الرئيسة \  تقارير  \  100 يوم على انطلاقة الحكومة السورية .. بين واقع المواطن وتحديات الدولة

100 يوم على انطلاقة الحكومة السورية .. بين واقع المواطن وتحديات الدولة

09.07.2025
د. عبد المنعم حلبي



100 يوم على انطلاقة الحكومة السورية .. بين واقع المواطن وتحديات الدولة
د. عبد المنعم حلبي
العربي الجديد
الثلاثاء 8/7/2025
قد يبدو احتساب ومراجعة مئة يوم عمل للحكومة السورية الجديدة نوعًا من الرفاهية في التفكير، لكن حساسية الواقع السوري السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والمخاوف الناشئة حول مآلات أهم الملفات والقضايا الوطنية الملحّة، قد تستلزم بالفعل حاجةً لمراجعة موضوعية ومتزنة لما تحقق حتى الآن، لمسارٍ يُفترض أن يقود البلاد نحو مرحلة استقرار سياسي، واقتصادي، واجتماعي، يسودها واقع خدميّ جاذب في تحسنه التدريجي لعودة النازحين واللاجئين إلى مواطنهم، يتزامن فيه ترسيخ السلم الأهلي مع تحقيق تقدم ملموس في إطار العدالة الانتقالية، في ظل فكر مؤسساتي عصري يبني سلطات الدولة؛ الدولة التي يجب ألا تهدأ في استعادة سيادتها على كامل أراضيها ومواردها، دولةٍ قادرة على فرض قوة القانون.
في الواقع، لقد حظيت الحكومة منذ انطلاقتها بدعم سياسي ودبلوماسي إقليمي ودولي، وجرى، ويجري، وسيجري تقديم مساعدات متنوعة على أكثر من مستوى، من بينها الدعم المالي، والتقني، والخدمي، والإغاثي. وفي إطار التأسيس لموضوعية التقييم، فإنه ينبغي التمييز بين ما قُدم لسوريا عبر الحكومة الانتقالية كدعم خارجي، وبين ما أُنجز فعليًا من قبل مؤسسات هذه الحكومة ووزاراتها.
إن التحدي الاقتصادي يبقى ثقيلًا أيضًا، حيث يواجه البلد واقعًا مركبًا من فوضى الاستيراد، وضعف الإنتاج المحلي، وتعدد العملات، وتضارب أدوات السياسة النقدية في مناطق النفوذ المختلفة.
بمعنى: محاولة استكشاف القيمة المضافة لجهود هذه الحكومة عبر وزاراتها وإداراتها ومؤسساتها لصالح المواطن، بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
كما أن المعيار الأساس للنجاح في هذه المرحلة يجب أن يكون مدى قدرة الحكومة على تحويل أشكال الدعم الخارجي، والتطور في موارد الدولة، وفعالية مؤسساتها، إلى واقع ملموس في حياة المواطن السوري اليومية. وهذا ليس مطلبًا شعبيًا فحسب، بل هو مطلب إقليمي ودولي أيضًا، ليكون الركيزة التي تحوّل سوريا بالفعل إلى بلاد آمنة ومستقرة، محفّزة لمواطنيها الذين بقوا فيها خلال سنوات الحرب، وجاذبة للملايين الذين خرجوا منها، وهم في أغلبيتهم من مدن ومناطق أشبعها النظام خرابًا وتدميرًا، ولم تنل من النظام السابق، وربما من السلطة الحالية أيضًا حتى الآن، أيّ اهتمام ذي قيمة.
فعلى مستوى أولوية الأمن والاستقرار، فإننا نجد استمرارًا للعنف والقتل خارج إطار القانون، وعلى الرغم من اعتقال مزيد من رموز وقيادات النظام الهارب، لم نجد تفعيلًا لمحاكم العدالة.
وفي الواقع، فإن الضربة التاريخية التي تلقتها سوريا بتفجير كنيسة مار إلياس جنوبي دمشق، لم تهزّ مقاربة "الأمن المجتمعي"، والتي ما زالت راسخة لدى مختلف الشرائح الشعبية والاجتماعية في البلاد، لكنها أشارت إلى ثغرة أمنية خطيرة. كما أن نتائج إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية وربطها بعامل الثقة مع المواطنين ما زالت تحت الاختبار، حيث يُتوقع أن تُسهم الهيكلة الجديدة، مع إعادة استقطاب كثير من الضباط المنشقين عن النظام السابق، في ضبط النزاعات والانفلات المسلح، وزيادة القدرات التنفيذية.
كما يُنتظر استمرار النجاحات التي تحققها الحكومة في ملف مكافحة المخدرات ومواجهة الإرث الثقيل عن المرحلة السابقة، بالتعاون مع الأردن والعراق ولبنان، إلا أن استمرار النجاح في هذه المعركة يتطلب معالجة جذور الفقر والبطالة، بوصفها البيئة الحاضنة لهذا النشاط غير المشروع.
وإذا كنا نعرف أن الحكومة ورثت بنية تحتية مدمّرة، وقطاعًا خدميًا شبه منهار، فإنه يمكن بسهولة رصد تحسن نسبي في خدمات الكهرباء والمياه والتعليم، لا سيما في مناطق الشمال والوسط، بدعم خارجي بارز، إضافة إلى جهود حكومية وشراكات محلية. لكن الفجوة الواسعة في مستوى الخدمات بين المناطق تُظهر خللًا في العدالة الإدارية والاجتماعية، والتي يمكن إسقاطها سياسيًا أيضًا، وتضع تحدّيًا أمام بناء نموذج متماسك للحكم المحلي والوطني. فبعد مئة يوم من عمر الحكومة الانتقالية، يُلاحظ وجود معاناة شديدة للأهالي العائدين إلى المناطق التي وقفت مع الثورة، ودفعت أثمانًا غالية في مواجهة النظام، والتي يُشار إلى وجود إهمال خدميّ واضح لها في الكهرباء والماء والتعليم.
وفي الواقع، فإن التحدي الاقتصادي يبقى ثقيلًا أيضًا، حيث يواجه البلد واقعًا مركبًا من فوضى الاستيراد، وضعف الإنتاج المحلي، وتعدد العملات، وتضارب أدوات السياسة النقدية في مناطق النفوذ المختلفة، ما أدى إلى استمرار انفلات الأسعار، وبالتالي تآكل القوة الشرائية لليرة السورية بالقياس مع سلة استهلاك الأسرة، وذلك على الرغم من ارتفاع الليرة الاسمي في سوق الصرف بمقدار الثلث. ومع محاولات الحكومة فرض رقابة على الاستيراد ومنع بعض العمليات الفوضوية مثل استيراد السيارات، فإن هذه الإجراءات لم تخلُ من آثار سلبية، خصوصًا على المستهلكين وفرص العمل، ليبرز هنا غياب الحوار الاقتصادي مع جميع أصحاب المصلحة كعنصر ضعف يجب تجاوزه، لصالح سياسات أكثر شفافية ومشاركة وتوازنًا، لتتكامل مع الجهود الطيبة المبذولة مؤخرًا في محاربة السلع المنتهية الصلاحية، أو مساعي تحديد أسعار بعض السلع الأساسية.
وقد شاءت الإدارة السورية الجديدة، دون غيرها، أن تعمل السلطة التنفيذية عبر الحكومة الانتقالية قبل السلطة التشريعية المؤقتة. وفي الوقت الذي يتحدث فيه البعض عن فرض الإدارة السورية الجديدة لنوع من السيطرة على السلطة القضائية بمؤسساتها المختلفة، يُجرى الآن تشكيل مجلس شعب انتقالي "مؤقت" عبر آلية مختلطة من التوافقات المحلية والانتخابات النسبية في المدن والمناطق المستقرة، بإشراف لجنة تضم أشخاصاً من الائتلاف السوري المعارض السابق.
ولا نعرف، في الواقع، فيما إذا كانت الحكومة الانتقالية ستعمل مئة يوم أخرى من دون سلطة تشريعية ورقابة برلمانية، وهو ما سيُضعف الإطار المؤسساتي لأي عملية إصلاحية. كما لا نعرف ما يمكن أن تتمخض عنه هذه التجربة من أعضاء، حيث يُخشى ألا يتجاوزوا حدود صور ونماذج مؤتمر الحوار الوطني، بعيدًا عن المعارضين من أصحاب السبق والكفاءات الوطنية الحقيقية، والشخصيات المثقفة المشهود لها بالخبرة والقدرة على التعاطي مع الشأن العام، وتمثيل مصالح السوريين في الداخل والشتات. إضافةً إلى وجود تكهّنات أصيلة حول صلاحيات المجلس التشريعية والرقابية، والتي تبدو محدودة وفق الإعلان الدستوري.
التجديد الحقيقي هو ذلك الذي يقترن بخطوات متكاملة مع تحسين البنية التحتية، وخدمات النقل، والطاقة، والتعليم، وبناء مؤسسات دولة عصرية تضمن شمولية التحول وتوازنه
وعلى مستوى السيادة الوطنية، وفيما يخص مناطق الإدارة الذاتية، ما زالت العلاقة بين الحكومة الانتقالية وملف الثروات الطبيعية، مثل النفط والغاز، غير مكتملة. صحيح أن هناك جهودًا ملحوظة لتقديم الخدمات التعليمية والصحية في هذه المناطق، لكن غياب آلية واضحة لإدارة الموارد الوطنية قد يهدد التوازن الوطني في المرحلة المقبلة. أما في السويداء، فلم يتم حتى الآن طرح وتطبيق خطة وعملية دمج كاملة ضمن المشروع الوطني الانتقالي، الذي يتطلب رؤية أكثر شمولًا، تتجاوز البعد الأمني والإداري، لتشمل التنمية والتمثيل السياسي، للسويداء وغيرها من المحافظات والمناطق المهمشة، والتي باتت تُسمّى، من منظور بعضهم، بالطرفية.
ولعل القدر، أو فعل الفاعلين، الذي جعل حرائق الغابات في الساحل تشبّ بصورة غير مسبوقة، بالتزامن مع إطلاق الهوية البصرية للدولة، وامتدادها مع الرياح لدرجة دفعت إلى طلب المساعدة الخارجية، يختصر جزءًا من المشهد السوري المعقد. فرفرفة جناحي العقاب الرمزية أعطت انطباعًا إيجابيًا عن التجديد، ولكن التجديد الحقيقي هو ذلك الذي يقترن بخطوات متكاملة مع تحسين البنية التحتية، وخدمات النقل، والطاقة، والتعليم، وبناء مؤسسات دولة عصرية تضمن شمولية التحول وتوازنه، وبما يعزّز القدرة على معالجة استباقية لأيّ مخاطر، دون الحاجة للخارج.