن “التاريخ يعيد نفسه، الهجوم الإسرائيلي يحوّل جنين، ومرة أخرى، إلى ساحة حرب”، وأضافا: “في مركز جنين، ومدخل مخيم المدينة، تهتز الأرض بأصوات الانفجارات: جولات من طلقات المدفعية والرشاشات التي غطّت على صفارات سيارات الإسعاف والصرخات والاستغاثات، الطرق مليئة ببقايا الطلقات والزجاج المهشم، وامتلأ الجو برائحة الغاز المسيل للدموع وأعمدة الدخان المتصاعد من العجلات المحترقة، والتي تم إشعالها لمنع الرؤية وتقدم الإسرائيليين”. و”قد شهدت جنين، المدينة الفقيرة في شمال الضفة الغربية، واحدة من أسوأ المواجهات في الانتفاضة الثانية، بداية القرن الحالي. وبعد عقدين عادت الحرب الشاملة إلى شوارعها، وجلبت معها الكدمات القديمة لجيل الكبار، وفتحت أعين الصغار”.
وقالا إن القتال الشديد احتدم في مخيم جنين، الذي يشبه غيتو خانقاً، ويسكن فيه حوالي 11.000 شخص. ومن الساعات الأولى في يوم الإثنين، عندما شنت القوات الإسرائيلية عملية “البيت والبستان”، وهي أكبر عملية لها في الضفة الغربية، منذ 20 عاماً.
وبنهاية اليوم، سقط ثمانية فلسطينيين شهداء في عمليات بطائرات مسيرة هي الأولى في الضفة منذ 15 عاماً، ومواجهات يشارك فيها حوالي 2.000 جندي إسرائيلي. وعادت الجرافات، وهي علامة معروفة أثناء الانتفاضة الثانية، دمرت وأضرّت بالبيوت والسيارات والشوارع. ويقول الجيش الإسرائيلي إنه استخدمها لكي ينظف الطرق من المفخخات.
وتصف الصحيفة المستشفى المحلي بأنه كان حاراً وفوضوياً، وبكهرباء متقطعة وخطوط من الدم على الأرض، في وقت دخّنَ فيه الباحثون عن ملجأ سجائرهم خارج غرف العناية، ووجد البعض منهم مساحة للنوم في الممرات الأكثر هدوءاً، وسُجّيت ثماني جثث في المشرحة، حيث جاءت العائلات الباكية وذهبت.
ويقول الدكتور محمد البسليط، جرّاح العظام، والذي يعمل في مستشفى جنين منذ أربعة أعوام: “هذا هو أسوأ الأيام التي مرت علي”، وقال إن المستشفى استقبل 35 مصاباً، منهم 10 بحاجة لعمليات جراحية. وأضاف: “نحن أقرب مركز طبي للمخيم، ونبعد 200 متر عن الطريق إليه، ولكن الجنود لم يسمحوا إلا لبعض سيارات الإسعاف بالمرور، ونعرف أن هناك الكثير من الأشخاص الجرحى ولا نستطيع الوصول إليهم”، حيث تواصلت الصحيفة معه عبر الإيميل، في وقت نفى فيه الجيش الإسرائيلي أنه يعرقل عمل الفرق الطبية الفلسطينية.
طبيب: هذا هو أسوأ الأيام التي مرت علي.. المستشفى استقبل 35 مصاباً، منهم 10 بحاجة لعمليات جراحية. نحن أقرب مركز طبي للمخيم، ولكن الجنود لم يسمحوا إلا لبعض سيارات الإسعاف بالمرور.
وفي جنين، أكبر المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، التي بنيت بعد طرد الفلسطينيين من قراهم ومدنهم عام 1948، وظل مركزاً للمقاومة للاحتلال الإسرائيلي الذي مضى عليه 55 عاماً، ولا يزال اليوم يعاني من معدلات عالية من الفقر والجريمة والبطالة، ومعارك السلاح بين المقاومين والقوات الإسرائيلية في الشوارع الضيقة للمخيم. وينظر الكثير من الفلسطينيين للسلطة الوطنية بأنها مجرد متعهد للاحتلال الإسرائيلي، ولا حضور لها أو شرعية في المخيم، ووصل المقاتلون الذين لا يأخذون أوامر من الفصائل الفلسطينية درجة النضج.
وتقول الصحيفة إن المخيم هو مركز موجة “عنف” أغرقت إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. وبحسب الجيش الإسرائيلي، فإن 50 عملية إطلاق نار في إسرائيل، خلال العامين الماضين، جاءت من المخيم، الذي اختبأ فيه 19 شخصاً مطلوباً.
 ورغم محاولات إسرائيل المعروفة بـ “جزّ العشب” فقد تدهور الوضع، وأصبحت هجمات الفلسطينيين قاتلة، وقتل أربعة مستوطنين عند مدخل مستوطنة بالضفة الغربية الشهر الماضي. وقتل 130 فلسطينياً، على الأقل، و24 إسرائيلياً منذ بداية عام 2023، ما يعني أن هذا العام في الطريق لكي يصبح أكثر الأعوام دموية في الضفة الغربية وإسرائيل. وخلّفت عمليتان مفاجئتان، العام الماضي، على قطاع غزة 83 فلسطينياً وإسرائيلياً واحداً. وتصاعدت حدة القتال، في الأسابيع القليلة الماضية، بجنين، وعلى عدة مساحات، حيث أجبر الجيش، في الشهر الماضي، على إرسال مروحيات عسكرية، لأول مرة منذ عقدين، لإنقاذ قوات برية واجهت بشكل غير متوقع مقاومة، بما في ذلك استخدام القنابل المصنعة محلياً، والتي ربطها الجيش بتلك التي واجهها في حربه بلبنان عام 2006. وفي تطور غير مسبوق أُطلق صارخ من جنين باتجاه إسرائيل، في تقليد للترسانة الحربية التي بنتها “حماس” في غزة.
فلسطيني: لقد أصبت بصاروخ في الانتفاضة الثانية،.. بعد عشرين عاماً ابني هنا، وفي نفس السرير وبنفس الإصابة،.. التاريخ يعيد نفسه.
وتستهدف عملية “البيت والبستان” ما يقول الجيش إنه مركز القيادة في مخيم جنين، والذي يستخدم كمركز للاختباء والتخطيط الإستراتيجي والاتصالات. وفي مستشفى جنين قال الناجون إن الإسرائيليين، بعد الهجوم الأول بالمسيرات، بدوا وكأنهم يهاجمون بطريقة عشوائية. وقال المقاتل أبو أيهم، 37 عاماً، من مخيم جنين: “لقد أصابت شخصاً كان لا يبعد عني سوى 5 أمتار”. وكان يحاول الرد على الضرر الذي أحدثته الغارة الإسرائيلية، وغطي نصفه الأسفل بالشاش نتيجة إصابته بالشظايا، ولم يجد الأطباء الوقت لفحصه بدقة بعد. وقال إنه قد لا يمشي، وأخبره الأطباء أنه بحاجة لعملية جراحية. وقال والده جهاد حسن، 63 عاماً، وكان يعتني بابنه: “لقد أصبت بصاروخ في الانتفاضة الثانية، وضرب رجلي”، و”انظري، بعد عشرين عاماً ابني هنا، وفي نفس السرير وبنفس الإصابة، التاريخ يعيد نفسه”.
ولا يعرف السبب الذي دفع القوات الإسرائيلية لشن العملية الآن، واقترحت تقارير صحافية إسرائيلية أن العملية مخطط لها، ولكنها أجلت لما بعد عيد الأضحى. ويتعرض الجيش لضغوط من حكومة اليمين المتطرف التي وبخت المؤسسة الأمنية بأنها لم تفعل المزيد لمكافحة الإرهاب. كما ألهبوا قاعدتهم، حيث يقوم المستوطنون الفيجالنتيز بأخذ الأمور بأيديهم، وبشكل أوسع من ذي قبل، حيث نزل المئات من المستوطنين على القرى الفلسطينية، وحرقوا البيوت والسيارات انتقاماً لمقتل مستوطنين. وفي الوقت الحالي ينحصر العنف في جنين ونابلس، ولا تدعم السلطة الوطنية، والحزب الحاكم فيها “فتح”، العودة إلى الحرب الشاملة، كما أن تكنولوجيا الرقابة تجعل من الصعوبة بمكان للجيل الجديد من المقاتلين تنظيم أنفسهم. ولم تؤد عملية سفك الدماء إلى حرب شاملة بعد، لكن أحداث العام الماضي تؤشر إلى أن فصلاً جديداً قد فُتح في النزاع الطويل، ولا يعرف مقدماً أي شرارة سيشعل، وبالنسبة لسكان جنين فإن الحياة اليومية قد تحولت إلى ساحة حرب.