ما بين الشروط والضمانات في بناء سورية الجديدة
03.02.2025
محمد أبو رمان
ما بين الشروط والضمانات في بناء سورية الجديدة
محمد أبو رمان
العربي الجديد
الاحد 2/2/2025
يجادل المتفائلون بمستقبل سورية بأنّ الخطوات التي قام بها الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع ضرورية في ضوء الواقع المعقد الراهن، سواء على صعيد تحدّي تعدّدية الفصائل المسلّحة والطوائف من جهة، أو الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الراهن الذي يتسم بمرحلة "ما قبل الدولة"، وانهيار المؤسّسات الأمنية والعسكرية، وأوّلية مسألة الاستقرار السياسي والوحدة والأمن والخدمات الأساسية، بما يجعل من الضروري بمكان اليوم الالتفات إلى الشروط الأساسية التي لا يمكن أن تتحقق أي عملية انتقال سياسي من دونها، من وجود جيشٍ وطنيٍّ وأجهزة أمنية وإبعاد شبح الاختلافات السياسية والحرب الداخلية والتقسيم خلال المرحلة القريبة المقبلة.
وفقاً لهذه المقاربة، الدخول مباشرة في عملية إعادة صوغ الدستور وتشكيل لجان سياسية من أجل بحث مستقبل سورية، في ظل وجود ما يقارب نصف الشعب مهجّراً، ترف فكري وسياسي تنشغل به فقط النخب السياسية. أمّا الحديث عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والقيادات السياسية المختلفة في الداخل والخارج، فهي لا تمثّل، في واقع الأمر، وزناً شعبياً حقيقياً، مقارنةً بمئات آلاف اندمجوا في العمل المسلّح من الضروري اليوم إدماجهم في مؤسسات الدولة، بخاصة مع وجود حالة من الاستعصاء مع الأكراد والدروز وبعض الفصائل في الجنوب السوري.
ربما ذلك كلّه صحيح ومنطقي إلى درجةٍ كبيرة، لكنّه لا ينفي الهواجس المشروعة من أنّه لا توجد ضمانات اليوم بعدم انتقال سورية من نظام ديكتاتوري إلى نظام ديكتاتوري آخر، فبراغماتية الشرع وهيئة تحرير الشام (جرى نظرياً حلّها في القرارات الصادرة أخيراً) لا تعني بالضرورة أنّ ذلك يمثّل سبباً مشروعاً ورئيسياً للقناعة بأنّ سورية ستتوجه بعد أربعة أعوام نحو نظام ديمقراطي مدني تعددي، فتحدّيات كبيرة وتعقيدات وعقد كثيرة ستواجه هذا المسار الذي انطلقت الثورة السورية قبل قرابة عقد ونصف عقد من أجل تحقيقه، ودُفعت أثمانٌ باهظة من أجل الوصول إليه.
فوق هذا وذاك؛ وبالرغم من أنّ الأجندات الإقليمية أخذت طابعاً إيجابياً، في الأغلب الأعم، تجاه الأوضاع الجديدة، وسارع العديد من الدول العربية ودول المنطقة إلى التعامل بصورة منفتحة مع التغيرات؛ لكن هذا، في الوقت نفسه، لا يعني، بالضرورة، أنّ الدول العربية سترحّب بوجود نظام ديمقراطي في سورية، بما يمثّل نموذجاً ملهماً للشعوب العربية، وتعاد كرّة الربيع العربي، وهو الأمر الذي يخشاه النظام الرسمي العربي برمّته، وقد يعمل على ممانعته عند مرحلة معينة!.
يمكن أن نضيف هاجساً آخر يتمثّل في أنّ ما تمكن ملاحظته حتى اللحظة الراهنة اقتصار الحكم الجديد على هيئة تحرير الشام وحلفائها، بوصفهم مصدر الثقة، إذ لم نر في الحكومة أو في القيادات السياسية، وحتى الأمنية والعسكرية، وجوهاً من خارج هذا الطيف السياسي والعسكري، وهو أمر كان يمكن تجاوزه بالاستعانة بالعديد من الكفاءات السياسية والتكنوقراطية الموجودة، لكن ذلك لم يحدُث، بل أكثر من ذلك، جرى حل المؤسسات العسكرية والأمنية بذريعة البعد الطائفي وحالة الفساد المنتشرة سابقاً، من دون التفكير في خطورة هذه الخطوة، وإن يجادل مثقفون سوريون بأنّ قياس الجيش السوري على العراقي السابق (خلال مرحلة صدام حسين) خطأ منهجي، إلاّ أنّ أدبيات الانتقال السياسي توضّح بصورة جليّة أنّ جميع من جرى تسريحهم وإنهاء خدمتهم سيتحولون إلى قوى غاضبة تعمل ضد النظام الجديد.
في المحصلة، من الخطأ أن نأخذ الأمور بصورة مطلقة؛ مع الشرع وخطواته بوصفها صحيحة تماماً، أو ضدها بوصفها مثيرة للقلق، فالمسألة نسبية ومعقدة أكثر. هنالك مساحات رمادية لا تزال قائمة، وهنالك ضرورات فرضت نفسها على الحكم الجديد، لكن ما هو غائب تماماً خريطة الطريق التي تحدّد، بدايةً، طبيعة نظام الحكم وسماته الرئيسية والأهداف التي تسعى إليها عملية الانتقال، ثم الخطوات المطلوبة لتحقيق ذلك، حتى وإن كانت الحجّة بأنّ ذلك مرتبط بوجود ممثلين عن الشعب يحدّدون صيغة الدستور والنظام السياسي، لكن الشرعية التي قامت عليها الثورة السورية هي التي أطّرت ذلك، ابتداءً، من خلال التأكيد على حق الشعب بنظام ديمقراطي تعدّدي ومدني يحتضن الجميع.