الرئيسة \  تقارير  \  هل ستشهد المرحلة القادمة تصعيداً بين أنقرة والنظام السوري؟

هل ستشهد المرحلة القادمة تصعيداً بين أنقرة والنظام السوري؟

27.11.2024
حسن النيفي



هل ستشهد المرحلة القادمة تصعيداً بين أنقرة والنظام السوري؟
حسن النيفي
سوريا تي في
الثلاثاء 26/11/2024
لقد اتّسم الخطاب الرسمي التركي حيال نظام الأسد منذ شهر آب 2022 بمزيد من اللين والدفء، بل ربما وصل إلى درجة الاستجداء – وفقاً للبعض – وذلك بخصوص تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. إلّا أن نظام الأسد لم يكن يبدي خطاباً مماثلاً، بل غالباً ما أبدى مزيداً من التعنّت والاستعلاء.
ويبدو أن مجمل الضغوط الروسية السابقة على الأسد كانت تواجهها ضغوط في الاتجاه المعاكس من جهة إيران، ما أفضى إلى حالة من المراوحة في المكان.
وربما ما عزّز تلك المراوحة هي الشروط التي أعلن عنها الأسد كإجراء سابق لأي خطوة تطبيعية بين الطرفين، ونعني بذلك انسحاب القوات التركية من جميع الأراضي السورية.
اليوم، يبدو أن سخونة الدفء ربما وصلت إلى درجة الاشتعال، فتحوّلت مضامين الخطاب التركي إلى ما يشبه الشرر الذي بدأ يتطاير باتجاه نظام دمشق. ولعل هذا ما تفصح عنه التصريحات المباغتة لوزير الخارجية التركي (حاقان فيدان) يوم الثالث والعشرين من الشهر الجاري، مشيراً إلى جملة من الأمور، ربما جسّدت مفصلاً هاماً في أجندة أنقرة حيال الأسد.
تركيا تدرك أن رفض الأسد وعدم تفاعله مع المبادرة التركية إنما هو بدفع من إيران أولاً، وكذلك يمكن أن يكون أيضاً بفعل عدم جدّية موسكو في دفع الأسد بقوة إلى مسار التطبيع مع أنقرة.
ثلاث رسائل في خطاب الخارجية التركية
تتجلّى الرسالة الأولى فيما ورد من تصريحات الوزير التركي بأن "الأسد لا يريد السلام"، وهذه العبارة تضمر اتهاماً واضحاً لرأس النظام في سوريا بمناهضته لأي مسعى سياسي يهدف إلى إنهاء مأساة الشعب السوري. ما يعني – ضمناً – وصول الأتراك إلى قناعة تامّة بعدم جدوى انتظار الأسد للاستجابة للمبادرة التركية، بل ربما باتت أنقرة أكثر قناعةً بأن بشار الأسد لا يمكنه السير خارج المضمار الإيراني. وربما بات هذا الأمر أكثر جلاءً بعد الرسائل التي أبلغتها طهران للأسد عبر مستشار خامنئي (علي لاريجاني) في الرابع عشر من الشهر الجاري، ووزير الدفاع (عزيز نصير زاده) في السادس عشر من الشهر ذاته، ولم يتأخر الأسد بالرد على تلك الرسائل عبر وزير خارجيته خلال زيارته منذ أيام قليلة إلى طهران.
وربما بدت الرسالة الثانية أكثر حساسية – بالنسبة إلى الأسد – من سابقتها، وأعني ما يمكن استخلاصه من نفي الوزير التركي لأي إمكانية في انسحاب تركي من الأراضي السورية دون إيجاد دستور جديد للبلاد، ثم الذهاب إلى انتخابات حرة بإشراف أممي. ولعل كلام الخارجية التركية ينطوي على مسألتين: تتبدّى الأولى في إصرار أنقرة على تطبيق القرار (2254)، وتتبدّى الثانية في استمرار الدعم والتنسيق القائم بين تركيا والمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري. وربما كان هذا تلويحاً غير مباشر للأسد بأن أنقرة ما تزال تمسك بورقة ضاغطة على الأسد، وتتمثل بالفصائل العسكرية الموجودة في الشمال السوري (الجيش الوطني).
ويمكن أن تنطوي ثالثة هذه الرسائل على إيحاء تركي مزدوج تجاه إيران وروسيا بآنٍ معاً، بأن تركيا تدرك أن رفض الأسد وعدم تفاعله مع المبادرة التركية إنما هو بدفع من إيران أولاً، وكذلك يمكن أن يكون أيضاً بفعل عدم جدّية موسكو في دفع الأسد بقوة إلى مسار التطبيع مع أنقرة.
ولعل هذا ما عناه الوزير التركي بالقول: "ليس من أولويات روسيا المصالحة بين دمشق وأنقرة". وربما حملت الإشارة إلى دور روسيا وإيران في كبح نظام الأسد عن بوابة أنقرة تلميحاً تركياً غير مباشر إلى أن مسار أستانا، الذي تأسس برعاية ثلاثية - روسية تركية إيرانية – لن يتاح له الاستمرار أو تحقيق أي تقدّم إذا تجاهل الروس والإيرانيون مصالح تركيا.
يبدو أن هذه التطلعات التركية قد أثارت حفيظة موسكو، التي ترى أنها صاحبة الأحقية في الجغرافيا السورية بحكم وصايتها على الأسد طيلة السنوات السابقة.
إرهاصات التباعد الروسي التركي
على أية حال، لا يمكن عزل التحوّل الطارئ على الموقف التركي تجاه نظام الأسد عن حالة الفتور التي أخذت تتحوّل باتجاه التصعيد بين أنقرة وموسكو. فعلى الرغم من ترحيب روسيا وتركيا بفوز الرئيس دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية، إلّا أن كلّ طرف منهما يعوّل على جانب محدّد من سياسات ترامب المرتقبة. ففي الوقت الذي لم تخفِ فيه أنقرة تفاؤلها بتحوّل جديد في توجّه الإدارة الأميركية الجديدة حيال قسد، بل ربما ذهبت التطلعات التركية إلى رفع المظلة الأميركية عن حزب الاتحاد الديمقراطي من خلال خطوة عملية تتمثّل بانسحاب أميركي من سوريا طالما لوّح به الرئيس ترامب خلال ولايته الرئاسية السابقة. كما تتطلع إلى أن يتيح هذا الانسحاب المأمول المجال للقوات التركية بالتقدّم أكثر في عمق الأراضي السورية بغية تأمين منطقة عازلة بعرض 30 كم على حدودها الجنوبية.
بل ربما أدّى انزياح المظلة الأميركية عن قسد إلى تلاشي الحلم الكردي بإقامة كيان سياسي طالما اعتبرته تركيا مصدر خطر على أمنها القومي. ولعله من ضمن هذا السياق من التطلعات التركية انبثقت فكرة العرض الذي قدّمته أنقرة إلى واشنطن، والذي يتضمن تعهّداً تركياً بمحاربة تنظيم داعش فيما إذا سحبت واشنطن قواتها من سوريا، في خطوة ربما تهدف إلى أن تكون القوات التركية هي من سيملأ الفراغ الذي سيعقب الانسحاب الأميركي.
ولكن يبدو أن هذه التطلعات التركية قد أثارت حفيظة موسكو، التي ترى أنها صاحبة الأحقية في الجغرافيا السورية بحكم وصايتها على الأسد طيلة السنوات السابقة من جهة، وكذلك بحكم معارضتها لأي عملية عسكرية تركية أو أي تمدد عسكري يفضي إلى اتساع نفوذ تركيا في البلاد السورية من جهة أخرى. ولعل الترجمة العملية للنزق الروسي بدت واضحةً في تصريحات المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرينتييف، الذي وصف التواجد التركي في سوريا على أنه "قوات احتلال"، مؤكّداً رفض روسيا لأي عملية عسكرية تركية تستهدف قوات قسد، ومُستبعداً في الوقت ذاته أي تقارب بين أنقرة ودمشق بدون انسحاب تركي من الأراضي السورية.
لعل هذا التصعيد في المواقف السياسية بين شريكي أستانا وجد تداعياته الفعلية على الأرض، والتي جاءت متزامنة مع تصريحات وزير الخارجية التركي. ونعني بتلك التداعيات ما قام به نظام الأسد في يومي 23 – 24 من الشهر الجاري من تصعيد عسكري عنيف استهدف بالمدفعية وراجمات الصواريخ كلّاً من مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، علماً أنها تقع تحت النفوذ التركي، وكذلك استهدف بلدتي (بِنّش وكفر تعال) في ريف إدلب، وعدة بلدات وقرى في ريف حلب الغربي، ما أودى بحياة عدد من السكان المدنيين كما أُصيب العشرات من الجرحى.
هل يعني هذا التصعيد بداية استبعاد أي مسعى لتقارب تركي مع الأسد؟ ربما كان الأمر كذلك، على الأقل في المدى القريب، بانتظار ما ستبلوره المواقف الأميركية للرئيس الجديد من جهة، وما ستبلوره حرب إسرائيل على إيران وميليشياتها في سوريا من جهة أخرى.