الرئيسة \  تقارير  \  الانسحاب الأميركي المتسارع من سوريا : تركيا أول الرابحين والأكراد أول الخاسرين

الانسحاب الأميركي المتسارع من سوريا : تركيا أول الرابحين والأكراد أول الخاسرين

11.06.2025
سميح صعب



الانسحاب الأميركي المتسارع من سوريا : تركيا أول الرابحين والأكراد أول الخاسرين
سميح صعب
المصدر: النهار
الثلاثاء 10/6/2025
الإعلان الرسمي عن تقليص الوجود العسكري الأميركي في سوريا إلى حدود دنيا تقتصر على قاعدة واحدة من أصل 8 قواعد، يفسّر الكثير من خلفية القرارات السياسية التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إزاء الحكم الجديد في دمشق.
من رفع العقوبات دفعة واحدة، إلى اللقاء بين ترامب والرئيس الانتقالي أحمد الشرع، إلى تكليف السفير الأميركي لدى أنقرة توم باراك بالملف السوري، إلى فتح السفارة الأميركية، وصولاً إلى القبول بدمج المقاتلين الأجانب بالجيش السوري. كان هذا خطاً أحمر أميركياً في ما مضى، لكن يبدو أنه رُسم بالرصاص لا بالحبر.
أما الجائزة الكبرى التي تنتظرها السلطات الجديدة في دمشق، فهي الضغط، في المقبل من الأيام، على "الإدارة الذاتية" الكردية في شمال شرق سوريا، لتسريع تنفيذ اتفاق العاشر من آذار/مارس، الذي ينصّ على "دمج" "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) في الجيش السوري الجديد بحلول آخر العام الجاري.
وواضح أن أكراد سوريا بعد مؤتمر القامشلي وأحداث الساحل وضواحي دمشق في نيسان/أبريل الماضي، باتوا أكثر تردّداً في المضيّ بوضع الاتفاق موضع التنفيذ قبل أن يحصلوا على شيء في المقابل، ولو "لامركزية" للمناطق التي يشكّلون فيها الغالبية.
ليست هناك بوادر من دمشق توحي بإمكان القبول بأي خصوصية لأي مكوّن من المكونات السورية. ويعد هذا خطاً أحمر تركياً بقدر ما هو سوري. لن تفتح أنقرة باباً أمام أكراد سوريا أو العلويين، وهما أقليتان كبيرتان في تركيا، للحصول على امتيازات على حدودها الجنوبية.
سحب القوات الأميركية من سوريا، كان مطلباً تركياً دائماً لطالما أثاره الرئيس رجب طيب أردوغان مع ترامب في ولايتيه الثانية والأولى. وأبدى الرئيس الأميركي انفتاحاً على المطلب التركي، من دون اكتراث كبير لما سيؤول إليه وضع الأكراد، وهم حلفاء واشنطن، بعد الانسحاب الأميركي من شمال شرق سوريا.
وبناءً على ذلك، تظهر تركيا أنها المرشحة لملء الفراغ الأميركي في سوريا، سواء من طريق تسوية منسوخة عن تجربة "حزب العمال الكردستاني" الذي ألقى السلاح من دون قيد أو شرط، أو بمواجهة على الأرض مع الجيش السوري الجديد، المدعوم تركياً والمعزز بالمقاتلين الأجانب.
تُقدّم تركيا نفسها على أنها الوحيدة القادرة على نسج ائتلاف إقليمي يضم سوريا والأردن لمقاتلة تنظيم "داعش"، الذي عاد ليطل برأسه من جديد. واعترف باراك، في معرض إعلانه عن الانسحاب الأميركي الاثنين، أن سوريا لا تزال تواجه تحديات أمنية كبيرة. والمقصود هنا "داعش" بشكل رئيسي.
تفترض هذه السياقات المتسارعة للأحداث في سوريا، أن الانفتاح الأميركي على الحكم الجديد ليس منفصلاً عن رؤية أوسع، لا لسوريا فحسب، بل للشرق الأوسط عموماً. ويلقى ذلك تجاوباً من دمشق، عبر الاتصالات التي رعتها تركيا بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل في أذربيجان، أو تلك التي عقدت مباشرة وتولاها محافظ القنيطرة أحمد الدالاتي مع مسؤولين أمنيين إسرائيليين، أو في ما نقل عن الشرع خلال مقابلة مع نشرة يهودية أميركية أخيراً عن وجود "أعداء مشتركين" لسوريا وإسرائيل.
يهمّ الولايات المتحدة إزالة العقبات من أمام ترسيخ دعائم الحكم الجديد في سوريا، وتشجّع المبادرات الاقتصادية التي تتولاها دول الخليج العربية نحو سوريا، من دون أن يلغي ذلك اقتناع ترامب بأن الدور الأساسي يجب أن يُعهد به لتركيا. يتعيّن التوقف مليّاً عند الهجوم الذي شنّه توم باراك الأسبوع الماضي على معاهدة سايكس-بيكو، التي رأى أنها كانت مجحفة بحق أنقرة، لأن فرنسا وبريطانيا اقتسمتا النفوذ التركي في بلاد الشام.
يبقى أن الانسحاب الأميركي هو من القرارات التي سيكون لها تأثير كبير على مستقبل سوريا ودورها في المنطقة، وعلى أدوار الآخرين في سوريا ذاتها.