الرئيسة \  تقارير  \  احتمالات الانفجار الأمني في الحسكة شرق سوريا

احتمالات الانفجار الأمني في الحسكة شرق سوريا

21.08.2023
منهل باريش



احتمالات الانفجار الأمني في الحسكة شرق سوريا
منهل باريش
القدس العربي
الاحد 20/8/2023
ترغب أطراف عدة بانفجار أمني في الحسكة باعتباره سيخفف من حدة سيطرة النظام وأول تلك الأطراف هي “قسد” التي طردت الدفاع الوطني من مدينة القامشلي.
أفادت مصادر محلية في مدينة الحسكة بعودة التوترات بين أبناء قبيلة الجبور، وميليشيا الدفاع الوطني التابع لقوات النظام في المدينة إثر دعوات القبيلة للنفير العام ومواجهة الدفاع الوطني، وطرده منها بشكل كامل. حالة التوتر بين الطرفين عادت بعيد انتهاء مهلتين عرضتهما الجبور على محافظ الحسكة لإنهاء حالة الاستنفار الذي أعلنته القبيلة، مقابل طرد زعيم “قوات الدفاع الوطني” في الحسكة عبد القادر حمو من المربع الأمني معقل النظام الوحيد في الحسكة.
المرصد السوري لحقوق الإنسان، وثق الأربعاء 16 آب (أغسطس) إصابة عنصر من قوات النظام، وأربعة من أبناء الجبور في مواجهات بين الطرفين بالقرب من حاجز الهجانة في منطقة دوار الكراج المحيطة بالمربع الأمني بالحسكة.
فيما تداولت صفحات إعلامية موالية للنظام السوري، مساء الأربعاء، مقطع فيديو لمحافظ الحسكة، وليد محمد صيوح، مع وفدٍ من وجهاء قبيلة الجبور يعلن فيه إقالة عبد القادر حمو، وتعيين يوسف خليفة حماد بدلاً منه. وأشار صيوح إلى أن إقالة الحمو جاءت على خلفية إشكال فردي، تطور لاحقا لما وصل إليه، مؤكدًا على أن الجهات المختصة اتخذت الإجراءات القانونية اللازمة لإنهاء الإشكال.
الجدير بالذكر، ان المربع الأمني في الحسكة والذي تسيطر عليه قوات النظام يمتد من شارع القامشلي في الغرب، إلى حي الحارة العسكرية في الشرق، ويضم القصر العدلي والأبنية الحكومية والمفارز الأمنية التي تتوسطها ساحة الرئيس، ولا تمتد سيطرة قوات النظام الداعمة لميليشيا “الدفاع الوطني” خارج المربع الأمني في الحسكة التي تسيطر على مساحات واسعة منها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والتي علقت على التطورات الأخيرة في تصريحٍ صحافي على لسان الناطق الإعلامي باسم “قسد” جاء فيه، أن “قوات سوريا الديمقراطية تابعت الأحداث الأخيرة إثر الاعتداء على أحد الرموز الاجتماعية والوطنية في المنطقة وشيخ عشيرة الجبور، عبد العزيز المسلط، ومحاولات استفزاز أبناء العشيرة”.
ووصف الناطق فرهاد شامي ما حدث مع شيخ قبيلة الجبور بـ “الجريمة وأنها شكل من أشكال الآفات اللاأخلاقية، التي من شأنها أن تهدد النسيج الاجتماعي في المنطقة” مشددًا على “ضرورة إظهار الاحترام الدائم لكافة الرموز الاجتماعية”.
وبالعودة لأسباب الخلاف، فالتوترات بين القبيلة وقوات الدفاع الوطني نشبت على خلفية اعتداء عبد القادر حمو متزعم ميليشيا الدفاع الوطني، على شيخ عشيرة الجبور عبد العزيز المسلط بالضرب في المربع الأمني في الحسكة ظهيرة الأحد الماضي، ليتوجه مساء اليوم ذاته المئات من شباب القبيلة إلى مداخل المدينة، ومن ثم يخرجون في مظاهرة طالبوا من خلالها بطرد الدفاع الوطني من الحسكة، وتسليم زعيمه.
وفي صباح اليوم التالي، أمهلت القبيلة الدفاع الوطني مدة 24 ساعة للخروج من الحسكة، وإنهاء وجوده فيها بعد سلسلة من الممارسات التي وصفها أكرم محشوش أحد وجهاء الجبور بأنها “إهانة لكل القبائل والسكان في المدينة” وقال في تصاريح إعلامية عدة لوكالات محلية، أن “اعتداء متزعم الدفاع الوطني على الشيخ عبد العزيز المسلط معد مسبقًا، وان رفض الدفاع الوطني الخروج من المربع الأمني في المدينة سيواجه بردٍ قاسٍ من أبناء القبيلة”.
مساء الإثنين أعلن عدد من زعماء “الجبور” أن نظام الأسد استجاب لمهلة القبيلة بعزله زعيم ميليشيا الدفاع الوطني عبد القادر حمو، وإرساله إلى العاصمة دمشق لمقاضاته بقضية اعتداء على شيخ قبيلة الجبور، إلا أن “الدفاع الوطني في الحسكة” أعلن على صفحته في فيسبوك أن “الحمو” لا يزال على رأس عمله كقائد للدفاع الوطني في الحسكة، داعيًا قبيلة الجبور لضبط النفس، وعدم استخدامهم للسلاح في وجه الدولة السورية، الأمر الذي دفع بالجبور لإمهال النظام مهلة ثانية انتهت صباح الأربعاء الفائت، تبعها إعلان “الجبور” حالة النفير العام، داعية أبنائها وأبناء العشائر العربية الأخرى للتجمع في مساء اليوم ذاته في حي الكلاسة بالقرب من كلية الزراعة في المدينة، والرد بقوة السلاح على قوات النظام التي لم تستجب لمطالبهم.
وأعلنت عدة عشائر من المنطقة عن تضامنها مع قبيلة الجبور، من خلال مشاركة ممثلين عنها في خيمة الاعتصام التي أفتتحها وجهاء الجبور في اليوم الثاني من التوترات، ومن ضمن المتضامنين الزائرين لخيمة الاعتصام، أحمد الخبيل “أبو خولة” القائد العام لمجلس دير الزور العسكري، أحد مكونات قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
وقال مصدر محلي في اتصال مع “القدس العربي”، إن التوترات بدأت خلال زيارة شيخ عشيرة الجبور إلى المربع الأمني، حيث نشبت مشادة كلامية بين ابن شقيقة المسلط واحد عناصر الدفاع الوطني بسبب اتهام عنصر الدفاع سائق المسلط بعدم الاحترام والتعرض له بسيارته، وما لبثت أن تطورت المشادة الكلامية لتدخل قائد الدفاع الوطني من جهة وشيخ “الجبور” الذي ضرب قائد الدفاع الوطني بالحسكة، عبد القادر حمو بـ “العكال” من جهة أخرى، الأمر الذي انتهى باعتداء “الحمو” وعناصره بضرب وإهانة عبد العزيز المسلط أمام المارة، وفي توقيت يشهد كثافة في مراجعات المدنيين للدوائر الحكومية في المربع الأمني.
وأضاف المصدر، أن “أبناء الجبور خرجوا في مظاهرة تطالب بعزل حمو من منصبه وإخراج قوات الدفاع الوطني من الحسكة، وبعد انتهاء مهلة الجبور الأولى نقل قائد الدفاع الوطني إلى المستشفى، ليظهر مرة أخرى في صورة جمعته بعناصره داخل المربع الأمني”.
عبد القادر حمو، من مواليد مدينة الطبقة 1979 وينتمي لقبيلة العفادلة، وهو من أبرز أصحاب النفوذ المحسوبين على قوات النظام في الحسكة، وترجع قوة الحمو من تبعيته لما يعرف بسرايا “الخراساني” التابعة لإيران في سوريا، ومن أهم الشخصيات التي مهدت الطريق لسرايا الخراساني لتمكين وجودها في سوريا، ما يعني ان نظام الأسد لن يتمكن من إنهاء الخلاف بإقالة الحمو، لارتباطاته بالإيرانيين.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن “الحمو” من أبرز الشخصيات المرتبطة بعمليات الإتجار بالمخدرات، والكبتاغون بشكل خاص. ولكن ضعف تواجد قبيلة “حمو” في الحسكة يسهل على النظام التخلص منه بهدف نزع فتيل التوتر مع إحدى أهم القبائل في سوريا والعراق.
سامر الأحمد، الباحث في مركز عمران للدراسات، ومن أبناء الحسكة، قال في اتصال مع “القدس العربي” إن “التوترات الأخيرة بين الجبور وقوات الدفاع الوطني تعتبر بمثابة اختبار حقيقي للثقل العشائري في الجزيرة السورية بشكل عام، وفي الحسكة بشكل خاص، وفيما يبدو أن هذا الثقل لا يزال محافظًا على زخمه إلا أنه لم يتعرض حتى الآن لاختبار حقيقي”.
وعن توقعاته لمسار الأحداث في الحسكة قال الأحمد، “في حال تصاعدت وتيرة المواجهات بين الدفاع الوطني والعشائر، ستكون الأخيرة في موقف صعب لأنها غير مسلحة من جهة، وغير جاهزة لمواجهة مع النظام والإيرانيين من جهة ثانية، الأمر الذي سيتسبب بإضعاف سلطة العشائر وسقوط مزيد من الضحايا المدنيين”.
وعن طريقة تعاطي نظام الأسد مع التطورات الأخيرة، لفت الأحمد إلى أن النظام يتبع سياسة الهروب إلى الأمام في كافة المشكلات الناجمة عن ممارسات السلطة الأمنية، هادفًا من ذلك خلط أوراق المشكلة مع مكونات موقعها الجيوسياسي، وهذا ما اعتاد على فعله منذ المواجهات الكردية معه في 2004 وحتى اليوم.
فسياسات النظام في التعاطي مع مثل هذه المشكلات كما وصفها المصدر ذاته، تقوم على تصدير الأزمة على انها خلافات بين مكونات الجزيرة، لا علاقة له بها، إنما يقوم بدور الوسيط القوي المساهم في إنهائها.
وفي حال تطورت التوترات، لتتدخل بها “قسد” ومجلس دير الزور العسكري بصف “الجبور” والعشائر المساندة لها من طرف، وقوات الدفاع الوطني المدعومة من قوات النظام والميليشيا الإيرانية من طرف آخر، فإن شرارة المعركة المرتقبة في سوريا والتي يتحدث عنها المحللون، ستنطلق من الحسكة لا من دير الزور كما يعتقد معظم المهتمون بالشأن السوري.
ترغب أطراف عدة بانفجار أمني في الحسكة باعتباره سيخفف من حدة سيطرة النظام وأول تلك الأطراف هي “قسد” التي طردت الدفاع الوطني من مدينة القامشلي في نيسان (أبريل)2022 إلا أن وضع قبيلة الجبور مختلف قليلا فالقبيلة منقسمة الولاء بين النظام والمعارضة ومن المستبعد أن يخوض آل المسلط زعماء القبيلة التاريخيين مغامرة كبيرة تؤدي إلى خسارة رصيدهم العشائري الطويل زمنيا.