الرئيسة \  مواقف  \  إيجاز :تصحيح تصور عن عصر المماليك…

إيجاز :تصحيح تصور عن عصر المماليك…

20.11.2025
زهير سالم

إيجاز :تصحيح تصور عن عصر المماليك…

شخصيا ضد أن نعتبر دولة من دول المسلمين أنموذجا ، غير دولة الخلفاء الراشدين.
ومن ثم كل دول ملوك المسلمين أصابت حظوظا من خير ومن دخن هنا وهناك.
ولكن التصور الذي ورثناه عن عصر سلاطين المماليك دخل عليه كثير من الحيف والضيم، بل  إن الافتئات المقصود عملت عليه نفوس مريضة، وعقول غاب عنها الرشد.. لقرون
منذ أيام مررت  بمقال لأحدهم، عن عصر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو عصر دولة المماليك: يزعم صاحبه أن في ذلك العصر نادى المنادي من اعتقد عقيدة ابن تيمية؛ حلّ دمه وماله.. ونسي المدعي أن ابن تيمية نفسه لم يستحل منه أحد مالا ولا عرضا..
ونسي المدعي أن في جميع دول المسلمين قلما استباحت دولة أو القائمون عليها للناس مالا ولا عرضا…
وغرق المدعي في شبر ماء، وهو يظن أن دولة فرسان الإسلام كانت مثل دول الذين حملوا على الناس السيف حمل الطغام!!
قرأت هذا فاستفزني فمضيت كعادتي أجيب على الجهل بالعلم بجواب شاف، لإنشاء تصور عام عن دولة المماليك التي استمرت ثلاثة قرون ممسك قادتها بأعنة الخيل في سبيل الله. أوجز لك بسطور ما لو شئتَ لقرأت فيه مجلدات…
وهذا هو  الإيجاز…
امتدت دولة المماليك على مدى ثلاثة قرون تقريبا.
وانقسم سلاطينها- كما دُعوا- إلى قسمين المماليك البحرية والمماليك البرجية. وهي قسمة قائمة فقط على مكان نشأة أو إقامة هؤلاء الفرسان..الذين تحولوا إلى سلاطين.
وامتدت دولة المماليك:
من عام 648- 923 هجرية
1250- 1517 ميلادية.
حكم فرسان الإسلام. ولقب "فرسان الإسلام" عنوان لكتاب لمؤلف إنكليزي اسمه جيمس باترسون، وستجده مترجما للعربية، مرفوعا على الشبكة إذا شئت..
وكانت طبيعة المرحلة التاريخية التي تولى زمامها هؤلاء الفرسان: شديدة الاضطراب وقد اجتمع على العراق والشام ومصر الصليبيون والمغول معا. وبقيت دولة المسلمين، بعد سقوط بغداد وسقوط الدولة الأيوبية؛ بلا رأس جامع. فأخذ الفرسان المماليك المبادرة، وأمسكوا بزمام الدولة، وصانوا البيضة كما يصطلح عليه الفقهاء، وكانوا أكثر حيادية بالنسبة للعلم والعلماء والفقه والفقهاء، ولم يسلوا  على الأمة سيف الإرهاب الفكري ولا العقائدي ولا الفقهي، كما يزعم بعض الناس!! وإنما كانوا يصغون إلى العلماء، ويحاولون احتواء خلافاتهم وصراعاتهم ويهذبونها، كما حصل في موقفهم من خلاف ابن تيمية مع علماء عصره. لم يؤجج سلاطين المماليك  الصراع، بل كان المفتون الأربعة قد فرضوا  على الدولة والمجتمع فقههم، فوجب على سلاطين المماليك مراعاة جانبهم، بألطف السبل. سجنوا شيخ الإسلام ابن تيمية نعم، ولكن  بأمر هؤلاء المفتين!! سحنوه ولكنهم لم يستبيحوا دمه ولا ظهره ولا عرضه ولا ماله، ولم يسلوا عليه سيف التكفير، ولا سيف التخوين لا عليه ولا  على أتباعه، كما يزعم البعض. طُلب منه أن يرجع عن معتقدات له وفتاوى اعتبرت شاذة فأبى..فسجن بأمر المفتين لا بأمر السلاطين!! فسجن بفقه المفتين المستقلين وأمرهم، لا بإيعاز من وزير أو سلطان..
كان هو في السجن وخرجت له جنازة لم يخرج في دمشق مثلها، وما زال ضريحه في دمشق شاخصا، ولو كنا في دولة الذين يستبيحون حرمة الموتى، لما وجدنا لابن تيمية ضريحا ولا مزارا.. ورحم الله شيخ الإسلام، وقدس سره- وما أكثر ما كرر هذه العبارة في فتاويه- ونوّر ضريحه..
أبرز سلاطين المماليك: 
قلت سأكتب إيجازا فلن أسترسل ولن أطيل..
بوفاة الملك الصالح أيوب، انتهت الدولة الأيوبية، ثم أمسكت زوجته المعروفة بشجرة الدر الأمر محله..
ثم تسلم السلطة، رموز مثل
عز الدين أيبك- محمود قطز- الظاهر بيبرس- قلاوون منصور وابنه قلاوون الناصر- قلاوون الناصر هو الذي اقتلع في معركة عكا آخر الوجود الصليبي من الشرق.
ومن المماليك البرجية سيمر معنا أسماء مثل: السلطان سيف الدين برقوق- فرج ابن برقوق- السلطان قاتيباي- طومان باي- قانصو الغوري..
أبرز المعارك التي خاضها المماليك عن الأمة
: عين جالوت-معركة شقحب- فتح أفريقية- فتح بغداد- فتح قبرص- معركة غزة- معركة عكا- أو حطين الثانية- وطرد آخر الصليبين رسميا من الشرق. وذلك سنة 698 على يد الأشرف خليل بن قلاوون
إذا كنت لم تقرأ رواية: وإسلاماه حول معركة عين جالوت فبادر…
علماء الإسلام الذين سادوا عصر المماليك:
لن أستطيع الإحاطة، وسأعطي جردة، لكي لا يرسخ في الأذهان ترهات مسلسل تلفزيوني قميء هو ومخرجه وممثله، أن عصر المماليك كان عصر جهل وجهالة وعجمة…
وابدأ:
الإمام النووي- سلطان العلماء العز بن عبد السلام- وابن دقيق العيد- شيخ الإسلام ابن تيمية ..وابن القيم ( انتبه نقول ابن القيم وابن قيم الجوزية فهو عالم دمشقي واحد من تلاميذ شيخ الإسلام، فإذا قلنا ابن الجوزي فهو عالم بغدادي بل واعظ بغداد الأشهر الذي كان يحضر مجلس وعظه الخلفاء-  واتابع في سرد علماء العصر المملوكي، وابن كثير صاحب التفسير-- وابن خلدون صاحب صاحب المقدمة وديوان العبر- وابن النفيس الطبيب مكتشف الدورة الدموية - والحافظ ابن حجر العسقلاني صاحب فتح الباري شرح صحيح البخاري- وكذا القسطلاني بشرحه النظير - والإمام شمس الدين الذهبي - والإمام المقدسي صاحب المغني في الفقه- والباجي- والإمام العراقي مخرج أحاديث الإحياء- والإمام القرافي صاحب الفروق- والإمام السيوطي- والإمام السخاوي- وابن منظور صاحب لسان العرب- والفيروز أبادي صاحب القاموس - وابن رجب الحنبلي- والنويري صاحب نهاية الأرب- والقلقشندي صاحب صبح الأعشى- وابن هشام صاحب مغني اللبيب- وابن مالك صاحب الألفية- وآل السبكي أربعة أو خمسة من العلماء منهم تاج الدين، وعماد الدين.. وغفر الله لجميع المسلمين…وما عددته قليل من كثير-
وإذا كنت قد أخللت فهذه قبضة من بيدر علماء الإسلام في عصر النضج…وهؤلاء العلماء الأبرار الأطهار كانت بينهم خلافاتهم العلمية المعبرة عن قناعاتهم، فإن نسيتَ فلا تنس ما كان بين السيوطي والسخاوي..
كان المماليك رجال سيف وسنان..
ولكنهم قلما تدخلوا سلبا في حياة العلماء وكانوا يحاولون أن يكونوا مثل التلاميذ في حضرة الشيوخ.
وهذا ثاني ما تميز به عصر المماليك. وثالثه كانت عنايتهم ببناء المساجد والمدارس والمكتبات وتجديد القلاع والحصون…وإذا كانت حلبيا مثلي فسأذكرك أن باب النصر في حلب، كان اسمه "باب اليهود" لأنه مما يلي بندرة اليهود.. وأن الذي غير اسمه وجمله وحسنه هو السلطان المملوكي الظاهر بيبرس أحد قادة معركة عين جالوت..التي لم تقل مكانة في تاريخ العالم عن معركة حطين.
ثم
ومن الشعراء الذين سادوا في عصر المماليك: الشاعر ابن الفارض- وابن الوردي- والبوصيري- البهاء زهير- ابن حجة الحموي- عائشة الباعونية- ابن نباتة- صفي الدين الحلي- والشاب الظريف، صاحب:
لا تخفِ ما صنعت بك الأشواق—
واشرح هواك فكلنا عشاق..
وأكبر خطيئة أرتكبها أنا وأمثالي أن نحاول أن نجعل من أي مرحلة تاريخية المرحلةّ الذهبية الأولى في تاريخ الإسلام أو في تاريخ المسلمين..
أردت أن أقول لم يكن عهد المماليك مَثَلَ السوء. لقد كان فيه خير كثير. ولكنني أقر أن ما كان ينقصه وينقص عصور الإسلام من بين يديه ومن خلفه أكثر..وإكثر وما يزال.، ولعلك تستغرب إن قلت إن المعتصم فاتح عمورية كان أميا لا يقرأ ولا يكتب وهو ابن هارون الرشيد وشقيق المأمون!!
لم يرفع المماليك رحم الله صالحيهم ومجاهدبهم سيف التكفير على أمة محمد صلى الله عليه وسلم  أبدا، كما فعل غيرهم بل وما يزال..
في إيجاز آخر قد أسرد حكايات المكفّرين والفتاك الذين ابتلي بهم الإسلام والمسلمون على تقلب الزمان…
لندن: 28/ جمادى الأولى/ 1447- 19ا 11/ 2025
زهير سالم: مدير مركز الشرق العربي