عن الأقليات والحقوق والضمانات
09.01.2025
بسام يوسف
عن الأقليات والحقوق والضمانات
بسام يوسف
سوريا تي في
الاربعاء 8/1/2025
لم تكن قضية التعدد الطائفي أو القومي أو غير ذلك من التقسيمات مشكلة صعبة في سوريا لولا العبث فيها، واستثمارها سياسياً من قبل السلطة الحاكمة، أو من قبل الساعين إلى السلطة، أو من قبل المحتل الخارجي.
وبالتالي فإن التهويل الذي نراه اليوم والمحاولات الحثيثة لتكريس تصنيف السوريين على أسس طائفية أو قومية يجب أن يقرأ بدلالة السياسة والمصالح، وليس بدلالة كونها مشكلة مجتمعية عميقة تحتاج لمعالجة خاصة لا يمكن قيام سوريا بدون إيجاد الحلول لها.
نعم، كان من البديهي أن تعمّق فترة حكم عائلة الأسد الممتدة لأكثر من نصف قرن، والتي اشتغلت بمنهجية ودراية، على تعميق التقسيمات الاجتماعية السورية بكل ما تستطيع اقتصادياً وثقافياً وسياسياً وصولاً إلى ارتكاب الجرائم الفظيعة، من أجل استدامة السلطة لها، من حضور هذه التقسيمات، وأن يصبح لها مرتكزاتها الأقوى.
للأسف لم تتنبه السلطة الجديدة إلى أهمية الصورة الأولى التي سيراها السوريون في أول احتكاك لهم معها، ولم يقدروا جيداً مدى تأثير الظهور الأول على تحديد وجهة مزاجهم العام..
لكن، ورغم كل ما فعلته عقود حكم عائلة الأسد لتعزيز التقسيمات الاجتماعية السورية، فإن الأيام القليلة الأولى التي أعقبت سقوط النظام أظهرت أن السوريين يمكنهم الذهاب بسهولة إلى ما هو فوق هذه التقسيمات، وأنهم قادرون على تجاوزها.
للأسف لم تتنبه السلطة الجديدة إلى أهمية الصورة الأولى التي سيراها السوريون في أول احتكاك لهم معها، ولم يقدروا جيداً مدى تأثير الظهور الأول على تحديد وجهة مزاجهم العام، أو دوره في تحديد ما سوف يكون في بؤرة اهتمامهم.
وعدم التنبه هذا قد لا يكون مقصوداً، ويمكن ردّه إلى ضغط اللحظة الأولى، ومفاجأة انهيار النظام السريعة غير المتوقعة، لكن كان يكفي من السلطة الجديدة أن تبادر سريعاً فيما بعد للقيام ببضع ممارسات بسيطة لكي تصحح توجه الاهتمام العام، وتدفعه كله باتجاه يتجاوز هذه التقسيمات
ورغم مضي وقت على انطباع اللقاء الأول، إلا أننا ما نزال اليوم بأمس الحاجة إلى تصحيح هذا الانطباع، وإعادة توجيهه إلى التركيز على هويتنا كشعب واحد، يسعى إلى مشروع دولة تحفظ حقوقه وكرامته.
كان يكفي في البداية أن تتشكل الإدارة الجديدة على نحو آخر، أي متعددة الألوان، وليست بلون واحد، أو أن يتوجه أحمد الشرع بصفته القائد العام، في اليوم الثاني لسقوط عائلة الأسد، برسالة إلى الشعب السوري يتحدث فيها تماماً بما قاله ويقوله في لقاءات صحفية أو مع وفود، وأن يؤجل كل ما من شأنه أن يعزز مخاوف السوريين من "أبو محمد الجولاني" ومن حضوره في ذاكرتهم بصفته قائداً لجهة إسلامية متطرفة مسجّلة على قوائم الإرهاب، ولها ارتكاباتها التي يعرفها السوريون.
وباختصار فإنّ الغموض الذي عاشه السوريون والمترافق بتصرفات غير مدروسة، صدمت نسبة كبيرة من السوريين كقضية المرأة أو تعديل المناهج، عززت من خوفهم المسبق، دفعت توجسهم إلى الواجهة.
كان من شأن تصرفات بسيطة في البداية إذاً، أن تريحنا اليوم من كرة الثلج المسماة "تطمين الأقليات وحماية حقوقهم"، والتي تكبر وتكبر وتُستغل من أطراف كثيرة داخلية وخارجية تجد مصلحة لها في استعمال ورقة الأقليات كسيف مصلت فوق رقبة الانتقال السياسي الحاصل في سوريا اليوم، ورغم كل ما حصل فإن ايقاف كرة الثلج هذه وتصغيرها لا يحتاج لعناء كثير حتى الآن.
بعيداً عن الوقائع اليومية، وبعيداً عن دجل المجتمع الدولي بحقوق الأقليات، وبحقوق الإنسان، فإنه من الضروري التذكير بجملة حقائق أساسية لا يغيّر منها تصرف هنا أو هناك، ولا تلغيها سلطة، أو تدخّل خارجي وهي باختصار شديد:
إذا كان هناك من خطر يهدد الأقليات فإن مردّه ليس لـ(السنّة) في سوريا، وإنما مردّه لمحاولات الاستثمار السياسي من أطراف خارجية وداخلية، وإن محاولات تشويه (السنّة) وتصويرهم على أنهم حاضنة تطرف يهدد وجود الأقليات، وبالتالي وضعهم في مواجهة مع باقي السوريين هو فعل عدا عن كونه غير أخلاقي، وباطلا، ويناقض حقائق التاريخ المعاش، فإنه يريد أولاً امتطاء الأقليات ووضعها في اصطفاف ليس في مصلحتها، ولا مصلحة سوريا.
إن حماية الأقليات ومصلحتها في سوريا لا يمكن أن يتحقق عبر تحجيم السنّة وتقييدهم، والعكس صحيح تماماً، فإن ضمانة سوريا الدولة العادلة المتساوية، وضمانة استقرارها ومدنيّتها، لا يمكن أن يكون ما لم ينهض به السنة.
رغم كل الظلم والحيف والقتل والتجويع والتهجير الذي لحق بالسنّة على نحو أشدّ بكثير مما لحق بباقي تقسيمات المجتمع السوري، فإنهم أكثر من سيتحمل عبء قيام سوريا، وهم سيكونون بالضرورة الركيزة الأساسية للمشروع الوطني، الذي تحتاجه سوريا اليوم.
إذا كانت السلطة القائمة اليوم مطالبة بإجراءات ضرورية على الأرض، وبخطاب معلن وشفاف، يعلي من الهوية السورية الجامعة فوق كل الهويات قولاً وفعلاً، ويطمئن كل السوريين على تعدد تسمياتهم، فإن ما هو مطلوب من الأقليات ليس أقل أهمية، وهو ما سوف يسهم كثيراً في قيامة سوريا، ويعزز من قدرتها على تجاوز كل التركة الثقيلة التي خلّفها حكم عائلة الأسد، ولعل أهم ما يتوجب عليها القيام به:
الاعتراف بكل المظالم التي تعرض لها السوريون، والإقرار بحق من ظُلموا بمحاسبة المجرمين، والمساعدة على ذلك، فالعدالة بوابة الدولة القادمة.
الانخراط بفعالية في صياغة وحماية المشروع الوطني بدلالة سوريا الواحدة، سوريا التي تعلو فوق اعتبارات الطوائف، وكل التصنيفات، وترفض المحاصصة، وتعتبر الدولة والقانون والدستور المرجعية الوحيدة للعلاقة بين المواطن والدولة.
الرد على الدعوات الداخلية والخارجية التي تحاول التدخل في الشأن الداخلي السوري عبر تصنيف السوريين إلى أقليات وأكثرية، فمن يحمي السوريين هم إخوتهم السوريون، ومن يضمن حقوقهم هي الدولة السورية.
المطالبة برفع العقوبات عن سوريا، فالسبب الذي فرضت بحجته لم يعد قائماً، وسوريا المدمّرة تحتاج إلى رفع هذه العقوبات كي تخرج من الكارثة التي شارك بها المجتمع الدولي عبر تجاهله للجريمة التي ارتكبتها عصابة عائلة الأسد على مرأى ومسمع العالم كله طوال عقود من الزمن.