الرئيسة \  تقارير  \  إعادة بناء الجيش السوري: عوائق تصعّب المهمة

إعادة بناء الجيش السوري: عوائق تصعّب المهمة

24.08.2025
عدنان علي



إعادة بناء الجيش السوري: عوائق تصعّب المهمة
عدنان علي
العربي الجديد
السبت 23/8/2025
أعلنت إدارة التجنيد والتعبئة في وزارة الدفاع السورية، أمس الأول الخميس، افتتاح مراكز التجنيد والتعبئة ضمن المحافظات، للراغبين بالتطوع في صفوف الجيش السوري الجديد، في وقت قالت وزارة الدفاع التركية، إنّها بدأت عمليات التدريب للقوات السورية، معتبرة أنّ عملية إعادة هيكلة الجيش السوري اكتسبت زخماً، بعد مذكرة تفاهم للتعاون العسكري بين البلدين، في 13 من الشهر الحالي. ونشرت وزارة الدفاع السورية أسماء مراكز التجنيد التي تستقبل طلبات التطوّع ومواقعها في مختلف المناطق السورية. وبالتوازي، أعلنت وزارة الدفاع التركية، أنها بدأت عمليات التدريب وتقديم الاستشارات والدعم الفني والزيارات المتبادلة للقوات السورية. وقالت في بيان الخميس، إن عملية إعادة هيكلة الجيش السوري "اكتسبت زخماً، وتم البدء بالتدريب والاستشارات والدعم الفني في إطار مذكرة تفاهم بين البلدين". وأشارت إلى أنها تنوي إجراء زيارات فنية لرصد الاحتياجات الميدانية للجيش السوري، ووضع خريطة طريق مشتركة لتعزيز القدرات الدفاعية السورية.
تعاون مع تركيا
ووقّع الجانبان السوري والتركي، الأسبوع الماضي، اتفاقية تعاون عسكري ستزود بموجبها تركيا القوات السورية بأنظمة أسلحة وأدوات لوجستية، إضافة إلى تدريب الجيش السوري على استخدام هذه المعدات، في ما يعتبر، وفق الدفاع التركية "خطوة أولى نحو اتفاق شامل للتعاون العسكري يتفاوض عليه الطرفان منذ أشهر". وكانت القيادة السورية أعلنت بعد سقوط نظام بشار الأسد نهاية العام الماضي حل الجيش السابق وإلغاء التجنيد الإلزامي. وفتحت باب التطوع في المؤسستين العسكرية والأمنية، بالتوازي مع جهود حل الفصائل ودمجها ضمن الجيش السوري الجديد. وتشترط إعلانات التطوع على المتقدم أن يكون عازباً، وأن يتراوح عمره بين 18 و22 عاماً، وأن يكون خالياً من الأمراض المزمنة والإصابات، وحسن السيرة والسلوك. كما أعلنت الوزارة مطلع إبريل/نيسان الماضي، استقبال طلبات الأفراد وصف الضباط المنشقين عن النظام المخلوع، الراغبين بالعودة إلى العمل ضمن صفوفها.
دمج الفصائل في الجيش السوري
ورغم مضي عدة أشهر على جهود دمج الفصائل في الجيش السوري الجديد، إلّا أنّ هذه العملية ما زالت تواجه صعوبات عدة، علماً أنّ هذه العملية لا تشمل "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تهيمن على نحو 20% من مساحة البلاد، شرقي سورية، ولا تشمل كذلك فصائل محافظة السويداء جنوباً، والتي تخوض صراعاً منذ أكثر من شهر مع القوات الحكومية وقوات العشائر. و"قسد" التي يقول قائدها مظلوم عبدي إن قوامها نحو 100 ألف مقاتل، تشترط لانخراطها في الجيش السوري الجديد، أن تدخل كتلة واحدة، الأمر الذي ترفضه الحكومة السورية، وتقول إنها تقبل بانضمام عناصر "قسد" بصفتهم أفراداً فقط. وما زالت المفاوضات جارية بين الجانبين حول هذه النقطة، ونقاط أخرى عدة. وفي تصريحاته الأخيرة، توقع مظلوم عبدي أن تحل الخلافات مع دمشق بحلول نهاية العام الحالي، فيما أشار الرئيس السوري أحمد الشرع إلى أنّ الخلافات مع "قسد" ستحل خلال أشهر.
إسلام يوسف: "قسد" تسعى للحفاظ على هيكليتها وتسليحها الخاص وأماكن انتشارها
في هذا الصدد رأى الباحث الكردي، إسلام يوسف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذا الشرط من جانب "قسد" يشير إلى "عدم ثقتها بالإدارة السورية الجديدة، وأنها حالما تحل نفسها، قد يتغير التعامل معها من جانب هذه الإدارة". وأوضح أن "قسد" تسعى بالتالي "للحفاظ على هيكليتها وتسليحها الخاص وأماكن انتشارها، لتتولى حماية المنطقة الشرقية، ولتبقى عنصراً فاعلاً في المشهد العسكري، مع الاحتفاظ بقدر من الاستقلالية، وإن كانت تتبع نظرياً لوزارة الدفاع في دمشق". هذه المعضلة، وفق يوسف، قد لا تحل قريباً "إلا بتدخّل أميركي لتقريب وجهات نظر الجانبين، وإلا فإن الأمور قد تمضي نحو المواجهة العسكرية في نهاية المطاف". من جهة أخرى يواجه الجيش السوري الجديد معضلة اندماج الفصائل العسكرية نفسها داخل المؤسسة العسكرية. وأعلن وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، قبل نحو ثلاثة أشهر عبر قناة الإخبارية السورية، أنّ الوزارة تعمل على نقل الجيش "من الحالة الثورية إلى الحالة المؤسساتية"، مشيراً إلى أنّ نحو 130 فصيلاً عسكرياً دخلوا ضمن الهيكلية التنظيمية للوزارة.
غياب الاحترافية
وتشير معطيات عدة إلى أن اندماج الفصائل ما زال غير مكتمل. كما أن سلوك العناصر والقادة في الجيش الجديد، ما زال بعيداً عن عقلية المؤسسة العسكرية المحترفة، سواء من ناحية المظهر، إذ لا يرتدي العناصر دائماً زياً موحداً، أو من ناحية الانضباط العسكري، والذي يتضح ضعفه، خصوصاً عند تنفيذ عمليات عسكرية، لجهة ارتكاب العناصر تجاوزات كثيرة، تبعاً لخلفياتهم ومرجعياتهم الفصائلية. في هذا السياق رأى الباحث في مركز جسور للدراسات، وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قضية تشكيل جيش جديد في سورية تعترضها تحديات عدة، من بينها "مسألة الفصائلية والانتقال من عقلية الفصيل إلى عقلية الجيش والتنظيم المؤسساتي، وهو ما يحتاج إلى جهد كبير، وخبرة عالية". وفي رأيه "لا يكفي أن يعلن قائد الفصيل الموافقة على الاندماج في المؤسسة العسكرية، بل على الفصيل الاستجابة لكل متطلبات هذه العملية من تغييرات في عقلية الفصيل وبنيانه وسلوكه".
الجيش السوري الجديد وعقيدة "الجماعة المؤمنة"
وشدد على ضرورة أن "يخضع عناصر كلّ فصيل لدورات تساعدهم على الاستجابة لهذه المتطلبات، وأهمها الانضباط العسكري واحترام التراتبية العسكرية، وصولاً إلى المؤسساتية الكاملة للجيش وتلاشي الروح الفصائلية". وقد تتطلب هذه العملية، وفق علوان، "صرف بعض العناصر وعودتهم إلى وظائفهم المدنية قبل انخراطهم في الفصيل العسكري نتيجة ظروف المواجهة مع النظام السابق". وأوضح أن ذلك "يعني أن الجيش الجديد سيحتاج إلى متطوعين جدد لتعويض المسرحين، وأيضاً التركيز على النوعية، بحيث يتم استقطاب شبان متعلمين تحتاجهم قطاعات الجيش المختلفة".
الاستهداف الإسرائيلي
وحول ما إذا كانت إسرائيل قد تعرقل عملية إعادة بناء الجيش السوري الجديد، قال علوان إن "الموقف الإسرائيلي ومحاولات استهداف المؤسسة العسكري، تحاول الدولة السورية مواجهته عبر الاستعانة بالحلفاء الإقليميين والدوليين، من خلال الضغوط الدولية على إسرائيل وما تقدمه الدول الضامنة من تطمينات للأخيرة". ورأى أن "تركيا كانت وسيطاً مناسباً للوصول إلى هذه الصيغة، وهي تقدم اليوم التدريب والتأهيل لهذا الجيش، لتجاوز الحالة الفصائلية، ولحمايته من العدوانية الإسرائيلية". ولفت إلى أنّ "تركيا رائدة في الصناعة العسكرية والتدريب والتنظيم، ويمكنها تقديم خدمات جليلة للجيش السوري الوليد".
 رشيد حوراني: إسرائيل قد تشترط منع تزويد الجيش السوري الجديد ببعض أنواع الأسلحة مثل الطيران الحربي المتطور والصواريخ
من جهته، رأى الباحث في مركز جسور للدراسات، رشيد حوراني، أن "إسرائيل قد تشترط منع تزويد الجيش السوري الجديد ببعض أنواع الأسلحة مثل الطيران الحربي المتطور والصواريخ، لكنها قد ترفع الاعتراض في حال وجود ضمانات". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الجانب التركي، بتفويض من المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة، يبدو أنّه يسلّح ويدرب الجيش السوري الجديد وفق العقيدة الغربية بهدف قطع الطريق على روسيا ومنع إعادة تسليحها للجيش السوري، ولتمكين سورية من مواجهة التهديدات التي لا تزال ماثلة من جانب إيران سواء بشكل مباشر أو عبر مليشياتها في العراق، وصولاً إلى جيش يستطيع تأمين الأوضاع داخل البلاد، وحماية الحدود".
على صعيد آخر رأى العقيد المنشق عن جيش النظام السابق، فايز الأسمر، أنه من "خلال المتابعة، لا أتصور حتى الآن أن اندماج الفصائل في الجيش الجديد هو اندماج حقيقي مؤسساتي بكل ما تعنيه الكلمة". وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أنّ الفصائل بهيكلها التنظيمي السابق "لا تزال في الغالب تعمل ككتلة واحدة، وهذا بحد ذاته مثير للقلق ولا يعزز الانضباطية العسكرية، ناهيك عن تعيين قيادات وإعطائهم صفة ضباط وهم غير مؤهلين عسكرياً وأكاديمياً لقيادة أهم التشكيلات العسكرية، كالفرق والألوية". ولفت إلى "إعطاء الرتب العسكرية، ولا نعرف من يمنحها، وبكثرة دون النظر إلى المؤهلات، ما سيؤثر بالتأكيد على البنية التنظيمية والتدريبية والانضباطية للجيش". وفي رأيه "كلّ جيوش العالم في الواقع تعتمد في عملها على القدم العسكري والتراتبية العسكرية، لكن للأسف هذا لا نراه في تشكيلات الجيش الحالي".
ويشير مراقبون إلى أن دمج الفصائل كان في كثير من الأحيان شكلياً، إذ احتفظ كل فصيل بكيانه وهيكله التنظيمي. وعلى سبيل المثال، فإنّ "لواء السلطان سليمان شاه" (العمشات) بقيادة محمد الجاسم بات يطلق عليه بعد الدمج "الفرقة 25 حماة"، بينما "فرقة الحمزات" بقيادة سيف أبو بكر أصبحت "الفرقة 76". يشير ذلك إلى أن عملية الدمج تتم على أساس كُتل تنظيمية وليس أفراداً، خلافاً لما يطلب من قيادة "قسد" مثلاً بأن تندمج كأفراد وليس ككتلة. كما أن بعض الفصائل ما زالت تعتمد على تمويل خاص بها من مصادر خارجية، ولا سيما فصائل "الجيش الوطني السوري" الذي لا يزال يتلقى دعماً مباشراً من تركيا، وينتشر عناصره على الجبهات مع "قسد". كما تبرز عند الحديث عن إعادة هيكلة الجيش السوري مسألة المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا خلال السنوات الماضية في العديد من الفصائل السورية، ومن ضمنها "هيئة تحرير الشام" التي قادت التحرك العسكري ضد نظام الأسد نهاية العام الماضي. وفي هذا السياق، صرح المبعوث الأميركي إلى سورية توم برّاك، قبل نحو شهرين، أن الولايات المتحدة وافقت على خطة طرحتها القيادة السورية الجديدة للسماح لآلاف من المقاتلين الأجانب، الذين كانوا في السابق ضمن المعارضة، بالانضمام إلى الجيش السوري، شرط أن يتم ذلك بشفافية. يعتبر ذلك بمثابة ضوء أخضر للإدارة السورية من أجل المُضي قدماً في دمج المقاتلين الأجانب.
وكانت الإدارة السورية عينت بالفعل مقاتلين أجانب في مناصب قيادية بُعيد سقوط النظام السابق، ولكنها جمدت ترقيات صدرت بحقهم بعد أن أبدت دول غربية عديدة اعتراضها. وقال برّاك، في يونيو/ حزيران الماضي، إنّ هناك "تفاهماً وشفافية" بين الولايات المتحدة وسورية حول خطة للسماح لحوالي 3500 من المقاتلين الأجانب، معظمهم من الإيغور ودول الجوار، بالانضمام إلى الفرقة 84 من الجيش السوري. وفضلاً عن الحاجة لإعادة بناء البنية التحتية العسكرية التي تضررت بشدة جرّاء سنوات من الحرب والضربات الإسرائيلية المتكررة، وهي مهمة لوجستية ومالية ضخمة، يواجه الجيش الوليد تحديات ترتبط بالواقع السياسي والاجتماعي في البلاد، في ظل انقسامات سياسية وطائفية حادة، مع شكاوى من محدودية تمثيل المكونات السورية المختلفة ضمن الجيش.