الرئيسة \  تقارير  \  أوهام السلام الإسرائيلي السوري

أوهام السلام الإسرائيلي السوري

06.07.2025
بشير البكر



أوهام السلام الإسرائيلي السوري
بشير البكر
العربي الجديد
السبت 5/7/2025
في كلّ مرّة يجري الحديث عن مشروع سلام بين إسرائيل وبلد عربي، يشتعل خيال المنطقة بالنظريات الوردية عن الحدود المفتوحة، وحدائق التطبيع، ومزارع التفّاح والكرز، ولمّ شمل الأهالي الذين باعدتهم الحروب. ومع أن التجارب السابقة مع إسرائيل فاشلة على المستويات كافّة، فإن بعضهم لا يكفّ عن ترويج الأوهام، ومخادعة خيال الناس ليسرح (ويحلّق) بعيداً من الواقع المدجّج بالمجازر والاستيطان في غزّة والضفة الغربية.
قبل أن يبدأ التبشير بوصول قطار السلام الموهوم إلى الجبهة السورية، سبق له أن توقّف في محطّة اتفاقات أبراهام، التي وُقّعت في البيت الأبيض في أغسطس/ آب عام 2020، بترتيب وحضور من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووزراء خارجية كلّ من إسرائيل والإمارات والبحرين، وانضمّ إليها لاحقاً المغرب والسودان. واللافت في الأمر هو أن جميع الدول العربية التي ذهبت في ذلك الاتجاه، فوضعت مسألة تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين في صدارة الأولويات، لم تنجح أيٌّ منها في إقناع إسرائيل كي تتقدّم خطوةً واحدةً ذات قيمة، حتى الولايات المتحدة، وشكّلت حرب إسرائيل على غزّة مثالاً لفشل أطروحة أصحاب السلام مع إسرائيل مقابل السلام.
لا تزال الولايات المتحدة تعمل في جرّ دول عربية إلى قطار اتفاقات أبراهام، الذي لم يغادر المحطة. وفي ذروة الحرب الإسرائيلية على غزّة، فاوضت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ووضعت ثقلها من أجل توقيع ما يشبه إعلان المبادئ، قبل بدء الانتخابات الرئاسية الأميركية، ولكنّ الرياض تمسّكت بشروطها التي طرحتها، وملخّصها أنه لن تكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يُعترَف بالدولة الفلسطينية المستقلّة في حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وإيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي منه. وحسب ما تسرّب من مباحثات الرياض، في 13 مايو/ أيار الماضي، بين ولي العهد السعودي محمّد بن سلمان والرئيس ترامب، فإن مسألة التطبيع لم تكن لها الأولوية في جدول الأعمال.
وضع وزير خارجية إسرائيل جدعون ساعر إصبعه على النقطة الحسّاسة، حين علّق على الأنباء المتداولة عن محادثات سلام بين سورية وإسرائيل، بقوله إن "سيادة إسرائيل على الجولان غير مطروحة للنقاش"، وذلك لأن إسرائيل سبق لها أن ضمّت الجولان، ووافق ترامب على ذلك خلال ولايته الأولى، وباتت هناك مستوطنة تحمل اسمه. وبالتالي، إن ما يجري من مفاوضات، لا يتعدّى حدود الترتيبات الأمنية التي تشمل (قبل كلّ شيء) الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة داخل الأراضي السورية بعد سقوط نظام بشّار الأسد، وشملت تدمير المقدرات العسكرية للجيش السوري، واستمرار التوغّلات إلى مسافة 30 كيلومتراً من خطّ اتفاقية فصل القوات، التي وقّعتها كلٌّ من سورية وإسرائيل عام 1974، ومنها أعالي قمم جبل الشيخ ذات الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط.
تعرف السلطات السورية أنه ليست هناك موازين قوى تسمح بتوقيع معادلة سلام تستعيد فيها السيادة على الجولان، ولذلك عليها ألا تنساق وراء الوهم، وأقصى ما تنتجه هذه المرحلة هو اتفاقية أمنية لإعادة الوضع إلى ما كان عليه عام 1974، أي حدود فصل القوات بإشراف القوات الدولية، التي جُدّدت ستّة أشهر، وهذا مؤشّر إضافي إلى أن الموقف يسير في هذا الاتجاه، ولكن العربدة الإسرائيلية تشي بغير ذلك، وقد لا تقبل تل أبيب بمعاهدة أمنية من دون مقابل، فهي ليست في وارد ترك الحكم السوري الجديد يستقرّ، ويتفرّغ لترتيب شؤونه الداخلية، بل تعمل على إقلاقه وإبقائه في حال من التوتّر، ما لم يقدّم تنازلاً ما.