الرئيسة \
تقارير \ إجراءات الحكومة السورية لاحتواء أحداث السويداء
إجراءات الحكومة السورية لاحتواء أحداث السويداء
06.09.2025
عدنان علي
إجراءات الحكومة السورية لاحتواء أحداث السويداء
عدنان علي
العربي الجديد
الخميس 4/9/2025
اتخذت الحكومة في دمشق خطوات عدة لمحاولة تقليل آثار أحداث السويداء على الداخل السوري وعلى علاقات البلاد الخارجية التي بدا أنها تأثرت سلباً بما جرى في السويداء، وقبلها في الساحل السوري. لكن البعض يرى أنها بحاجة إلى مزيد من الفعالية. ومنذ سحب الحكومة قواتها من السويداء في 17 يوليو الماضي تحت وطأة ضربات إسرائيلية، عملت على تبريد الملف من خلال إبعاد مقاتلي العشائر عن المنطقة، والموافقة على تهجير عائلات البدو ممن يعيشون في السويداء باتجاه محافظة درعا، ومناطق أخرى، بغية تخفيف الاحتكاك بين الأطراف المعنية، إضافة الى تسيير قوافل مساعدات إنسانية باتجاه السويداء، وصولاً الى فتح طريق دمشق السويداء لقوافل المساعدات والشاحنات التجارية من دون أن يشهد الطريق مرور سيارات مدنية، وذلك ليكون بديلاً عن طريق دمشق – درعا – السويداء الذي كان يُستخدم لإدخال المساعدات.
انتهاكات السويداء
غير أن هذه الخطوات لم تسهم كثيراً في تخفيف الاحتقان الذي خلّفته الانتهاكات الحاصلة في المحافظة منتصف يوليو/ تموز الماضي، فعمدت الحكومة إلى تشكيل لجنة تحقيق في أحداث السويداء، بالإضافة إلى حصول اتصالات خارجية مع أطراف إقليمية ودولية مثل إسرائيل والأردن والولايات المتحدة، في نهاية يوليو الماضي، من أجل التحقيق في ملابسات الانتهاكات التي حصلت. لكن التطور الأبرز كان القرار أول من أمس بتنحية العميد أحمد الدالاتي عن ملف السويداء، بعد تعيينه في مايو/ أيار الماضي قائداً للأمن الداخلي في السويداء، بعد أن كان محافظاً للقنيطرة، فيما أعلن المتحدث باسم لجنة التحقيق في أحداث السويداء المحامي عمار عز الدين في تصريحات تلفزيونية القبض على عناصر بوزارتي الدفاع والداخلية لاتهامهم بارتكاب انتهاكات في السويداء وإحالتهم إلى القضاء. وأعلنت وزارة الداخلية الثلاثاء تعيين العميد حسام مأمون الطحان قائداً للأمن الداخلي في محافظة السويداء، والعميد أحمد هيثم الدالاتي قائداً للأمن الداخلي في محافظة ريف دمشق، أي تبادل طحان والدالاتي المتصبين. وقد أثير لغط حول دور الدالاتي في أحداث السويداء من جانب بعض المتابعين، لجهة تفرده باتخاذ بعض القرارات، مما أدى إلى غياب التواصل الكافي مع بعض الشخصيات المؤيدة للحكومة داخل السويداء.
بسام السليمان: استبدال الدالاتي يأتي في سياق المعالجة الحكومية لأزمة السويداء
في السياق، برز ما قاله قائد تجمع "أحرار جبل العرب"، سليمان عبد الباقي، وهو من الشخصيات الرئيسية المؤيدة للحكومة داخل السويداء، قبل أيام لجهة إنه حين تسلم الدالاتي ملف السويداء إثر تعيينه مسؤول الأمن الداخلي في المحافظة، اجتمع مع وزير الداخلية (أنس خطاب) وتباحث معه في كيفية احتواء الوضع في السويداء. وأضاف عبد الباقي ضمن "بودكاست سوريا الآن"، أنه اجتمع مع الدالاتي لمرة واحدة وطرح عليه التعاون في قضايا سياسية أمنية وخدمية بغية تجنب التصعيد، و"على أساس نتابع هذه الأمور، لكنه قطع التواصل معنا ولم يعد يجيب على الهاتف، وكان وقتها لدينا قوائم من شبان السويداء، أي نحو ألفي اسم يريدون التطوع في جهاز الأمن العام التابع للدولة، لكنه لم يتم التجاوب معنا، ورفضوا قبول هؤلاء في جهاز الأمن".
وأوضح عبد الباقي أنه حتى العاملين مع الأمن العام في السويداء "كانوا مهمشين ويتقاضون رواتب بسيطة ومن دون دعم لوجستي"، مشيراً إلى أن الدالاتي كان "بعيداً عن المشهد، ويصعب الوصول إليه، ولا يجيب على الهاتف لأيام". وأضاف: "منذ تسلمه الملف، لم نعد نعرف ماذا يخطط بشأن السويداء، وبعد نحو شهرين ونصف الشهر فوجئنا بالحملة العسكرية على السويداء، من دون أن نعرف دوافع هذه الخطوة، ومن يقف خلفها". وانتقد عبد الباقي دور الدالاتي "الذي لم يدخل إلى السويداء منذ تسلمه الملف، إلا وقت الهجوم العسكري على المحافظة"، مشيراً إلى أنه كان ضمن الأمن العام ومسؤولاً عن نحو مائة عنصر، لم يكن على علم بهذه العملية، ولم يتمكن خلالها من التواصل مع الدالاتي، لكنه تواصل مع العميد شاهر عمران (مسؤول الأمن الداخلي في محافظة درعا).
المعالجة الحكومية لأزمة السويداء
واعتبر المحلل السياسي بسام السليمان أن استبدال الدالاتي يأتي في سياق المعالجة الحكومية لأزمة السويداء، ويأتي ضمن خطوات أخرى مثل فتح الطريق الدولي بين دمشق والسويداء. واستبعد السليمان، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن يكون نقل الدالاتي بمثابة عقوبة له أو مؤشر سلبي بحقه، لكن كما نعلم أنه "أدار مرحلة صعبة، سال فيها كثير من الدماء، ونشأت جراء ذلك حساسيات، وكان لا بد من معالجتها". من جانبه، رأى المحلل السياسي وحيد العزمي أن خطوات الحكومة في ملف السويداء خجولة وغير كافية، معتبراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه كان الأنسب ربما أن يكون القرار بعزل الدالاتي واضحاً كإجراء عقابي، وليس تعيينه في منصب مماثل في محافظة أخرى، ما أعطى رسالة سلبية لأهالي السويداء، بأن الحكومة غير جادة في معاقبة أحد الأشخاص الذي جرى تحميلهم مسؤولية المسار السلبي للأحداث في السويداء. وأضاف العزمي أن على الحكومة أن تبادر أيضاً لتسريع عمل لجنة التحقيق التي شكلتها، وأن تعلن عن هوية الأشخاص الذين جرى اعتقالهم، متسائلاً في الوقت نفسه عن كيفية محاسبة المتورطين الآخرين من جهة الفصائل المسلحة في السويداء، ومن سيحاسبهم، وهو ما يستدعي وجود طرف دولي في لجنة التحقيق يطالب بتسليم هؤلاء ليخضع الجميع الى محاكمة عادلة بضمانات دولية.
ومع الإعلان عن إبعاد الدالاتي عن الملف، أعلن المتحدث باسم لجنة التحقيق بأحداث السويداء عمار عز الدين، أول أمس الأربعاء، أن وزارتي الداخلية والدفاع اعتقلتا العديد من المشتبه بارتكابهم انتهاكات في السويداء ممن استجوبتهم اللجنة، بعد ظهورهم في مقاطع فيديو تم تداولها عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي خلال الفترة بين 14 و17 يوليو الماضي. وأضاف في تصريحات لتلفزيون سوريا أن اللجنة حصلت على فيديوهات توثق الانتهاكات من جميع الأطراف، وأنها زودت وزارتي الداخلية والدفاع بصور المشتبه بهم، وتم القبض عليهم والتحقيق معهم تمهيداً لإحالتهم إلى القضاء. وأكد عز الدين أن الدولة ستحاسب جميع المتورطين، بارتكابهم انتهاكات على خلفية الأحداث الأخيرة في السويداء من كل الأطراف، لافتاً إلى أن اللجنة التقت أيضاً مع شخصيات على "مستوى عالٍ" لمعرفة السياق القانوني وسردية الأحداث في السويداء.
وحول إمكانية استكمال اللجنة تحقيقها، في ظل منعها من الدخول إلى مدينة السويداء، قال عز الدين إن اللجنة دخلت إلى مناطق معينة حدثت فيها انتهاكات مثل الريف الغربي، مشيراً إلى اعتماد "آليات معينة تتضمن وجود أناس متعاونين مع اللجنة"، إذ تم اللقاء مع شهود من أبناء السويداء في جرمانا وأشرفية صحنايا، إضافة إلى اللقاء مع شهود سريين في وزارة العدل قدموا العديد من المعلومات حول الانتهاكات. في سياق آخر، انتقد عز الدين تقرير منظمة العفو الدولية حول السويداء، قائلاً إنه "كان جيداً لكنه كان مجتزأً، وكنا نتمنى أن يكون شاملاً لجميع الانتهاكات أو أن تشير المنظمة إلى وجود انتهاكات من الأطراف الأخرى"، معتبراً أن "إصدار تقرير يشير إلى جهة واحدة فقط، يزيد من النيران بدلاً من التهدئة وتبريد المشكلات".
وكانت منظمة العفو الدولية أصدرت، أول من أمس الثلاثاء، تقريراً وثق عمليات إعدام خارج نطاق القضاء بحق عشرات الدروز بالسويداء، يومي 15 و16 يوليو الماضي. وذكرت المنظمة أنه يجب على الحكومة السورية محاسبة أفراد قوات الأمن والقوات العسكرية الحكومية وأفراد القوات التابعة لها المتورطة في الإعدامات. وكانت وزارة الدفاع السورية تحدثت عن انتهاكات "صادمة وجسيمة" ارتكبتها مجموعة قالت إنها غير معروفة ترتدي الزي العسكري. وتعهدت باتخاذ "أقصى العقوبات بحق الأفراد المرتكبين للانتهاكات في مدينة السويداء، بعد التعرف عليهم، حتى لو كانوا منتسبين إلى تشكيلات الدفاع".
تشكيك بدور لجنة التحقيق
إلا أن المحامي باسل سعيد مانع تساءل بشأن قدرة لجنة التحقيق التي شكلتها الحكومة على القيام بعملها بشفافية وموضوعية، لأن معظم أعضائها موظفون في الحكومة، ومن غير المتوقع أن يصدر عنهم تحقيقات توجه اتهامات للحكومة، ما قد يفقدهم وظائفهم. وأعرب مانع في حديث مع "العربي الجديد" عن اعتقاده بضرورة تطعيم اللجنة الوطنية بجهات حقوقية دولية لاكتساب المصداقية من جهة، وكي تتمكن من الدخول إلى محافظة السويداء واستكمال عملها من جهة أخرى، في ظل رفض القوى المسيطرة على الأرض هناك التعاون مع اللجنة المحلية. وشدّد على أهمية الوصول إلى المعطيات داخل السويداء، خصوصاً أشرطة الفيديو التي التقطتها الكاميرات المثبتة في الأماكن التي شهدت انتهاكات، وهي موجودة لدى الفصائل والقوى المسيطرة في السويداء.
ولجنة التحقيق مكونة من سبعة أشخاص، هم أربعة قضاة، ومحاميان، وضابط شرطة، بينهم شخص واحد على الأقل من محافظة السويداء، القاضية ميسون حمود الطويل، ومن غير المعروف ما إذا كانت انخرطت فعلاً في أعمال اللجنة بعد تردد معلومات عن اعتذارها عن ذلك، من دون تأكيد رسمي منها أو من اللجنة. وبقية أعضاء اللجنة، هم القاضي حاتم النعسان، يعمل مستشاراً في محكمة النقض بمنطقة الراعي بريف حلب الشمالي، والقاضي جمال الأشقر، الذي كان يشغل منصب رئيس المحكمة العسكرية في الشمال السوري قبل سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، والعميد محيي الدين هرموش الذي شغل منصب وزير الداخلية في الحكومة السورية المؤقتة، وكانت قائمة في الشمال السوري وتابعة للائتلاف الوطني، قبل سقوط نظام الأسد. وتضم اللجنة أيضاً المحامي عمار عز الدين عضو مجلس نقابة المحامين في حمص وهو المتحدث الرسمي باسمها، والمحامي طارق الكردي وهو مسؤول المكتب القانوني في الائتلاف الوطني السوري المعارض سابقاً.