هناك ما يبعث على القلق في سورية
14.04.2025
سلام الكواكبي
هناك ما يبعث على القلق في سورية
سلام الكواكبي
العربي الجديد
الاحد 13/4/2025
أصدرت لجان التنسيق المحلّية، في ربيع 2013، بياناً هاماً، وهي التي كانت تنشط في بدايات الثورة السورية وشكّلت عمادها السلمي، قبل أن تتحوّل الثورة مقتلةً، تقتل روح الثورة وبعض أكثر رموزها أهميةً، أو تسهم في ترحيلهم أو تهميشهم، فقد كتبتْ نصّاً من الحريّ بنا أن نعيد قراءته اليوم وبتمعّن، في مرحلة يعتقد كلّنا (أو بعضنا) بأنها محطّة مفصلية في تاريخ التغيير السياسي والفكري في سورية. في هذا النصّ، ترفض لجان التنسيق المحلّية في سورية جملةً وتفصيلاً دعوة زعيم تنظيم القاعدة حينذاك، أيمن الظواهري إلى إقامة دولة إسلامية في سورية. من خلال العودة إلى هذا النصّ يتبين للقارئ أن مستوى الوعي الوطني والإحساس الإنساني كانا مرتفعَين لدى من فكّر فيه ومن صاغه. ولقد اعتبر النصّ أن ما قاله الظواهري ما هو إلا تدخّل سافر وغير مقبول في الشؤون الداخلية السورية، وأن المواطنينن السوريين هم وحدهم من يقرّرون مستقبل بلدهم. يؤكد البيان اطلاع من كتبه على ظروف المنطقة المحيطة في سورية، ورهانات القوى الإقليمية وحسابات القوى الدولية، وظهر الخطاب الواعي والبسيط لهذه اللجان بجلاء وبكلمات مختصرة.
وفي سياق ذلك البيان، ذكّرت لجان التنسيق المحلّية بأن الثورة السورية انطلقت من أجل تحقيق مبادئ الحرية والعدالة والدولة المدنية الديمقراطية التعدّدية، وهي مبادئ حلم بها (وبتحقيقها) الشباب السوري الثائر حينذاك، ومن لفّ لفّه من المقتنعين بضرورة التغيير الجذري في حياتهم، وحياة أولادهم بعد عدّة عقود، وعدم الخضوع للاستبداد السياسي، وأدواته الأمنية. تلك المبادئ التي رفض النظام البائد مجرّد الإصغاء إليها، وكذلك استهان بها قادة البلاد العربية (بالأحرى هم خافوا من عدواها). وأخيراً، فقد اعتبرها قادة "العالم الحرّ" تفصيلاً وترفاً لا تستحقّه الشعوب العربية التي كانت تُعتبر جزءاً من مستعمراته حتى تاريخ قريب. ومن ثم، على الرغم من أن الثورة السورية كانت قد أتت في سياق "الربيع العربي"، لكنها، وكما يقول الأستاذ الجامعي اللبناني زياد ماجد، تبقى ثورةً يتيمة.
متى سمعنا كلمة الديمقراطية على لسان المتحدّثين باسم السلطة الجديدة آخر مرّة؟
لقد أشار البيان إلى أن حلم السوريين المنشود بعد التخلّص من نظام الأسد (وصفوه بالفاشي) هو إقامة نظام قائم على احترام الحرّيات العامّة لجميع مواطني الدولة السورية، كما أنهم يسعون إلى تحقيق المساواة في الحقوق، وفي الواجبات بين جميع السوريين، ويعملون على تحقيق المساواة في إمكانية الوصول إلى مفاتيح العمل السياسي. ولقد أوضح البيان أن سورية المستقبل، المنشودة، يجب أن تكون دولةً مدنيةً يملكها السوريون شعباً واحداً. ومن ثم، يجب أن يكون أفراده متساوين في الحقوق والواجبات وفق مبدأ المواطنة، لا ينال أحد منهم امتيازاً، أو يُنتقص من حقوقه بسبب أصله الديني أو المذهبي أو الإثني. ويختم البيان بالتأكيد أن سورية هي دولة لكلّ مواطنيها.
اليوم وبعد أن تخلّصت سورية من همّها الأسدي (أو هي خُلّصت منه)، من الضروري إعادة قراءة هذا البيان في ضوء معطيات الزمن الحاضر، آخذين العبرة من الزمن الماضي. كما من الضروري التوقّف عند صياغات مستجدّة لتعبيرات سياسية إقصائية تفرض هيمنتها في ساحة النقاش القائم في سورية ما بعد الأسدَين (الأب والابن). ومن هذه التعبيرات تكرار القول إن "من يُحرّر يُقرّر"، كما لو أنها لعبة بين يافعين يتقدّم فيها على أقرانه من يحصل على أكبر عدد من النقاط. ومن ثم، يحقّ له ما لا يحقّ لغيره. وإن صحّت هذه القاعدة في ألعاب اليافعين، فمن المُستغرَب (بل من المرفوض) أن تطبّق هذه القاعدة بحقّ ملايين الناس الذين ينتمون إلى حيّز جغرافي محدد اسمه وطن.
من الضروري اليوم في سورية التوقّف عند صياغات مستجدّة لتعبيرات سياسية إقصائية تفرض هيمنتها في ساحة النقاش القائم
من المؤكّد أن من ينتصر في معركة التحرير، عسكرياً أو سياسياً، يمكن له أن يتقدّم المشهد في حالة قيام دولة تشاركية تنظّم فيها انتخابات ديمقراطية. ومن ثم، سيكون له في أغلب الأحوال حصّة الأسد (إن جاز التعبير) في نتائجها. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو متى سمعنا كلمة الديمقراطية على لسان المتحدّثين باسم السلطة الجديدة آخر مرّة؟ وهل وردت عبارة التعدّدية، في بعض سرديات المسؤولين الجُدد مؤشّراً على إيمان عميق بالتطبيق العملي للتعدّدية؟ وفي الإشارات المتعدّدة إلى مفهوم المواطنة، التي نتابعها في خطابات المسؤولين الجدد، هناك تساؤل مشروع عن تعريف المعنيّين لهذا المفهوم.
إن ما حصل من مذابح موصوفة في مناطق الساحل والجبال الساحلية السورية، خلال الشهر الماضي (مارس/ آذار)، لهو مؤشّر يبعث على القلق، يتعلّق بفهم القائمين على سورية الجديدة لمفهومي المواطنة والعدالة. كما أن حلّ الأحزاب السياسية وتعيين النقابات وتشكيل هيئة مركزية مقرّبة من رأس السلطة لإدارة الشؤون السياسية ينتقص من مفهوم التعدّدية.
في يوم إصدار البيان، كتب شباب كفرنبل المشهورين بلافتاتهم التعبيرية: "ثورتنا هي ليست ضدّ نظام حكم فحسب، ثورتنا هي ضدّ اغتصاب العقول والاستبداد الفكري بكلّ أشكاله".