الصين والاستثمار في الخراب السوري
27.09.2023
د. أحمد موفق زيدان
الصين والاستثمار في الخراب السوري
د. أحمد موفق زيدان
الشرق القطرية
الثلاثاء 26/9/2023
تُعد زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الصين هي الثالثة له لدولة غير عربية منذ اندلاع الثورة السورية في مارس/ آذار 2011، بعد زياراته المتكررة إلى حلفائه الروس والإيرانيين، لكن هذه الزيارة وعلى الرغم من الطابع الرياضي الذي حملته نظراً لمشاركة وفد رياضي سوري في ألعاب دولية بالصين، إلا أنها حملت دلالات سياسية في ظل القضم الجغرافي للثورة السورية للمناطق التي يحكمها نظام الأسد، والتي كان آخرها خروج مناطق السويداء عن سيطرته، وتجرؤ الدروز في المنطقة على الهتاف ضد الأسد ونظامه، ومطالبتهم بإسقاطه ومحاكمته، مما جعل المراقبين يتوقفون كثيراً عند الزيارة التي بالغ الصينييون في وصفها بالزيارة الاستراتيجية، بينما الكل يعلم أنها أبعد ما تكون عن الزيارات الاستراتيجيات والعلاقات البعيدة المدى كما سوّق المسؤولون الصينيون، وهم الذين يعرفون ويعرف غيرهم تماماً أن الاستثمار اليوم في مناطق الأسد هو استثمار في الخراب والدمار، المادي والمعنوي، فلم يبق للأسد أحد يعول عليه، حتى تقيم معه دولة كبرى كالصين علاقات وصفتها بالاستراتيجية.
لقد سبق للفن الصيني أن استثمر واقعاً وفعلاً في الخراب السوري يوم قام الممثل الصيني جاك شيان بتصوير فيلم صيني بالخراب والدمار حول دمشق، والذي شاركت الصين في صنعه، يوم دعمت نظام الأسد ومن خلفه روسيا وإيران بتسع مرات في حق النقض بمجلس الأمن الدولي، ولكن على ما يبدو أن الصين ترى في التورط الروسي في أوكرانيا فرصة ذهبية لها من أجل ملء الفراغ الذي أحدثه انشغالها في أوكرانيا عن سوريا، ولذا سارعت إلى دعوة نظام الأسد إلى الصين من أجل الترتيب لمرحلة جديدة، ولكن يبدو أن الاستثمار اليوم ليس في الخراب الأسدي بقدر ما هو استثمار في الأوقات الضائعة بعد التمرد الدرزي الممثل في السويداء على نظام الأسد، بالإضافة إلى محدودية الخيارات الصينية الذي بدت من خلال تشبثها بنظام فاقد للشرعية الداخلية والخارجية، مما عكس مدى الإفلاس الصيني في الساحة الدولية.
ترافقت زيارة الأسد مع دراسة لمعهد الحرب الأمريكي والذي خلص فيه إلى أن إيران تسعى لملء الفراغ الذي أحدثه سحب قوات فاغنر من البادية السورية، وتسربت وثيقة إيرانية تشير إلى أن إيران بالتنسيق مع الصين تعملان على تطوير صناعتها على الأراضي الإيرانية والسورية، وتتحدث بعض الأوساط الروسية المعارضة بأن قوات فاغنر المنسحبة من البادية السورية فضلت نقل ممتلكاتها وقواتها إلى إيران بدلاً من روسيا، وذلك بعد مقتل زعيمها يفجيني بريغوجين في حادث تحطم الطائرة المثير للجدل، وبدا من خلال انسحاب قوات فاغنر أن النظام عاجز عن الحلول محلها، بعد مفاوضات أجرتها فاغنر مع فيلق القدس الإيراني من أجل إخلاء مواقعها لصالح قوات الحرس الثوري الإيراني.
الانشغال الروسي والإيراني، والحالة الاقتصادية الصعبة لكليهما، دفعت الصين إلى القفز إلى سوريا، ودفعت نظام الأسد إلى اللجوء للصين وذلك من أجل ملء الفراغ بالتنسيق مع إيران، ولكن يبدو أن ذلك سيكون على حساب الأسد وحكومته.
الواضح أن الساحة السورية ستظل محلاً للصراع الدولي، في ظل تراجع الدور العربي والإسلامي، ومراهنته على نظام الأسد الذي لم يعد أبداً جزءاً من الحل وإنما غدا المشكلة كلها، لاسيما ونحن نرى غياب نفوذه ودوره في ظل تنامي دور القوى الدولية في سوريا على حسابه وحساب مليشياته ودولته.