الرئيسة \
تقارير \ محاولة فهم الموقف الروسي من تقدم المعارضة السورية
محاولة فهم الموقف الروسي من تقدم المعارضة السورية
08.12.2024
سامر إلياس
محاولة فهم الموقف الروسي من تقدم المعارضة السورية
سامر إلياس
العربي الجديد
السبت 7/12/2024
فيما تواصل فصائل المعارضة السورية تقدمها السريع في الشمال السوري باتجاه مدن الوسط، تأتي مواقف الكرملين والخارجية الروسية لتزيد من حجم التساؤلات حول التغيرات في حدود ومحددات الدور الروسي في سورية. وفيما خيّب تباطؤ روسيا في توجيه ضربات لوقف تقدم فصائل المعارضة السورية أمل أنصار النظام في الداخل والخارج من "الحليف الروسي"، تجاهلت بروباغاندا الكرملين تغطية الأحداث في سورية، وفتحت المجال أمام نقاشات واسعة على مستوى قنوات المراسلين العسكريين الروس الذين اجتهدوا بعرض فرضيات وتفسيرات وتوقعات متباينة.
كما برز اليوم ما نقلته وكالة بلومبيرغ، عن شخص مقرّب من الكرملين الذي أشار إلى أن "روسيا لا تملك خطة لإنقاذ (بشار) الأسد ولا ترى إمكانية لإيجاد واحدة، طالما استمر الجيش في التخلي عن مواقعه"، بالتزامن مع دعوة السفارة الروسية في دمشق الرعايا الروس إلى "مغادرة البلاد في رحلات تجارية من خلال المطارات العاملة"، محذّرة من "الوضع العسكري والسياسي الصعب" في سورية.
في اليوم الثاني من هجوم المعارضة السورية في 29 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الهجوم على حلب بأنه "تعدٍّ على السيادة السورية"، داعياً "السلطات السورية إلى استعادة النظام الدستوري بسرعة". والاثنين الماضي، قال بيسكوف "نواصل اتصالاتنا على المستويات المناسبة، وسنقوم بتحليل الوضع، وسيتم اتخاذ موقف بشأن ما هو مطلوب لتحقيق الاستقرار في الوضع". ورغم التطورات الميدانية الكبيرة والمتسارعة كشفت تصريحات بيسكوف الخميس الماضي، أن مواقف الكرملين لم تتغير بشكل جذري حتى بعد مكالمتي الرئيس فلاديمير بوتين مع نظيريه وشريكيه في مسار أستانة الرئيسين، التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني مسعود بزشكيان. وأشار بيسكوف إلى أن بلاده "تراقب بعناية شديدة ما يحدث في سورية، نحن في حوار مستمر مع أصدقائنا السوريين، ومع دمشق". ومع تأكيده على أن "روسيا قادرة على تقديم المساعدة العسكرية لدعم سورية إذا لزم الأمر"، أوضح بيسكوف أنه "سيكون من الممكن الحديث عن مدى المساعدة المطلوبة من روسيا للسلطات السورية لمحاربة المسلحين اعتماداً على تقييم الوضع في البلاد".
وقبيل وصوله إلى الدوحة، مساء أمس الخميس، قال وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في مقابلة مع الصحافي الأميركي تاكر كارلسون، إنه سيجتمع مع نظيريه التركي هاكان فيدان، والإيراني عباس عراقجي في الدوحة، وسيبحث معهما "ضرورة العودة إلى التنفيذ الصارم لاتفاقات إدلب، لأن منطقة خفض التصعيد بإدلب هي المكان الذي انتقل منه الإرهابيون للاستيلاء على حلب". ورأى لافروف أن ما يحدث في سورية الآن "لعبة معقدة"، مكرراً نقل ما يشاع عن تدخلات أميركية وبريطانية وإسرائيلية. وقال: "تشير المعلومات الموجودة في المجال العام، على وجه الخصوص إلى الأميركيين والبريطانيين وغيرهم. ويقول البعض إن لإسرائيل مصلحة في جعل الوضع أسوأ حتى لا يقع قطاع غزة تحت مثل هذه الاهتمام الدقيق، هذه لعبة صعبة وهناك العديد من الجهات الفاعلة المعنية، وآمل أن تساعد الاجتماعات على استقرار الوضع".
اجتماع أستانة
وأعرب الوزير الروسي عن أمله في أن "تساعد الاجتماعات (ضمن صيغة أستانة)"، المقررة غداً السبت في الدوحة القطرية. واعتبر لافروف أن "صيغة أستانة تعد رابطة مفيدة للمشاركين"، مشدداً على أن "الأساس هو مساعدة السوريين على التصالح فيما بينهم ومنع تصاعد التهديدات الانفصالية". وذهبت تصريحات عدد من المسؤولين الروس إلى تحميل تدخل وتحريض الغرب مسؤولية تدهور الأوضاع، والربط بين ما يجري في سورية والحرب في أوكرانيا لكن من دون أي نية على تدخل جدي حتى الآن على عكس ما كان الوضع عليه في 2015.
وكانت روسيا قد بررت تدخلها العسكري في سورية بدءاً من 30 سبتمبر/أيلول 2015، بأنه "ضروري لمحاربة الإرهابيين، ومنع انهيار الدولة السورية". ولاحقاً انتهزت دعوة رئيس النظام بشار الأسد للمساعدة من أجل تثبيت وجود عسكري طويل الأمد في سورية، عبر اتفاقات عسكرية مكنتها من توسيع قاعدتي حميميم وطرطوس، ما يؤهلهما لتأدية دور أكبر بكثير من مجرد الإشراف على المصالحات وإدارة الأوضاع في سورية، ويحولهما إلى نقطة ارتكاز لتحقيق مصالح روسيا في منطقة الشرق الاوسط وأفريقيا. واستطاعت روسيا باستخدام فائض القوة الكبير من فرض معادلات على الأرض لصالح النظام وداعميه.
وبعد إجبار المعارضة على مغادرة شرقي حلب في نهاية 2016، وعلى أنقاض مدينة حلب شرعت روسيا في شق مسار أستانة مع تركيا وإيران في مطلع 2017 الذي أقر مناطق خفض التصعيد الأربع في إدلب، التي تبين لاحقاً أنها كانت مرحلة انتقالية على طريق سيطرة النظام على كامل الجغرافيا السورية. وتمكنت روسيا عبر التعاون مع القوى الإقليمية من تعطيل مسار الحلول الدولية المعتمدة على بيان جنيف والقرار 2254، واشتقّت مساراً سياسياً اختصر في النهاية الأزمة في سورية بصوغ دستور جديد للبلاد، من دون أي تقدم.
وطرح البرود الروسي في بداية هجوم المعارضة السورية في الأيام الأخيرة تساؤلات حول وجود تفاهمات مع تركيا لتحريك المسار السياسي وإجبار الأسد على التجاوب مع مبادرات التطبيع مع تركيا، التي أطلقتها روسيا عبر لقاءات على مستوى وزراء الدفاع والخارجية بين البلدين. ومع تقدم الهجوم والسيطرة على حلب من دون أن تحرك روسي قوي، ازدادت التكهنات بوجود تفاهمات أوسع بين الطرفين لإخراج إيران من سورية، ضمن تفاهمات إقليمية ودولية تنطلق من أن الوقت بات مناسباً لانكفاء الدور الإيراني في سورية والمنطقة عموماً، بعد الضربة الكبيرة لحزب الله، وإضعاف بنية الوجود الإيراني في سورية تحت الضربات الإسرائيلية المتواصلة منذ سنوات وزيادة وتيرتها منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ويصب خروج إيران في مصلحة روسيا، فالنظام السوري استغل التنافس السياسي والاقتصادي بين موسكو وطهران للتهرب من تقديم أي تنازلات سياسية، أو إصلاحات اقتصادية. ومنذ عام 2020 تعرض نظام الأسد لحملة انتقادات قوية من قبل محللين وخبراء مقربين من الكرملين. وزاد الامتعاض الروسي الإبطاء في تنفيذ الاتفاقيات الثنائية ومنح إيران امتيازات على حساب روسيا. وفي حال النجاح في إبعاد إيران لا يبقى للأسد أي مجال للمناورة، وسيكون مجبراً على الانصياع أكثر لروسيا، خصوصاً أنه فشل في استغلال الانفتاح العربي عليه، وظل على علاقة وطيدة مع إيران، وصعّد من عمليات تهريب الكبتاغون للدول العربية. وبدا أن خيار الأسد النأي عن تدمير غزة وتدمير مقدرات حزب الله في لبنان لم يساعده في كسب ودّ الولايات المتحدة من بوابة إسرائيل.
مؤشرات صفقة روسية ـ تركية
وبعد قرابة عشرة أيام على هجوم المعارضة السورية المباغت والسريع، لم يعد من الممكن تجاهل احتمال وجود صفقة معينة بين الروس والأتراك. ورغم اتهامات المعارضة السورية المتواصلة منذ سنوات للطيران الروسي بشن غارات لدعم النظام، وتمكينه من تصفية مناطق وجودها، لم تتعرض القواعد العسكرية الروسية ونقاط التفتيش والارتكاز الروسية لأي هجوم من المسلحين الذين يملكون طائرات مسيرة وصواريخ قادرة على ضرب قاعدة حميميم. وفي المقابل فإن الدعم الروسي لقوات النظام ما زال محدوداً جداً مقارنة بما قدمه في عامي 2016 و2017.
ويمكن تفسير تراجع الدعم إلى انشغال روسيا في حربها على أوكرانيا، وكذلك عدم وجود خطوط إمداد سريعة بعد إغلاق تركيا عبور السفن الروسية من البحر الأسود منذ ربيع 2022. وبلغ عدد الجنود الروس بسورية في منتصف العام الحالي حسب تقديرات تنطلق من حساب عدد المصوتين في الانتخابات قرابة 7500 عسكري، يتولى جزء منهم حماية وتشغيل قاعدتي طرطوس وحميميم، ومن بينهم قوات الشرطة العسكرية الروسية، وبقايا مرتزقة فاغنر ممن قرروا البقاء في سورية، ضمن مهمات لحماية حقول النفط والغاز وأعمال قتالية محدودة، ووقعوا عقوداً مع وزارة الدفاع بعد مقتل مؤسس المجموعة يفغيني بريغوجين في أغسطس/آب 2023 بحادث تحطم طائرته. لكن التقدم الروسي الكبير في أوكرانيا في الأشهر الأخيرة يسمح لموسكو بهامش إرسال جزء من القوات من دون التأثير على سير العمليات بشكل كبير في حال وجود إرادة لحماية الأسد.
ويجب عدم إهمال أنه رغم تراجع عدد الطائرات، فإن الموجود في قاعدة حميميم ويقدر بأقل من عشرة كان كفيلاً بأقل تقدير في إبطاء تقدم فصائل المعارضة السورية المسلحة. وفيما تتجمع مؤشرات إلى احتمال وجود تفاهمات مع تركيا، وربما أوسع بكثير حول هذه العملية، فالأرجح أن لروسيا خطوطاً حمراء لا يمكن تجاوزها، أهمها عدم المساس بالوجود العسكري الروسي وتعريض سلامة مقاتليها ومواطنيها لأي خطر أو التعرض لمصالحها. وحتى الآن التزمت المعارضة السورية المسلحة بعدم التعرض للمكونات الإثنية والطائفية بالأذى، بل أرسلت تطمينات إلى مختلف المستويات، وأنجزت صفقات حالت دون مواجهة عسكرية مباشرة مع هذه المكونات، إلا أن أي أعمال للانتقام من المجازر السابقة التي ارتكبها النظام وشبيحته منذ انطلاق الثورة في مارس/آذار 2011 قد تغير موقف روسيا جذرياً.
التزام روسي بأمن إسرائيل
ورغم إشارات محللين وخبراء مقربين من الكرملين إلى دور إسرائيلي في أحداث سورية، فإن روسيا ملتزمة بأمن إسرائيل بالكامل، وتعد أي خروقات على جبهة الجولان خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه. ومنذ انطلاق الهجوم تحدث مؤيدو النظام عن وعود روسيا بإرسال شحنات دعم في غضون 72 ساعة، لكنها لم تصل ولا يوجد تأكيدات أو بيانات روسية حول هذا الدعم. وجرى الحديث عن أن حماة خط أحمر جغرافياً يدفع روسيا للتدخل بقوة، والآن الحديث يدور حول حمص بوصفها بوابة التوجه نحو منطقتين استراتيجيتين هما الساحل السوري، الخزان البشري للنظام ومسقط رأس معظم القيادات العسكرية والأمنية التي ارتكبت فظائع بحق السوريين، إضافة إلى منطقة القصير المتصلة بالهرمل اللبنانية، حيث توجد قاعدة شعبية كبيرة لحزب الله الذي عمل من الأيام الأولى على دعم النظام، وسيطر على القصير والقلمون. من المؤكد أن روسيا تنطلق من ضرورة عدم انهيار النظام، وهو ما تتوافق فيه مع القوى الإقليمية والدولية، ولكنها قد تكون الطرف الوحيد القادر على إقناع الأسد أو إجباره على التخلي عن الحكم لمنع انهيار الدولة السورية، لكن التساؤل يبقى حول ذهابها نحو تنفيذ عملي لتصريحاتها الكثيرة بأنها ليست متمسكة بالأسد وما هو المقابل لذلك؟