الرئيسة \  تقارير  \  إرجاء الانتخابات السورية... تعقيدات لوجستية وملاحظات حقوقية

إرجاء الانتخابات السورية... تعقيدات لوجستية وملاحظات حقوقية

18.09.2025
محمد أمين



إرجاء الانتخابات السورية... تعقيدات لوجستية وملاحظات حقوقية
محمد أمين
العربي الجديد
الاربعاء 17/9/2025
جملة قرارات اتخذتها اللجنة العليا لانتخابات "مجلس الشعب" السوري أضافت انتقادات وملاحظات تتناول العملية الانتخابية لأول برلمان بعد سقوط نظام بشار الأسد وحل المجلس السابق. أحدث قرارات اللجنة التي تعمل منذ يونيو/ حزيران الماضي على إنهاء حالة الفراغ التشريعي في البلاد كان تأجيل الانتخابات السورية برمتها إلى موعد آخر، لم يُحدد تاريخه، إلا أنه من المرجح ألا يتخطى مطلع الشهر المقبل. وعزت اللجنة قرارها المفاجئ إلى مشاكل تقنية متعلقة باللجان الفرعية المكلفة بدراسة كل الطلبات المقدمة لعضوية الهيئات الناخبة. وكان من المقرر إجراء الانتخابات السورية لاختيار أعضاء مجلس الشعب الجديد ما بين 15 و20 من الشهر الحالي، استناداً إلى قانون انتخابي مؤقت صادق عليه الرئيس أحمد الشرع في أغسطس/ آب الماضي، عبر مرسوم حمل رقم 143. رُفع بموجب القانون عدد مقاعد البرلمان من 150 مقعداً إلى 210 مقاعد، يعيَّن الرئيس ثلثها (70 مقعداً)، في حين تُنتخب المقاعد المتبقية عبر هيئات انتخابية فرعية محلية.
الانتخابات السورية من دون جدول زمني
وأعلنت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب السوري، الأحد الماضي، أنها تواصل دراسة طلبات الترشح لعضوية الهيئات الناخبة تمهيداً لإقرار اللوائح النهائية قبل نهاية سبتمبر/ أيلول الحالي. وذكر المتحدث باسم اللجنة نوار نجمة، على منصة "إكس"، أنه "سيُحدد جدول زمني دقيق لسير العملية الانتخابية فور الإعلان عن القوائم النهائية للهيئات الناخبة، ومن المتوقع إجراء الانتخابات قبل نهاية شهر سبتمبر". جاء قرار تأجيل الانتخابات السورية بعد أيام قليلة من تراجع اللجنة نفسها عن قرارها تأجيل الانتخابات السورية في محافظتي الرقة والحسكة، شمال شرقي البلاد، لـ"دواع أمنية وسياسية ولوجستية"، إذ قررت إجراء الانتخابات في مناطق في المحافظتين تخضع لسيطرة الحكومة، وذلك وفق بيان للجنة، استناداً "لرغبة المواطنين هناك". وتسيطر الحكومة السورية على منطقة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ومنطقة رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.
أما محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، فبقيت خارج العملية الانتخابية (على أن تبقى مقاعدها في مجلس الشعب شاغرة)، بسبب الأوضاع المضطربة التي تعيشها المحافظة الجنوبية، منذ منتصف يوليو/ تموز الماضي، وهي عملياً خارج سيطرة الدولة (سيطرة فصائل محلية)، إلى جانب أجزاء من محافظات الرقة والحسكة ودير الزور الخاضعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ذات الطابع الكردي. كما تراجعت اللجنة نفسها عن توجهها لاختيار أعضاء الهيئات الناخبة عن طريق التعيين المباشر، إذ اعتمدت مبدأ الترشح لعضوية هذه الهيئات، من دون إيضاح الطريقة التي سيتم بها انتخاب هذه الهيئات التي ستنتخب بدورها أعضاء المجلس في 13 محافظة سورية.
تطورات داخلية
وبدأت اللجنة العليا للانتخابات مهامها منذ تأسيسها في منتصف يونيو الماضي، بهدف تشكيل مجلس للشعب ولايته 30 شهراً، إلى حين إجراء الانتخابات السورية البرلمانية والرئاسية بناء على دستور جديد من المفترض كتابته وعرض مسودته على الاستفتاء الشعبي خلال الفترة الانتقالية، ومدتها خمس سنوات (وفق الإعلان الدستوري الذي وقعه الشرع في مارس/ آذار الماضي). وتعهدت اللجنة في حينه بإكمال أول عملية انتخابية بعد سقوط نظام الأسد خلال ثلاثة أشهر، لكنها كما يبدو واجهت صعوبات لتحقيق ذلك. فاللجنة "تعمل ضمن ظروف غير طبيعية وغير تقليدية"، بحسب الباحث السياسي السوري عبد الرحمن الحاج، الذي رأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن قرارات اللجنة "تعكس التطورات الداخلية في البلاد". وعزا تراجعها عن قرارها بإبقاء مقاعد محافظتي الرقة والحسكة شاغرة إلى رغبة منها "في عدم جعل هذا الاستثناء ذا مغزى سياسي في ظل استعصاء في تطبيق اتفاق العاشر من مارس"، الذي وقعه الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، وأبرز بنوده دمج المؤسسات في شمال شرقي سورية بالدولة.
 نوار نجمة: تعديل قرار استبعاد الرقة والحسكة "هدفه عدم حرمان المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية في دمشق من تمثيلها في مجلس الشعب
بالمقابل، أكد المتحدث باسم اللجنة نوار نجمة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يوجد تخبط في القرارات"، مضيفاً أن "وسائل الإعلام تطلب تواريخ دقيقة لإجراء العملية (الانتخابات) ونحن بالأساس لم نحدد أي فترات زمنية، لأن الآلية المتبعة في اللجنة مرنة". ولفت إلى أن باب الترشح لكل المواطنين للهيئات الناخبة فُتح يوم الاثنين الماضي، "بعدما كنا نتجه نحو مبدأ الاختيار"، مشيراً إلى وجود "أعداد كبيرة من المرشحين، ولا بد من دراسة كل ملفاتهم، ما سيأخذ وقتاً، وهو ما جعلنا نؤجل العملية الانتخابية".
كما ذكر أن اللجنة "فتحت باب الطعون ويجب أن تكون الفترة الزمنية لدراستها مرنة وغير محددة بسقف زمني"، مشدداً على أنه "بمجرد الإعلان عن أعضاء اللجان الناخبة في المحافظات، سنحدد موعداً لإجراء الانتخابات". من جهة أخرى، نفى نجمة وجود أسباب سياسية لتأجيل الانتخابات السورية المقبلة، مؤكداً أنها أسباب "لوجستية". وأوضح أن تعديل قرار استبعاد الرقة والحسكة "هدفه عدم حرمان المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية في دمشق من تمثيلها في مجلس الشعب". وأشار إلى أن التعديل جاء "بعد اجتماعات مطولة مع فعاليات سياسية ومحلية في تلك المناطق أصرت على خوض العملية الانتخابية، فلا مبرر لاستبعادها"، معتبراً أن القرار "يعبّر عن مرونة وشفافية أكثر من كونه دليل تخبط في إصدار القرارات من اللجنة العليا للانتخابات".
كذلك رأى الباحث السياسي السوري وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها اللجنة العليا للانتخابات والتي عدلت فيها بعض القرارات "استجابة مرنة لما تحتاجه العملية الانتخابية للمجلس ودوره ومهامه". وفي اعتقاده، فإن اللجنة لم تؤجل الانتخابات السورية "بل أعطت وقتاً أكبر لعملية المطابقة المعيارية".
وكانت اللجنة قد وزعت في أغسطس الماضي المقاعد المخصصة لكل محافظة بحسب إحصاء سكاني جرى في سورية عام 2011، فحصلت محافظة حلب مع ريفها، في الشمال السوري، على 32 مقعداً، بينما حصلت دمشق على عشرة مقاعد وريفها على 12، وحمص وحماة (وسط البلاد)، وإدلب (شمال غرب)، على 12 مقعداً لكل محافظة. وخُصصت لمحافظة الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي، عشرة مقاعد، ولمحافظة اللاذقية سبعة، وطرطوس خمسة، ودير الزور عشرة، والرقة ودرعا ستة مقاعد لكل من المحافظتين، أما السويداء فحصلت على ثلاثة مقاعد ومثلها القنيطرة.
انتقادات للنظام الانتخابي
وواجه النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب انتقادات، إذ ذكرت ورقة موقف مشتركة لعدة منظمات سورية ناشطة في المجال الحقوقي والمجتمع المدني، الاثنين الماضي، أن "القراءة الدقيقة لنصوصه (المرسوم رقم 143 لعام 2025) تكشف عن منظومة انتخابية تعاني خللاً بنيوياً عميقاً يجعلها بعيدة عن تحقيق الحد الأدنى من المعايير الدولية للمشاركة السياسية". ووردت في الورقة الكثير من الملاحظات النقدية للعملية الانتخابية ولا سيما لجهة منح الرئيس سلطة تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، وتعيين اللجنة العليا للانتخابات، ما "يعني أنه قادر على تشكيل أغلبية برلمانية من أشخاص يختارهم بنفسه أو يضمن ولاءهم، ما قد يحوّل المجلس إلى هيئة ذات لون سياسي واحد ويقوّض مبدأ التعددية الذي تقوم عليه أي عملية ديمقراطية حقيقية". واعتبرت الورقة أن اللغة التي اعتمدها القانون الانتخابي لجهة شروط الترشح والمشاركة "فضفاضة تفتح الباب واسعاً أمام التفسير الانتقائي والإقصائي". كما اعتبرت أن مشاركة المرأة بنسبة 20% "متدنية".
وأوصت بـ"إلغاء دور رئيس المرحلة الانتقالية في تعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب"، وبـ"إعادة تشكيل الهيئات الناخبة بالتشاور مع المجتمع المدني السوري"، و"إلغاء القيود والعبارات الفضفاضة في شروط الترشيح وضمان تمثيل فعلي وإلزامي للفئات المهمشة". كما شملت التوصيات "إنشاء هيئة مستقلة فعلياً عن السلطة التنفيذية للإشراف على العملية الانتخابية، وضمان حرية الدعاية الانتخابية في الفضاء العام، وتكريس المراقبة المحلية والدولية". في هذا الصدد، رأى المدير التنفيذي في "المركز السوري للعدالة والمساءلة" محمد العبد الله، والذي شارك في كتابة الورقة، أن "ما يحصل في سورية اليوم ليس انتخابات"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن ما يحصل "هو تعيين ثلث الأعضاء من قبل الرئيس الانتقالي وتعيين الثلثين عبر اللجنة العليا للانتخابات".
محمد العبد الله: استحالة إجراء انتخابات في سورية حالياً لا تعني تمرير مجلس للشعب بهذا الشكل الرديء
وقال العبد الله، وهو ناشط حقوقي سوري مقيم في الولايات المتحدة: "نحن أمام محاولة لسد الفراغ التشريعي لا يمكن توصيفها بالانتخابات"، مقراً بصعوبة إجراء الانتخابات السورية "في المرحلة الراهنة". وأوضح في هذا الإطار أن قسماً كبيراً من الشعب "مهجر ونازح يعيش خارج دوائره الانتخابية"، مضيفاً أن "هناك من ليست لديه أوراق ثبوتية". ولكنه يعتقد أنه من الممكن "تحسين هذه الممارسة عبر تشكيل هيئات ناخبة بالتشاور مع المجتمع المدني والقوى والتيارات السياسية، كما يمكن ضبط العبارات والقيود المفروضة". وأشار إلى أن تحسين العملية الانتخابية يتطلب "إنشاء هيئة قضائية مستقلة للإشراف على نزاهة عملية الاختيار، حتى لو لم تكن اقتراعاً مباشراً". وأبدى العبد الله خشيته من الاعتماد على الولاء بدل الكفاءة في اختيار الأعضاء "في ظل عدم وضوح المعايير المطلوبة"، معتبراً أن مجلساً كهذا "لن يمرر تشريعات حقيقية لصالح الشعب السوري، لكنها ستكون لصالح السلطة". وردّ القرارات المتناقضة التي صدرت عن لجنة الانتخابات إلى "تمرير استحقاق وطني كبير على عجالة"، معرباً عن قناعته بأن "اللجنة تحاول أن توحي للجمهور بأن هناك انتخابات وتحاول أن ترضي الأطراف التي عينتها، وبالتالي هي تتخبط". واعتبر أن "استحالة إجراء انتخابات في سورية حالياً لا تعني تمرير مجلس للشعب بهذا الشكل الرديء من خلال إجراءات الاختيار المعيبة".