الرئيسة \
كتب \ قرن اللاجئين .. كيف نتعامل مع تغير المناخ
قرن اللاجئين .. كيف نتعامل مع تغير المناخ
24.12.2022
غايا فينس
قرن اللاجئين .. كيف نتعامل مع تغير المناخ
الاتحاد
الخميس 22-12-2022
لا شك في أن أسباباً وجيهةً كانت وراء تأليف “قرن اللاجئين.. كيف ستعيد هجرةُ المناخ تشكيلَ عالمنا”، لكن الكتاب يخرج باستنتاجات خاطئة، إذ تَخلص فيه الكاتبة والصحافية البريطانية غايا فينس إلى أن تغير المناخ سيجعل من قطاعات واسعة من الكرة الأرضية خلال العقود القادمة غير قابلة للحياة، ولهذا يجب على البشرية أن تغيّر طرقها.
وفي هذا الإطار، تحثُّ فينس أولاً على ضرورة الإسراع في تخليص عملية إنتاج الطاقة من الكربون، والتحول من الوقود الأحفوري إلى الطاقات الشمسية والريحية والحرارية والبحرية والنووية، مع العمل بالتوازي على كهربة النقل والتدفئة وكل نشاطٍ يتطلب الطاقة.
أما باقي توصياتها فيمكن وصفها بأنها أقل نمطية، ومن ذلك ضرورة أن تشرف هيئة دولية على الهجرة القانونية لملايين أو مليارات (أجزاء مختلفة من الكتاب تعطي أرقاماً مختلفة) اللاجئين المناخيين. فنظراً لارتفاع حرارة المناخ بـ4 درجات مئوية، فإن “الأغلبية العظمى من البشرية ستعيش في المناطق المرتفعة”، كما تقول. وهو ما يعادل 5 مليارات نسمة على أقل تقدير.
هؤلاء اللاجئون يجب أن يغادروا مناطقهم الحالية الدافئة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية ويوطنوا من جديد في ألاسكا وكندا وغرينلاند وأوروبا الشمالية وروسيا، إضافة إلى باتاجونيا وتسمانيا ونيوزيلندا والقارة القطبية الجنوبية. ويجب على شخص ما بناء مدن جديدة في أقصى شمال الكوكب وأقصى جنوبه لإيوائهم. وفي غضون ذلك، نحتاج إلى التخلي عن الحساسية المفرطة وتبني عدة أشكال من الهندسة الجيولوجية من أجل تحقيق استقرار المناخ. وأخيراً، للقيام بذلك على نحو صحيح، يجب أن نمنح “حكومةً عالميةً” السلطةَ والصلاحيةَ لضبط “ترموستات” أو جهاز تنظيم حرارة الكوكب.
كتاب “قرن الرحل” عبارة عن خليط مثير للفضول من التشاؤم المنذر بنهاية العالَم والتفاؤل غير المحدود بشأن ما هو حسن وجميل في الطبيعة البشرية. وفيه تبحث فينس سيناريوهات أزمة المناخ الحالية وتختار منها تلك الأقرب إلى الفريق الذي يستشعر الخطرَ ويَدق ناقوسَه محذِّراً، وإن كان بقي ذلك في حدود المعقول عموماً.
قرن اللاجئين.. كيف نتعامل مع تغير المناخ
تتوقع فينس مآسي كبيرة في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية بسبب الحرارة المفرطة، ونقص المياه، وفشل المحاصيل. والواقع أنها يمكن أن تكون على حق، ذلك أن تغير المناخ سيكون على الأرجح مشكلة القرن الحادي والعشرين الأبرز. كما تعتقد أن الآسيويين والأفارقة والأميركيين اللاتينيين لن يكونوا قادرين على التكيف مع حجم هذه التحديات. وربما تكون محقة هنا أيضاً.
بيد أن دعوتَها إلى هجرة جماعية مدعومة تمثّل وصفةً مضمونةً لكارثة سياسية. فهي تتخيل أن “منظمة للهجرة التابعة للأمم المتحدة تتمتع بصلاحيات حقيقية لإجبار الحكومات على استقبال اللاجئين”، وأنها يمكن أن تُقنع الروس والإسكندنافيين والبريطانيين والكنديين والنيوزيلنديين وسكان غرينلاند وألاسكا أو ترغمهم على استقبال ملايين (أو مليارات) الغرباء المعوزين بين ظهرانهم والمساعدة في توفير الوظائف والرعاية الصحية ودروس اللغة لهم.
والحال أن أي تدفق أو تدفقات للاجئين بهذا الحجم، لاسيما إذا كانت إعادة توطينهم تتم تحت إشراف هيئة دولية تتمتع بـ”صلاحيات للإجبار”، من شأنه أن يثير مشاعر غضب عارمة. إذ تقضي رؤية فينس باستقبال كل بلد يقع في مناطق مرتفعة للاجئين بأعداد كبيرة تغمر أبناءَ البلد الأصليين. وأمام هذا الوضع، لا شك في أن جيلاً جديداً من الساسة المتعصبين المعادين للهجرة والمهاجرين في بلدان الشمال سيشجِّع المخاوفَ المعاديةَ للمهاجرين ويستغلها، لتتفاقم بذلك معاناةُ المهاجرين ويتعاظم اضطهادُهم.
وفي هذا الصدد، تشير المؤلفة إلى تاريخ “جواز سفر نانسن” الذي اجتُرح في عشرينيات القرن الماضي بهدف مساعدة اللاجئين الذين لا دولةَ لهم عقب الحرب العالمية الأولى، كدليل على إمكانية تطبيق مخططها. غير أن التشبيه في غير محله ويبدو غير موفَّق. ذلك أن حوالي 450 ألف جواز سفر نانسن فقط أُصدرت خلال 16 عاماً التي وُجد فيها. ولو صدرت منه مئات ملايين النسخ، فالأرجح أنه لا بلد سيعترف بها.
والواقع أن فينس تُقر بوجود بعض الصعوبات، إذ تشير مثلاً إلى أنه لكي ينجح مخططها، سيتعين على البشر أولاً نبذ العنصرية والشوفينية والقومية، وأن يصبحوا مواطنين عالميين. لكن بالطبع يتعلق الأمرُ هنا بنظرة رومانسية بعيدة عن الواقع ومغرقة في الطوباوية.
تفاؤل فينس الساذج يمتد إلى الهندسة الجيولوجية. وهنا تَعتبر أن عدم استخدام أي وسيلة متاحة من شأنها تبريد الكوكب “أمر لا يمكن الدفاع عنه أخلاقياً”، وتشمل قائمة الحلول التي تدفع بها بعض الأفكار المألوفة والمتداولة. وفي هذا السياق، توصي المؤلفةُ بتخصيب البحار بالحديد من أجل تحفيز نمو العوالق، وبالتالي إزالة الكربون من المناخ. كما تحث على إنشاء هيئة دولية للإشراف على حقن رذاذ الكبريتات في الجو لإعادة عكس أشعة الشمس في الفضاء.
والحق أن توصيات فينس غير الموفقة نابعة من نوايا حسنة. فهي تبدو قلقة ومنشغلة حقاً بالمحنة المحتملة لمليارات الأشخاص من سكان العالَم الأقل حظاً، بينما يواصل مناخ كوكبنا الارتفاع. كما أنها محقة في التشديد على المخاطر التي ينطوي عليها تَغيّر المناخ. لكن كتاب “قرن الرحل” يوصي بعلاجات يمكن أن تكون أسوأ من العلة نفسها. ومقترحاتها بشأن هجرات جماعية يتم الإشرافُ عليها دولياً وهندسة جيولوجية واسعة النطاق تتطلب إيماناً قوياً بانتشارٍ واسعٍ للطيبة والحكمة لم تُظهره البشريةُ بعد.
محمد وقيف
الكتاب: قرن اللاجئين.. كيف ستعيد هجرةُ المناخ تشكيلَ عالمنا
المؤلفة: غايا فينس
الناشر: فلاتايرون بوكس
تاريخ النشر: أغسطس 2022
ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست نيوز سينديكيت