الرئيسة \  تقارير  \  لمن انحاز ترامب في سوريا؟

لمن انحاز ترامب في سوريا؟

14.04.2025
سمير صالحة



لمن انحاز ترامب في سوريا؟
سمير صالحة
سوريا تي في
الاحد 13/4/2025
يعوّل البعض محليًّا وإقليميًّا على تسجيل اختراقات سياسية في التعامل مع ملفات المنطقة، وانتزاع دور أو فرصة من خلال اللعب على التوازنات الحساسة القائمة، واحتمال اشتعال جبهات تضارب المصالح بين تركيا وإيران وإسرائيل.
من الممكن أن تساعد الظروف والمعطيات المحلية على أخذ بعض ما يريده في مكانٍ ما، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه سينجح في تطبيق هذه الاستراتيجية في أماكن أخرى. إضعاف إيران في لبنان وإبعادها عن سوريا عبر الاستفادة من الورقة الإسرائيلية، لا يمكن البناء عليه وتكراره في سوريا من خلال الرهان على تفجير العلاقات الإسرائيلية – التركية، ودفعهما للمواجهة العسكرية المباشرة، معتمِدًا على واشنطن وموسكو لفتح الطريق أمامه هناك.
تذهب كثير من المؤشرات باتجاه أن التلويح بالقوة لن يصل إلى خط اللاعودة نتيجة للتصعيد الحاصل بين أنقرة وطهران وتل أبيب، وأنه من الصعب جني ثمار الانفجار الثلاثي من قبل البعض وبالمجّان. سبق أن اختلفت أنقرة وتل أبيب أكثر من مرة على تقاسم النفوذ والمصالح، وسبق لهما أن أنهيا هذا التوتر وأعادا العلاقات إلى ما كانت عليه وأفضل. إيران أيضًا قد تفاجئنا بخيارات بديلة إذا ما أعطت واشنطن ما تريده بعد أيام في الملف النووي. التعويل على تراجع نفوذ وتضارب مصالح الثلاثي التركي – الإيراني – الإسرائيلي في المنطقة، قابلٌ للتحوّل في كل لحظة إلى تفاهمات تخيب آمال المراهنين على الجلوس أمام طاولة انتزاع الأدوار من دون مقابل، وترامب هو ضابط الإيقاع هذه المرة.
يمنح الخبير العسكري والاستراتيجي التركي ورئيس مركز أبحاث "أسام"، إراي غوشلو آر، الجانبَ الإسرائيلي مدة نصف ساعة فقط قبل أن تفقد تل أبيب قوتها الجوية عندما تقرر القوات المسلحة التركية أن المواجهة حتمية. هو يذكّر تل أبيب أيضًا بأن تركيا هي من قطعت الطريق على مشروع تفتيت سوريا ومخطط اقتراب إسرائيل من حدودها الجنوبية بدلاً من إيران وميليشياتها.
هناك، بالمقابل، في الداخل الإسرائيلي، من يحاول أن يعيد إلى الأذهان ما فعلته إسرائيل في الأسابيع الأخيرة وعلى أربع جبهات إقليمية دفعة واحدة.
وإن "تل أبيب أوضحت بشكل لا لبس فيه أن أي تغيير في نشر القوات الأجنبية في سوريا، لا سيما إنشاء قواعد تركية في منطقة تدمر، هو خط أحمر وسيُعتبر خرقًا للقواعد".
شكّل ملف غزة في الثلث الأول من نيسان العام المنصرم أحد أهم أسباب التصعيد بين أنقرة وتل أبيب، وهو ما قاد إلى التراشق ثم سحب السفراء وتجميد العلاقات التجارية وقرار أنقرة الالتحاق بالداعمين لمقاضاة القيادات الإسرائيلية..
من منح تل أبيب تحديد قواعد اللعبة في سوريا ورسم خطوط تحرك البعض هناك؟ ربما هي غاراتها الجوية واستهداف العمق السوري دون رد تركي – عربي – إقليمي رادع. لكن ترامب هو الذي يدخل على خط التوتر والاحتقان، معلنًا رسم حدود التصعيد والمواجهة.
شكّل ملف غزة في الثلث الأول من نيسان العام المنصرم أحد أهم أسباب التصعيد بين أنقرة وتل أبيب، وهو ما قاد إلى التراشق ثم سحب السفراء وتجميد العلاقات التجارية وقرار أنقرة الالتحاق بالداعمين لمقاضاة القيادات الإسرائيلية أمام محكمة لاهاي. لم يكن الملف السوري حاضرًا بعد.
في الثلث الأول من شهر نيسان الحالي، شكر الجانبان التركي والإسرائيلي الرئيس الأذري إلهام علييف على جهود وساطته واستضافة محادثات الوفدين التركي والإسرائيلي لتفادي وقوع حوادث غير مرغوب فيها بينهما في سوريا. الحصيلة الأولى هي "قرار الاتفاق على مواصلة الحوار عبر قناة تواصل مباشرة للحفاظ على الاستقرار الأمني في المنطقة، بعد عرض كل طرف لمصالحه الأمنية". تصريحات الرئيس الأميركي كانت مفتاح الحوار التركي – الإسرائيلي حول سوريا، حتى ولو قال إن أردوغان هو من يملك المفتاح في دمشق.
تغيير قواعد اللعبة والمعادلات لا يحتاج فقط إلى الطاقة والشجاعة، بل إلى معرفة مكان وضع القدم، وإدراك اللحظة المناسبة للتحرّك.
هناك ما يكفي من الأسباب التي تستدعي إبقاء العلاقات التركية – الإسرائيلية فوق صفيح ساخن. وهناك قناعة تركية – إسرائيلية أن تفعيل "آلية عمل مشتركة" بين البلدين لن تكفي لتحول دون وقوع الصدام المباشر بينهما في سوريا. لكن هناك من يردّد أيضًا أنها ليست وساطة باكو وقرار الدخول على خط التهدئة بين الشريكين التركي والإسرائيلي هي التي دفعت الأمور نحو التهدئة، بل هي رغبة ترامب، الذي استدعى بنيامين نتنياهو على عجل لإبلاغه بضرورة أن يكون منطقيًّا وواقعيًّا في طروحاته السورية حيال الجانب التركي، خلال لقاءات العاصمة الأذربيجانية.
احتمال أن تضحي واشنطن بحليفيها التركي والإسرائيلي في سوريا لصالح أي لاعب إقليمي ليس على جدول أعمال اليوم.
ترامب هو الذي دخل على الخط مجددًا لضبط الإيقاع، والحؤول دون انفلات الأمور، والتذكير بضرورة الأخذ بما يقوله الحليف الأكبر، وهو في طريقه لمفاوضة طهران على الملف النووي، وحيث لا يريدها أن تستقوي بالخلافات التركية – الإسرائيلية.
لمن انحاز ترامب في سوريا؟ المسألة لا تحتاج إلى كثير من الجهد للعثور على إجابة.
اشتعل التنافس التركي – الإسرائيلي في سوريا بعد الثامن من كانون الأول المنصرم مع سقوط نظام بشار الأسد. تل أبيب قلقة من تنامي النفوذ التركي، وترامب يراهن على "علاقته الرائعة بالرئيس رجب طيب أردوغان" لنزع فتيل التوتر بين البلدين. تصريحات ترامب حرّكت المبادرة الأذربيجانية، لكنها لم تفتح الطريق أمام حوار تركي – إسرائيلي بوساطة أميركية بعد.
سوريا على رأس أولويات ترامب في المنطقة لأن خيارات إسرائيل وتركيا متباعدة وتتطلب ذلك، وحيث يردّد الوزير هاكان فيدان بعد لقائه بنظيره الأميركي روبيو: "إن سلوك إسرائيل هذا لا يستهدف سوريا فحسب، بل يزعزع استقرار المنطقة بأسرها".
لا يريد نتنياهو أن يستيقظ على كابوس انسحاب أميركي من سوريا لصالح أنقرة.
لكن الخيار العسكري بالنسبة لأنقرة وتل أبيب في سوريا يعني حتمًا فشلًا أميركيًّا سيكون له ارتداداته السلبية على مصالح واشنطن في الإقليم ككل.
سيقرأ الرئيس ترامب جيدًا نتائج اجتماعات منتدى أنطاليا للدبلوماسية، وما صدر عنه من مواقف علنية باتجاه تل أبيب وسياستها الفلسطينية، وتمسكها بحرب الإبادة ضد قطاع غزة. لكنه يعرف تمامًا أن ما قيل يعني واشنطن، الحليف والداعم الأول لنتنياهو، لمواصلة ما يقوم به ضد الشعب الفلسطيني.
رسائل أنطاليا كانت عربية وإسلامية وغربية، بدعم روسي وصيني أيضًا. هي اليوم تركز على الملف الفلسطيني، لكن لا شيء يمنع أن تنتقل الأمور إلى الملف السوري غدًا أو بعد غد، بسبب مواقف إسرائيل وتمسكها بإشعال المنطقة من هناك هذه المرة.
لا يملك الماعز الجبلي، الذي يتنقل في عالم من الصخور الحادة والمرتفعات الشاهقة، أجنحة. لكنه يملك ما هو أهم: الرشاقة، والمرونة، والقدرة على القفز بدقة، مستندًا إلى قوة ساقيه الخلفيتين، ومعتمدًا على فهمٍ عميق لطبيعة الأرض التي يتحرك فوقها. تغيير قواعد اللعبة والمعادلات لا يحتاج فقط إلى الطاقة والشجاعة، بل إلى معرفة مكان وضع القدم، وإدراك اللحظة المناسبة للتحرّك.