الانتخابات في سوريا سوف تجرى دون تصويت شعبي.لماذا لا يزال السوريون متفائلين؟- كريستيان ساينس مونيتور

الانتخابات في سوريا سوف تجرى دون تصويت شعبي. لماذا لا يزال السوريون متفائلين؟
بقلم تايلور لوك
كريستيان ساينس مونيتور 16-09-2025
من مترجمات مركز الشرق العربي
إن الانتخابات الأولى التي تشهدها سوريا منذ الإطاحة بالدكتاتورية الوحشية لبشار الأسد ليست الانتخابات المفتوحة والديمقراطية التي خاطر المواطنون السوريون بحياتهم من أجلها على مدى ما يقرب من 14 عاماً من الحرب الأهلية.
لكن العديد من السوريين يقولون إنهم راضون عن ذلك.
لأن هذه الانتخابات، كما يقولون، والتي بدأت يوم الاثنين، قد لا تكون مفتوحة وحرة، ولكنها نزيهة نسبيا.
في قاعات القرى والمدرجات والمكاتب في جميع أنحاء البلاد هذا الأسبوع، يختار زعماء المجتمع ممثلين لإرسالهم إلى البرلمان المكلف بإصلاح قوانين البلاد ووضع دستور جديد.
إنها عملية يعتقد الكثيرون أنها ستؤدي إلى تشكيل برلمان قد لا يكون من الشعب، لكنه سيكون من أجل الشعب ــ وهو ما يشكل تغييراً كبيراً في كيفية تمثيل البرلمانيين لناخبيهم والاستجابة لهم في البلد الذي مزقته الحرب.
ويأمل السوريون أن تكون هذه خطوة تاريخية أولى نحو بناء سلطة تشريعية فاعلة. في المقابلات، يُعربون عن صبرهم على عملية تُعطي الأولوية للخبرة التكنوقراطية على الأحزاب والسياسة لبناء النظام الذي يتطلعون إليه.
تقول فاطمة، محامية من القنيطرة طلبت عدم ذكر اسمها الكامل: "في السابق، كان لدينا أشخاص يخدمون البرلمان. أما الآن، فنأمل أن يكون لدينا برلمان يخدم الشعب ويخدم مصلحة الوطن".
"لا يهمني إن كانت انتخابات مباشرة أو غير مباشرة، كل ما يهمني هو أنها ستؤدي إلى برلمان يصوت على البرامج والقوانين التي هي من أجل الشعب، وليس من أجل النظام".
التصويت غير المباشر والمغلق
لقد كان تشكيل برلمان جديد - ووجود سلطة تشريعية لإقرار القوانين - من أهم أولويات الحكومة السورية الجديدة ومجتمع الأعمال.
ومع ذلك، لا تستطيع الدولة إجراء انتخابات في جميع المناطق بسبب التحديات الأمنية ووجود فصائل مسلحة منافسة للحكومة في دمشق. وبدلًا من التصويت الشعبي، اختارت إجراء انتخابات غير مباشرة ومغلقة.
في مختلف أنحاء سوريا، تجتمع عشرات الهيئات الانتخابية التي تضم زعماء المجتمع والوجهاء، ويتناقشون ويستعدون للتصويت فيما بينهم لإرسال ممثلين إلى مجلس النواب.
سيُعيّن الرئيس أحمد الشرع، الإسلامي الذي تحوّل إلى براغماتي، ثلثَ مقاعد البرلمان البالغ عددها 210 مقاعد، أي 70 مقعدًا. أما المقاعد الـ 140 المتبقية، فستُختار من قِبَل هذه الهيئات الانتخابية.
في حين لا يستطيع المواطنون العاديون التصويت، فإن أي سوري لديه القدرة على الطعن في أهلية المرشح ــ وهو ما يخلق نوعاً من المشاركة العكسية ومرشحاً يسعى إلى ضمان أن يخدم المشرعون الجدد مجتمعاتهم.
وفي هذه العملية، التي من المقرر أن تنتهي بنهاية سبتمبر/أيلول وتجري إلى حد كبير خلف أبواب مغلقة، يقوم قادة المجتمع والناشطون باختيار السوريين الذين يمثلون على أفضل وجه النسيج المتنوع في البلاد والذين لديهم مزيج من الخلفية القانونية والاعتمادات الثورية ورؤية للدستور الجديد.
وبعد إصلاح القوانين ووضع دستور جديد، من المقرر أن يمهد هذا البرلمان الطريق لانتخابات أخرى بعد ثلاث إلى خمس سنوات ــ وهذه المرة تصويت شعبي ديمقراطي على مستوى البلاد.
"كنا نتمنى إجراء انتخابات مباشرة، لأنها على الأرجح ستكون أكثر رغبة من قبل المواطنين"، يقول نوار نجمة، الطبيب والمتحدث باسم منظمة الصحة العالمية في سوريا.
لجنة الانتخابات، وهي الهيئة التي شكلها الرئيس والتي عينت الهيئات الانتخابية التي تقوم الآن باختيار أعضاء البرلمان.
ولكننا نواجه الآن تحديات ديموغرافية ولوجستية كبيرة في سوريا من حيث توزيع بطاقات الاقتراع وتشتيت النازحين واللاجئين، مما يجعل القدرة على إجراء انتخابات مباشرة ونزيهة مستحيلة تقريبًا، كما يقول الدكتور نجمة
"ولا نريد إجراء انتخابات غير عادلة مثل تلك التي أجراها النظام السابق".
ويقول المؤيدون إن هذه الخطوة هي وسيلة لضمان تمثيل النسيج المتنوع من الطوائف والأعراق والمجالات الاجتماعية في سوريا عند صياغة الدستور.
وتضيف الدكتورة نجمة أنه "يجب تمثيل المكونات الاجتماعية والديموغرافية في هذه اللجان الانتخابية على كافة المستويات".
وظيفة للتكنوقراط وليس للسياسيين
ويواجه البرلمان القادم قائمة هائلة من المهام التي يتعين عليه إنجازها.
وبالإضافة إلى صياغة الدستور الجديد، ستُكلف الهيئة على الفور بمراجعة نصف قرن من القوانين التي صدرت في عهد الدكتاتورية السابقة والتي لا تزال قائمة.
على سبيل المثال، لا يزال القانون الذي يفرض عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات على التعامل في العملات الأجنبية وحملها ساري المفعول من الناحية الفنية؛ كما أن القوانين التي استخدمت لحرمان المواطنين من أراضيهم وأموالهم لمعارضة النظام لا تزال سارية المفعول.
وهناك أيضا مجموعة من القوانين الجديدة التي تسعى الحكومة المؤقتة إلى إقرارها لتحويل الدولة البعثية الاشتراكية إلى دولة واقتصاد رأسمالي عالمي التوجه ومنفتح.
وفي المقابلات، يقول أصحاب الأعمال السوريين إنهم ينتظرون بفارغ الصبر إقرار قانون المستثمرين الذي طال انتظاره لتشجيع وحماية الاستثمار الأجنبي في سوريا.
وسوف يحتاج البرلمان أيضاً إلى التصديق على الاتفاقيات الدولية التي تسعى سوريا للانضمام إليها، والمعاهدات الجديدة، مثل اتفاقية الأمن التي هي قيد المناقشة مع إسرائيل، الخصم القديم.
ويتفق المراقبون والناشطون السياسيون والمرشحون والمواطنون في الشوارع على أن هذه مهمة تقع على عاتق التكنوقراط والمحامين، وليس السياسيين.
جسور للدراسات، وهو معهد أبحاث مقره دمشق، إن "تشكيل البرلمان شهد تركيزاً قوياً على الخبرة الفنية لدراسة وإصدار القوانين".
"وهذا يأتي على حساب السياسيين وممثلي الشعب".
حسن محيي الدين، المحامي وعضو مجلس أعيان دوما، هو واحد من عشرات المرشحين الذين يشاركون حالياً في الهيئات الانتخابية.
يقول السيد محيي الدين: "أريد الترشح، فهناك حاجة إلى خبرات قانونية وثورية. يحتاج مجلس الشعب إلى خبراء قانونيين على دراية بالسياق السوري والمعايير الدولية لإرشادنا خلال هذه المرحلة الانتقالية".
"الأمر الأكثر أهمية هو أن يشعر الناس بأن أعضاء البرلمان يخدمون المواطنين، وليس المواطنين يخدمون أعضاء البرلمان".
ويقول السوريون إنهم يرحبون ببرلمان تكنوقراطي للمساعدة في إدخال البلاد إلى مرحلة جديدة من إعادة البناء - وهم على استعداد للانتظار للإدلاء بأصواتهم في انتخابات مستقبلية.
تقول آية، وهي أم لثلاثة أطفال، من دمشق: "في السابق، كان لدينا برلمان صوري. جميع أعضاء البرلمان كانوا يخدمون النظام والأجهزة الأمنية. لم يعد الأمر كذلك".
يقول ماجد أبو أحمد، طالب هندسة: "ندرك أن هذه فترة انتقالية. ستمهد هذه الانتخابات الطريق للانتخابات القادمة، حيث سنتمكن جميعًا من التصويت للأحزاب والبرامج السياسية. أتطلع إلى الإدلاء بصوتي - حتى لو لم يكن ذلك الآن".
ولكن حتى هذه الانتخابات المغلقة التي تم ترتيبها بعناية فشلت في تغطية كل أنحاء سوريا.
وتُستثنى محافظة السويداء في جنوب غرب البلاد، التي يسيطر عليها الانفصاليون الدروز، فضلاً عن بعض المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية الكردية في الشمال الشرقي، من الانتخابات بسبب عدم قدرة الدولة على دخول مراكز الاقتراع ومراقبتها.
ومن المتوقع أن يقوم السيد الشرع بدلا من ذلك بتعيين أعضاء هذه المناطق حتى يتسنى إجراء الانتخابات.
ويقول المراقبون إن هذا القرار يهدف إلى تجنب المزالق التي شهدتها دول عربية أخرى في مرحلة ما بعد الصراع.
رياض حسن، الخبير القانوني في منظمة جسور وعضو سابق في المجلس الوطني السوري في المنفى "إن انتخاب ممثلي القوى الفعلية على الأرض في هذه المناطق الثلاث سيؤدي إلى تحالف معرقل في البرلمان [كما هو الحال في العراق ولبنان]، وستكون مهمته الوحيدة تأخير التقدم وإصدار القوانين " .
استطلاعات رأي خالية من الأحزاب
في الوقت الحاضر، لا توجد أحزاب سياسية مرخصة في سوريا ولا يُسمح لها بالمشاركة في الانتخابات.
وبدلاً من ذلك، تراقب هذه المنظمات السياسية ما يحدث من على الهامش، وتدعم العملية، وتسعى إلى الضغط على البرلمان الجديد لضمان استمرار التحول الديمقراطي في سوريا.
"نحن كحزب نرى أنه في ظل الظروف الحالية في سوريا فإن هذا النظام لتشكيل البرلمان مناسب ـ طالما لا يوجد تدخل من السلطة التنفيذية"، يقول عبسي سميسم، عضو حزب الجمهورية الذي تأسس في المنفى بتركيا.
يقول: "سوريا الجديدة بحاجة ماسة إلى هيئة تشريعية تُراقب السلطة التنفيذية وتُصدر القوانين. سيُسهم هذا البرلمان في تحقيق هدفنا الاستراتيجي المتمثل في تفعيل الحياة السياسية في سوريا".
"نحن ندعم تشكيل البرلمان حتى لو لم يكن تصويتا مفتوحا" جمعة لهيب ، من تيار المستقبل السوري، وهو ائتلاف لأحزاب ديمقراطية ليبرالية. "نخطط للضغط على البرلمان والعمل معه مباشرةً لضمان انفتاح ديمقراطي".
Syrians aren't voting in current elections. Yet they're hopeful. - CSMonitor.com