الرئيسة \
تقارير \ أوضاع داخلية وإقليمية قلقة... "قوات سوريا الديمقراطية" تبحث عن ضمانات وشراكة
أوضاع داخلية وإقليمية قلقة... "قوات سوريا الديمقراطية" تبحث عن ضمانات وشراكة
21.08.2025
رستم محمود
أوضاع داخلية وإقليمية قلقة... "قوات سوريا الديمقراطية" تبحث عن ضمانات وشراكة
رستم محمود
المجلة
الاربعاء 20/8/2025
في أوائل شهر يوليو/تموز الماضي، فشلت المفاوضات الثنائية بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) والحكومة السورية، بسبب الخلاف الشديد بشأن آلية دمج هذه القوات في الجيش السوري، حسبما كان الطرفان قد توافقا في العاشر من مارس/آذار المنصرم. حدث ذلك بالرغم من الوساطة والضغوط الأميركية على الطرفين، وبحضور المندوب الأميركي السفير توم بارّاك.
بعدها بأيام قليلة، أعلن الطرفان الموافقة على حضور مباحثات ثنائية في العاصمة الفرنسية باريس بعد عدة أسابيع، لكن توترات أمنية ومواجهات عسكرية موضعية حدثت في منطقة "دير حافر" شرق محافظة حلب بين الطرفين، تلتها زيارة خاصة لوزير الخارجي التركي هاكان فيدان للعاصمة السورية دمشق، ومن بعدها عُقد مؤتمر سياسي في مدينة الحسكة، برعاية "قوات سوريا الديمقراطية" والإدارة الذاتية الرديفة لها، والمسيطرة على كامل منطقة شمال وشرق الفرات من سوريا، وبحضور مختلف الحساسيات المناهضة للسلطة الجديدة جذريا، بمن فيهم الشيخ حكمت الهجري، أعاد المسألة بين الطرفين إلى النقطة الأولى، إذ أعلنت السلطة السورية إلغاء مشاركتها في اجتماع باريس، وأصدرت "قوات سوريا الديمقراطية" بيانا أشارت فيه إلى زيادة التحركات العسكرية المناهضة لها في أكثر من منطقة شمال شرقي البلاد.
في ظل تلك التطورات، تستكشف "قسد" بيئة إقليمية ودولية "غامضة بالنسبة لها"، شديدة التقلب ومبهمة السياق. إذ تحاول "قسد" الحفاظ على موقعها ودورها في المعادلة السورية، واستخدام منجزاتها في ملف محاربة الإرهاب وقواتها العسكرية وسلطتها الرمزية وشبكة علاقاتها السياسية الإقليمية والدولية كآلية لتحولها إلى فاعل ضمن سوريا، خصوصا في هذه الفترة، التي من المتوقع أن تكون تأسيسية لما ستكون عليه البلاد طوال عقود كثيرة قادمة.
تخشى "قوات سوريا الديمقراطية" من عدة عوامل قد تتفاعل وتتكثف في المستقبل المنظور، وتؤدي فعليا إلى الإطاحة بموقعها والصيغة التي تنوي التوصل إليها مع سلطة دمشق
هواجس "قسد"
تخشى "قوات سوريا الديمقراطية" من عدة عوامل قد تتفاعل وتتكثف في المستقبل المنظور، وتؤدي فعليا إلى الإطاحة بموقعها والصيغة التي تنوي التوصل إليها مع سلطة دمشق. فالقوة والسيطرة الميدانية التي تتمتع بها راهنا هي في حكم التغطية والرعاية الدولية، وتفتقد لأية "شرعية" واضحة المعالم، سواء من قِبل المؤسسات والقوانين السورية الداخلية، أو الاعتراف الرسمي الإقليمي والدولي. تواصلت "المجلة" مع عدد من القيادات السياسية المقربة من هذه القوات، حيث أجمعت على أن المخاوف المستقبلية يُمكن اختصارها بثلاثة تحولات قد تجري خلال الشهور القادمة.
فالمزيد من التوترات الميدانية مع قوات الحكومة السورية قد يدخلها مرحلة من المواجهة العسكرية المباشرة، والتي قد تبدأ بشرارة موضعية وصغيرة، مثلما حدث في منطقة "دير حافر" شرقي محافظة حلب قبل عدة أيام. هذه المواجهة، التي فيما لو حدثت، فإنها دون شك ستؤثر على النسيج والسلام الاجتماعي في مناطق سيطرة "قسد"، لأنها تعيش وقائع سياسية وحياتية هشة بالأساس. تصريحات المتحدثين باسم "قسد" الأخيرة أوحت بأن المواجهات العسكرية الأخيرة كانت نتيجة قيام "فصائل غير منضبطة عاملة في صفوف قوات الحكومة السورية" بقصف مواقع لها، موحية بوجود تيارات ضمن السلطة الجديدة، تتوخى بعضها إحداث صِدام عسكري مع "قسد"، بتوجيهات إقليمية "تركية"، وبأي ثمن.
الولايات المتحدة لا يُمكن لها أن تُقدم ضمانات لـ"قوات سوريا الديمقراطية" بشأن إحرازها لواقع كياني، سواء داخل سوريا أو بالاستقلال عنها، وأن "الفيدرالية لا تناسب سوريا"
كذلك لا تستأمن "قسد" حالة المتاركة العسكرية والسياسية التركية الراهنة تجاهها، والممتدة منذ أوائل شهر مارس الماضي وحتى الآن. إذ لم تقصف تركيا مناطق سيطرة "قسد" بشكل منتظم منذ ذلك الوقت وحتى الآن، كما كانت تفعل طوال السنوات الماضية، وخفت حدة التصريحات السياسية والعسكرية التركية بنسبة كبيرة، وصارت تتركز حول دعمها للاتفاق الذي أُبرم بين قائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع في أوائل شهر مارس، وحتى غدا المسؤولون الأتراك يؤكدون حرصهم على حصول أكراد سوريا على كامل حقوقهم الثقافية والسياسية في البلاد، شريطة أن لا تكون لهم تنظيمات مسلحة ضمن المنظومة الدفاعية السورية.
لكن "قوات سوريا الديمقراطية" تعتبر أن التحول الواضح في الموقف التركي ناتج عن ديناميكيات سياسية تركية داخلية، متعلقة بالمفاوضات بين الحكومة التركية و"حزب العمال الكردستاني"، بشأن إنهاء الصراع المسلح بينهما. فالرئيس أردوغان صار متأكدا من أن مشروعه لتغيير دستور تركيا قبل عام 2028، ليُتاح له الترشح مجددا لمنصب رئاسة الجمهورية، يمر بالضرورة عبر التقارب مع أكراد تركيا وقواهم السياسية. كذلك يُشيد شريكه في التحالف الحاكم وزعيم الحركة القومية التركي دولت بهجلي استراتيجيته الراهنة على أساس وجود مخاطر جيوسياسية مقلقة تحيط بتركيا، وهذا يستلزم تقاربا وحلا للمسألة الكردية. هذان الأمران خففا تماما من الضغوط التركية على "قسد" ومناطقها، لكنها معطيات قد لا تستمر طويلا، ويمكن لها حتى أن تصبح عكس ما هي راهنا في أية لحظة، فيما لو فشل المشروع المشترك بين "العمال الكردستاني" والدولة التركية، كما حصل أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، وهو ما سيجر موقفا تركيا حازما تجاه "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تعتبرها تركيا الامتداد الأكثر خطورة لـ"حزب العمال الكردستاني".
مع الأمرين، فإن "قسد" غير مرتاحة تماما للرؤية والاستراتيجية الأميركية تجاه سوريا، خصوصا الآلية التي يعمل بها المندوب الأميركي توم بارّاك. فبعد ترسانة من الشروط والمحددات التي وضعتها الولايات المتحدة على السلطة الجديدة الحاكمة لسوريا في بداية حكمها، لتكون عتبة للتعاون والاعتراف الأميركي بها، صارت تتعاون معها بحيوية بالغة، متجاوزة كل الملفات الخلافية، بما في ذلك شكل وموقع الحساسيات الأهلية ضمن هياكل الدولة والسلطة الجديدة في البلاد. "قوات سوريا الديمقراطية" ترى في ذلك تحولا على حسابها، لأنها بقيت تعتبر الولايات المتحدة الحليف السياسي والعسكري الأقرب لها، والجهة الأكثر موثوقية لتأمين دورها وموقعها في سوريا المستقبل، والمظلة الأمنية والسياسية الوحيدة لبقائها، ضمن شروط ومناخات الشراكة الثنائية بين الطرفين في ملف محاربة الإرهاب.
تصريح المندوب الأميركي توم بارّاك عقب انتهاء المفاوضات الثنائية "الفاشلة" بين "قسد" والسلطة السورية في التاسع من الشهر الماضي أثارت "صدمة" ضمن أوساط "قوات سوريا الديمقراطية". إذ أوحى بأن المتسبب بعدم التوصل إلى آليات تنفيذية لما اتُفق عليه سابقا بين الطرفين هو "قسد"، وأن السلطة السورية قدمت "عروضا رائعة" حسب تعبيره، وأن الولايات المتحدة لا يُمكن لها أن تُقدم ضمانات لـ"قوات سوريا الديمقراطية" بشأن إحرازها لواقع كياني، سواء داخل سوريا أو بالاستقلال عنها، وأن "الفيدرالية لا تناسب سوريا".
المصادر الخاصة قالت لـ"المجلة" إن قائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي قد ناقش هذه التصريحات بالتفصيل أثناء اجتماعه مع المندوب الأميركي في العاصمة الأردنية عمان أواخر الشهر الماضي، وإن بارّاك أخبر عبدي حدوث سوء فهمٍ لتصريحاته، مؤكدا التزام الولايات المتحدة بخلق مظلة حوارية بين "قسد" والحكومة السورية. في ذلك السياق، نجحت "قوات سوريا الديمقراطية" في إحداث تحرك فرنسي سريع، يلاقي ما اعتبرته "تراخيا أميركيا". ففرنسا هي الأقرب سياسيا لموقف "قسد"، وقبول الحكومة السورية بتحويل المفاوضات مع "قسد" من دمشق إلى باريس كان بمثابة "نصر سياسي" لـ"قسد"، لأنه أخرج مسألتها من ثنائية "شرعية الدولة" و"فصيل مسلح"، حسبما حاولت السلطة السورية تحديده.
مشروع قانون الإنفاق الدفاعي للعام الحالي، أدخل بنودا تُقيّد إمكانية سحب القوات الأميركية من سوريا دون إجراءات تشريعية وسياسية طويلة، تُلزم الحصول على إجماع سياسي، وليس مجرد قرار من البيت الأبيض
ضمانات أميركية
على الرغم من تضارب المواقف الأميركية من مستقبل "قوات سوريا الديمقراطية" خلال الشهور الماضية، تناغما من شكل علاقة الإدارة الأميركية الجديدة مع القوى الإقليمية، فإن مختلف المؤسسات الأميركية حاولت تأكيد استمرارية "قوات سوريا الديمقراطية" والشراكة معها.
فتقرير مكتب المفتش العام الأميركي، للربع الثاني من هذا العام، انتقد إغلاق القوات الأميركية لعدد من قواعدها في شمال شرقي سوريا، وقال: "قامت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بإغلاق 3 قواعد عسكرية في وادي الفرات الأوسط، هذه القواعد كانت تمثل عنصر توازن وتنسيق بين (قسد) والعشائر العربية في المنطقة. ويتوقع التحالف (CJTF-OIR) أن انسحاب القوات الأميركية سيؤدي إلى تصاعد التوترات بين (قسد) والعشائر العربية". ويضيف التقرير: "إن الحرب على (داعش) تدخل مرحلة الاحتواء والمراقبة بدلا من المواجهة المباشرة. هناك قلق واضح من ضعف إمكانات حراسة السجون ومخيمات النازحين، التي تحتوي على آلاف من أفراد (داعش) وعائلاتهم". التقرير الذي يمثل نقطة تقاطع بين المؤسسات الأميركية الأكثر تأثيرا على الإدارة الحاكمة، وزارة الدفاع ووزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية الأميركية، يُعبر فعليا عن قلق الولايات المتحدة من تفكك الوضع في حال تخلي أميركا عن "قوات سوريا الديمقراطية".
مشروع قانون الإنفاق الدفاعي للعام الحالي، أدخل بنودا تُقيّد إمكانية سحب القوات الأميركية من سوريا دون إجراءات تشريعية وسياسية طويلة، تُلزم الحصول على إجماع سياسي، وليس مجرد قرار من البيت الأبيض. فحسب التقرير، يُلزم "مشروع القانون وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بتقديم شهادة رسمية تؤكد أن أي انسحاب أميركي من سوريا، لن يضر بمهمة هزيمة تنظيم داعش". ويتضمن مشروع قانون الإنفاق الدفاعي لعام 2025، منع خفض أو دمج القواعد العسكرية الأميركية في سوريا، دون إشعار مسبق للكونغرس، بحسب التقرير. كما يؤكد مشروع القانون، على "وجوب أن يشمل التقرير المقدم للكونغرس، تقييما لأي ثغرات في الدعم أو التدريب المقدم للقوات المحلية السورية". وهو مشروع نال توافقا سياسيا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
تعتقد "قوات سوريا الديمقراطية" أن المسألة الكردية في سوريا يجب أن يكون لها أفق ومسار واضح للحل، وأن ما قدمته السلطة من إمكانية الإقرار بالحقوق الثقافية للأكراد السوريين ليس كافيا
ماذا تريد "قسد"
تعرف "قوات سوريا الديمقراطية" أنها غير قادرة على الاحتفاظ بوضعها الحالي على المدى البعيد. لا الوقائع الإقليمية ولا الداخلية السورية تسمح لها بذلك، بحُكم "عوز الشرعية والاعتراف بها"، ومثلها أيضا الأوضاع الحياتية والبيروقراطية والاقتصادية الصعبة التي تعيشها المجتمعات المحلية في مناطقها، بسبب رفض المؤسسات الحكومية قبول التعاون معها. فشبكة الهواتف النقالة مثلا متوقفة في مختلف مناطقها منذ شهور، وباقي مؤسسات القضاء والشؤون العقارية والسجلات المدنية والوثائق الخارجية خارج الخدمة، وهو ما يخلق ضغوطا على الحياة العامة واستقرار المواطنين.
تجاوزا لذلك، وحسب تصريحات القادة العسكريين والساسة المقربين من "قوات سوريا الديمقراطية"، فإن ما تسعى إليه "قسد" في المستقبل المنظور هو ثلاث آليات، عرضتها أثناء الاجتماع الأخير مع الحكومة في دمشق، وطبعا تم رفضها تماما من قِبل الأخيرة.
فهي ترى في الاندماج العسكري قبولا بسيادة الدولة الرمزية والإدارية على "قوات سوريا الديمقراطية"، على أن تحتفظ هذه الأخيرة بأسلحتها وهيكلها الإداري ضمن مؤسسة الجيش السوري، ولو إلى حين قد يطول لعدة سنوات. وأن يكون الأمر نفسه مطبقا على الأجهزة الشرطية والأمنية في مناطق سيطرتها. مقابل ذلك، تقبل "قوات سوريا الديمقراطية" بسيطرة وحدات من الجيش المركزي على المراكز الحدودية والمعابر والمطارات، كمؤسسات مخولة للسلطة المركزية.
المسألة الأخرى هي الوضع الدستوري لهذه المناطق، المتمثل بشكل من اللامركزية الواسعة التي "يجب" أن تحصل عليها في أي دستور دائم، بأسلوب يمنحها الحق والسلطة في إدارة مواردها وشؤونها الإدارية والعامة، مع عدم الاعتراض على الصلاحيات الحصرية للمركز، مثل السياسة الخارجية والنقد والاستراتيجية الدفاعية. لا تقبل "قوات سوريا الديمقراطية" أن يكون هذا النقاش مؤجلا لأواخر الفترة الانتقالية، لما تقول إنه "عدم ثقة" عميقة بين الطرفين، ولاستحالة وجود ضمانات حامية لحالة السلام الاجتماعي دون ذلك، مستشهدة بما جرى في الساحل والسويداء خلال الشهور الماضية.
أخيرا، تعتقد "قوات سوريا الديمقراطية" أن المسألة الكردية في سوريا يجب أن يكون لها أفق ومسار واضح للحل، وأن ما قدمته السلطة من إمكانية الإقرار بالحقوق الثقافية للأكراد السوريين ليس كافيا، وأن المسألة يجب أن تنسحب على مجموعة من الحقوق السياسية/القومية، فتسمية الدولة بـ"الجمهورية العربية السورية"، واستبعاد القوى السياسية الكردية من أحداث مثل الحوار الوطني والإعلان الدستوري والحكومة المؤقتة، يؤكد شكوكها بإمكانية عودة هذه المسألة إلى المربع الذي كانت تشغله في زمن النظام السابق، وتاليا لا بد من حلول واضحة لها مسبقا.