إسرائيل وسوريا الشرع... من يحسم معضلة الجنوب؟
30.08.2025
أمال شحادة
إسرائيل وسوريا الشرع... من يحسم معضلة الجنوب؟
أمال شحادة
الاندبندنت عربي
الخميس 28/8/2025
على رغم التقارير المتفائلة باحتمال توقيع الاتفاق الأمني بين إسرائيل وسوريا الشهر المقبل، فإن الطرفين لم يتوصلا بعد إلى تفاهمات نهائية، ولا تزال هناك خلافات جوهرية في بعض النقاط التي تشكل مركزاً أساسياً في التفاهم، وأيضاً في ضمان الأمن على طرفي الحدود، خصوصاً ما يتعلق بجبل الشيخ السوري ونقاط تمركز الجيش في الجنوب. أما الجولان فهو عائق أمام أي اتفاق سياسي مستقبلي بين البلدين، ما دامت إسرائيل لا ترفض التنازل عنها فحسب، بل وطرحها للنقاش من الأصل.
وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أو كما بات يسمى في إسرائيل "بوق نتنياهو للإعلام"، انتظر مغادرة المبعوث الأميركي توم براك تل أبيب ليعلن حقيقة الموقف الإسرائيلي تجاه سوريا، بأن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من الأراضي التي احتلها بعد سقوط نظام الأسد في البلاد، وتحديداً منطقة الجنوب، أو ما بات يسميها "المنطقة الآمنة"، كما لن يغادر قمة جبل الشيخ بذريعة حماية أمن الحدود وبلدات الجولان والجليل من التهديدات المقبلة من الجانب السوري، إضافة إلى أن هذا القرار هو واحد من استخلاصات وعبر السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
جدل إبعاد إيران
ومن المتوقع أن يبحث وزير الخارجية جدعون ساعر في واشنطن، إلى جانب بعض نقاط متعلقة بغزة، الملف السوري الذي لا تزال أمامه عقبات عدة. فقد أثارت تصريحات كاتس أيضاً داخل إسرائيل نقاشات دفعت بمصادر سياسية إلى توضيح أن "اتفاقاً مع سوريا لا يظهر على الإطلاق في الأفق، والأمر الوحيد المطروح على الطاولة هو ترتيبات أمنية في هضبة الجولان وعلى الساحة السورية. وبحسب هذه المصادر فإن العقبة الأساسية هي معارضة إسرائيل مطلب أحمد الشرع بأن يستند أي اتفاق بين الطرفين على خطوط فصل القوات لعام 1974".
وفي حديث لمسؤول أمني، رفض نشر اسمه، أن الأميركيين أوضحوا لمتخذي القرار رغبتهم في رؤية اتفاق قبل نهاية سبتمبر (أيلول) المقبل، لكن الحقيقة أنهم في تل أبيب يقدرون أن فرص التوصل إلى اتفاق أمني حتى انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة ضئيلة"، وأضاف "في الحلم الأميركي، يريد فريق الرئيس دونالد ترمب لقاء ثلاثياً على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة بين الشرع وترمب ونتنياهو، وسيتعين عليهم جسر فجوات عميقة للوصول إلى هذه النتيجة. الاحتمال منخفض، لكنه ليس مستحيلاً".
بحسب الجدول الزمني لنتنياهو، فمن المتوقع أن يصل إلى نيويورك في الـ25 من الشهر المقبل، وفي هذا اليوم ستبذل الجهود لعقد الاتفاق الأمني مع الرئيس السوري، ثم سيلقي خطاباً في اليوم التالي، على أن يغادر نيويورك الإثنين الذي يليه. أما الشرع فمن المتوقع أن يلقي خطابه قبل نتنياهو بيومين.
يهدف الاتفاق الذي تتم بلورته، وفق ما أكد أكثر من مصدر إسرائيلي، إلى جانب ضمان أمن إسرائيل إخراج سوريا من المحور الشيعي بقيادة إيران. أما أبرز البنود المطروحة للنقاش والمتوقع أن يشملها الاتفاق فهي: نزع السلاح في منطقة الجولان السوري، من دمشق وحتى السويداء، لضمان أمن إسرائيل، ومنع إعادة بناء الجيش السوري من قبل تركيا، وتشدد إسرائيل على هذه النقطة لمنع أخطار استراتيجية مستقبلية، وحظر نشر سلاح استراتيجي في الأراضي السورية بما في ذلك الصواريخ ومنظومات الدفاع الجوي، من أجل الحفاظ على حرية العمل والتفوق الجوي لسلاح الجو الإسرائيلي في المنطقة، وإقامة ممر إنساني إلى جبل الدروز في منطقة السويداء.
في مقابل ذلك ترفض إسرائيل البحث في هذه المرحلة حول مصير جبل الشيخ السوري أو الانسحاب من المناطق السورية التي احتلتها بعد انهيار نظام الأسد، وهو ما أوضحه علناً الوزير كاتس، وفي مقابل كل هذا تحصل سوريا على دعم لإعادة إعمارها من الولايات المتحدة والخليج، بحسب ما أكد مسؤولون إسرائيليون.
وكشف الباحث في شؤون الشرق الأوسط يارون فريدمان، تسريبات من المحادثات الأخيرة بين دمشق وتل أبيب وأيضاً مع براك حول "منع تركيا من بناء الجيش السوري الجديد"، وبحسبه فإن هذا بند مهم ظاهرياً، لكن من السهل جداً الالتفاف عليه، كما أنه من المشكوك فيه إن كان ممكناً فرضه، فـ"الجيش السوري الجديد الذي سيقيمه الشرع سيتمكن من شراء أسلحة ثقيلة، صحيح ليس من تركيا مباشرة، بل من طرف ثالث أو من دولة أخرى، بذريعة أنه يحتاج إليها لأغراض داخلية ولتثبيت سلطته في الدولة".
وكشف أيضاً أن الاتفاق الأمني سيشمل "إبعاد إيران عن سوريا"، وبرأيه فإن هذا بند زائد تماماً. فالوضع على الأرض لا يستدعي أي اتفاق، والنظام الحالي في دمشق هو العدو اللدود للمحور الإيراني منذ أيام الحرب الأهلية السورية قبل عقد. وكانت جماعة الشرع المسماة "جبهة النصرة" رأس الحربة في الحرب ضد نظام الأسد و"حزب الله" وبقية الميليشيات الموالية لإيران، لذلك "لا يوجد أي داع للتوقيع على اتفاق في هذا الموضوع، لأنه مصلحة عليا للنظام الجديد في دمشق لا علاقة لها بالتسويات مع إسرائيل. وفي حال الشرع فإن عدو عدوي ليس بالضرورة صديقي. بل على العكس، قد يقيد الاتفاق يد إسرائيل إذا ما كشف في المستقبل عن عنصر إرهابي إيراني في قلب سوريا بعد التوقيع".
نظام جديد أم خدعة؟
في أعقاب تصريحات كاتس، شككت جهات عسكرية وأمنية بصدق نيات جهات مشاركة في بحث ملف التسوية الإقليمية. العقيد احتياط عميت ياغور، عد أن جولة براك ولقاءه، الثلاثاء، في بيروت بعد تل أبيب يعكس الجهود الأميركية لخلق نظام إقليمي جديد مع سوريا ولبنان تحت مظلة أميركية. وفي حين دعا متخذي القرار إلى عدم تفويت هذه الفرصة فإنه أكد أن عليهم خلال المحادثات مع الأميركيين وأيضاً السوريين الذين يفاوضونهم مباشرة "الإصرار على ترتيبات لا رجعة فيها تشمل السيطرة على الأرض، وتطبيعاً كاملاً في إطار اتفاقات أبراهام".
وبحسبه فإن الأحداث المتواترة خلال الأيام الأخيرة وصولاً إلى الحديث العلني عن احتمال القمة الثلاثية الشهر المقبل، "فرصة لا تعوض لإسرائيل لوقف الأعمال العدائية ضدها على طول الحدود الشمالية، وهي أيضاً فرصة لبداية نظام إقليمي جديد مع لبنان ومع سوريا التي يظل موقعها الجغرافي حاسماً لأي نظام إقليمي جديد ينشأ".
ويقول العقيد احتياط عميت، إن "حكومتي سوريا ولبنان مستعدتان لتوقيع تسويات موقتة فقط مع إسرائيل، وتريان أنها كافية لتحقيق هذا الهدف، مع انتزاع تنازلات في مناطق توجد فيها إسرائيل مقابل ذلك تجنب بأي طريقة توقيع اتفاق تطبيع كامل معها وتأجيل الموضوع إلى موعد غير معروف في المستقبل"، والهدف بحسبه هو "الحصول على مكاسب ملموسة مثل إعادة الإعمار وانسحابات إسرائيلية، وشرعية دولية مع تركيز على الأميركية، وكسب الوقت وعبور فترة الرئيس دونالد ترمب بسلام"، وبرأيه أنه بعد ذلك "ستحاول الدولتان إعادة النظام القديم إلى سابق عهده، بعدما تكون التنازلات الإسرائيلية قد أنجزت".
أمام هذه التوقعات يرى ياغور ضرورة "استنفاد كل فرصة قائمة لخلق نظام إقليمي جديد في المنطقة، وأن تتبنى إسرائيل نهجاً حذراً جداً قائماً على الواقع وليس على تصور الواقع". مشدداً على ضرورة أن تواصل إسرائيل تمسكها بما سماها "المواقع الأمنية" التي تمنحها عمقاً استراتيجياً ليس فقط في سوريا، وفق ما أوضح الوزير كاتس وإنما في لبنان أيضاً، وذلك بالسيطرة المباشرة عبر قوات الجيش الإسرائيلي، أو من خلال قوات بالوكالة تعمل لمصلحة دولة إسرائيل مثل الدروز.
موقف العقيد احتياط عميت، هو الأقرب لما تبحثه الأجهزة الأمنية ويريده متخذو القرار، الذين أكدوا عبر أكثر من مسؤول سياسي أن اتفاقات وقف النار منذ عام 1974 لم تعد ذات صلة ولا تتلاءم والوضعية الحالية في سوريا، ومن ثم فإن خطوط 1974 ليست مرجعاً لأية تسوية مستقبلية في الحال الراهنة".
إيال زيسر الرئيس السابق لمركز "موشيه ديان" لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا، عد "الاتصالات والمحادثات التي تدور بين الطرفين هي اتصالات ذات طابع تكتيكي بل وفني، موضوعها تسوية الواقع على طول الحدود المشتركة بين الدولتين، وربما أيضاً تقديم مساعدات إنسانية للدروز في جنوب سوريا. ويؤكد كغيره من السياسيين والأمنيين أن "اتفاق سلام بين الدولتين ليس على جدول الأعمال في هذا الأيام، وإن كان فقط بسبب مصاعب الشرع في الدفع قدماً بخطوة كهذه من دون غلاف عربي عام مثل اتفاقات أبراهام".
ودعا زيسر متخذي القرار إلى متابعة الشرع "بسبع عيون، فعلى رغم ماضيه الجهادي يمكن ويجب الوصول معه إلى تفاهمات تخدم مصالحنا ولا تعرض أمننا للخطر، بخاصة إزاء حقيقة أن سوريا هي دولة مدمرة ولا تملك جيشاً قد يهددنا".
اتفاق عديم الجدوى
في إسرائيل، وإزاء التشكيك بنيات الشرع من جهة، والتمسك بالمواقع التي يحتلها الجيش من جهة أخرى وصل النقاش إلى اعتبار ما تتم بلورته من اتفاق أمني هو أمر عديم الجدوى، كما يرى يارون فريدمان الباحث في شؤون الشرق الأوسط. وبحسبه فما يبحث عنه الشرع وتسعى سوريا إلى تحقيقه هو التوقيع على اتفاق عديم الجدوى.
"وقف إطلاق النار قائم أصلاً على الأرض، ولا نية أو قدرة لجيش سوريا الضعيف الذي يبدو كميليشيات مرتجلة على مهاجمة إسرائيل"، يقول فريدمان، مضيفاً "السبب الذي دفع الجيش الإسرائيلي للسيطرة منذ البداية على تلك الأراضي قبل نصف عام لا يزال قائماً: ديكتاتورية بشار الأسد استبدلت بحكم خطر لقوى إرهاب ومنظمات جهادية قد تصل إلى حدود الجولان حتى بعد توقيع الاتفاق وانسحاب الجيش الإسرائيلي. وعندما تتحدث إسرائيل عن نزع السلاح جنوب دمشق، كما سرب من الاتفاق الجاري بلورته، فإن الحديث يدور مجدداً عن توقيع زائد على أمر قائم أصلاً، فجيش الشرع ليست لديه دبابات أو صواريخ، فقط شاحنات "بيك أب" وأسلحة خفيفة وربما بعض المروحيات. مع ذلك يعلن الرئيس الشرع مراراً أنه يريد السيطرة على سوريا موحدة، ويعارض بشدة أي حكم ذاتي درزي في الجنوب بمحافظة السويداء".
معنى ذلك، كما يوضح فريدمان "أنه سيكون عليه نشر قوات جنوب دمشق. والاتفاق سيمنعه من إدخال أسلحة ثقيلة (لا يملكها أساساً)، لكنه يستطيع السيطرة بواسطة سلاح خفيف وحشود من المقاتلين. غير أن هذه المرة، إذا تكررت المجازر التي ينفذها أنصار النظام وحلفاؤهم البدو ضد الدروز بعد الاتفاق، وهو أمر متوقع فعلاً، ستكون يد إسرائيل مكبلة بالاتفاق برعاية الولايات المتحدة".
ولا يخفي فريدمان أن الأكثر قلقاً من كل شيء في الاتفاق الجاري بلورته هو أنه قد يشكل سابقة إقليمية إشكالية جداً تدفن فعلياً عملية السلام بين إسرائيل والعالم العربي، فـ"حتى الآن، وقعت اتفاقات سلام مع مصر (1979)، ومع الأردن (1993)، و"اتفاقات أبراهام"، لكن قريباً جداً ستوقع إسرائيل مع سوريا اتفاقاً لا هو سلام ولا هو تطبيع، وستحصل سوريا في المقابل على كل ما يحتاج إليه النظام في دمشق: رفع العقوبات، وإعادة إعمار الدولة، وتجديد العلاقات مع الغرب. فلماذا سترغب سوريا بعد ذلك في التقدم إلى سلام كامل؟ دول أخرى في المنطقة قد تستخلص الاستنتاجات، وتكتفي بالتوقيع مع إسرائيل فقط على "اتفاقات أمنية" - لبنان، وربما لاحقاً العراق، ومن يدري من بعدهما، وإذا منحت الولايات المتحدة شرعية لتسويات أمنية مع إسرائيل لا تعد اتفاقات سلام فإن ذلك ممكن بالفعل".
ويرد على السؤال "لماذا إسرائيل مستعدة للتوقيع على اتفاق يبدو سيئاً لها؟ بالقول "يبدو أن حكومة إسرائيل تتصرف في الملف السوري لتعزيز المصالح الأميركية لا الإسرائيلية. رئيس الولايات المتحدة يقود حملة عالمية من التسويات بما يشمل الشرق الأوسط. وبدل الضغط على سوريا في ذروة ضعفها للتوصل إلى اتفاق سلام جدي مع إسرائيل مقابل الانسحاب إلى هضبة الجولان وليس من الهضبة، فهو مستعد للتنازل في منتصف الطريق. لكن إسرائيل على ما يبدو ستضطر للتسليم بالاتفاق الموقت الجاري بلورته لسنوات طويلة قادمة وستتحمل نتائجه. وإن لم يكن في الاتفاق بند مجهول يفاجئنا، فهو ليس فقط اتفاقاً زائداً، بل ينطوي أيضاً على إخفاق سياسي وخسارة أوراق تفاوضية لمحادثات مستقبلية مع سوريا".
"إنه اتفاق عبثي"، وفق ما أكد فريدمان، ويوافقه الرأي أكثر من مطلع على ما يتم بلورته في هذا السياق بين تل أبيب ودمشق.