الرئيسة \  تقارير  \  صانع الملوك الجديد في إسرائيل متطرف خطير

صانع الملوك الجديد في إسرائيل متطرف خطير

14.11.2022
جوشوا ليفر

Untitled 11

صانع الملوك الجديد في إسرائيل متطرف خطير

جوشوا ليفر

الشرق الاوسط

الاحد 13/11/2022

وقف إيتمار بن غفير، زعيم حزب “جويش باور” (القوة اليهودية) اليميني المتطرف، على خشبة المسرح مزهواً بانتصاره أمام حشد صاخب. هتف أنصاره قائلين: “انظروا من هو رئيس الوزراء القادم!”، فيما كانت الموسيقى تعزف في خلفية المشهد. واقع الأمر يقول إن بن غفير لم يُنتخب رئيساً للوزراء، لكنه سيلعب دوراً أساسياً في إعادة بنيامين نتنياهو إلى السلطة.

ابتسم بن غفير لمؤيديه وبدأ خطابه، وعندما تعهد بالتعامل بقوة مع أولئك غير الموالين لإسرائيل، اندلعت الجموع تهتف: “الموت للإرهابيين”. الهتافات ما هي إلا نسخة مهذبة من الشعار المكرر في المسيرات اليمينية: “الموت للعرب”. كما أعرب بن غفير عن شكره لدوف ليئور، الحاخام الذي قدم تبريراً دينياً لاغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين عام 1995 على يد إسرائيلي يميني متطرف.

إلى جوار حزب “الصهيونية الدينية” الذي يقوده بتسلئيل سموتريتش، فاز حزب “جويش باور” بثالث أكبر حصة من المقاعد في الكنيست، مما وفر لنتنياهو الدعم الكافي لتشكيل ائتلاف حاكم. شن “جويش باور” حملة شعبوية كان لها صدى خاص بين الشباب اليهود الإسرائيليين، كما صوت العديد من أفراد القوات العاملة لصالح قائمة حزب بن غفير وسموتريتش، كما فعلوا الشيء ذاته لمنافس نتنياهو الرئيسي الوسطي، يائير لابيد. ولذلك فإن بن غفير هو الآن صانع الملوك في السياسة الإسرائيلية، ويريد أن يكون ملكاً. وأمام مؤيديه قال: “أصدقائي، عمري 46 سنة فقط. أنا لست رئيساً للوزراء بعد”.

لدى بن غفير أسباب وجيهة للشعور بالثقة. ففي عام 1995، عندما وجه بن غفير تهديده لرابين على شاشة التلفزيون قبل أسابيع قليلة من مقتله، ظهر بن غفير للعديد كمتطرف خطر. ووجهات نظره اليوم تساير غالبية التيار الإسرائيلي السائد، وهو التيار الأكثر شيوعاً بين الإسرائيليين الشباب الذين يتعاطفون بأغلبية ساحقة مع اليمين.

بدأ تحول إسرائيل نحو اليمين يتخذ طور التكوين منذ فترة طويلة، إذ جاء اغتيال رابين لينهي طبيعة إسرائيل التي كان من المفترض أن يمثلها رابين. فإسرائيل التي يتذكرها الكثير من الأميركيين - خصوصاً اليهود الأميركيين - باعتزاز لعلمانيتها وروحها الاجتماعية الديمقراطية الغامضة لم تعد موجودة. فقد كانت دائماً أسطورة أكثر من كونها حقيقة، لكن الحقائق التي مكنت الأسطورة قد ولت، إذ إن التفسير المحافظ لليهودية يهيمن بشكل متزايد على المجال العام، وما تبقى من الأحزاب اليسارية بات في طريقه إلى القبر. وفكرة أن اليهود والعرب يجب أن يتمتعوا بحقوق متساوية الآن، لا يدعمها سوى أقلية فقط من اليهود الإسرائيليين.

منذ ولاية نتنياهو الثانية عام 2009، باتت العنصرية الصريحة ضد الفلسطينيين سمة روتينية للخطاب الإسرائيلي، حيث قام نتنياهو بالتطبيع مع السياسيين الذين يُنظر إليهم على أنهم يمثلون أكثر أشكال القومية العرقية عدوانية: في عام 2010 كان أفيغدور ليبرمان هو من ودعا إلى نقل السكان من المناطق التي يشكل فيها الفلسطينيون العرب غالبية مواطني إسرائيل. وفي عام 2013، دعا نفتالي بينت إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية (حل محل نتنياهو كرئيس للوزراء لاحقاً). في فبراير (شباط) 2019، عندما أعطى نتنياهو موافقته لأول مرة إلى حزب “القوة اليهودية”، لم يكن ذلك انحرافاً بل تتويجاً لمسيرة ثابتة. وكان ذلك أيضاً بمثابة اعتراف من جانب نتنياهو بأن الاختلاف بين حزب الليكود اليميني واليمين المتطرف أصبح ضئيلاً للغاية.

تناقض الأسباب الحقيقية لهذا التحول التفسيرات التقليدية. فقد أدى العنف الذي اندلع في الانتفاضة الثانية في أوائل القرن الحادي والعشرين إلى خيبة أمل العديد من الإسرائيليين اليهود بشأن إمكانية إقامة سلام مع الفلسطينيين. لكن العقد ونصف العقد اللاحقين، الذي كان نتنياهو خلالها رئيساً للوزراء في معظمه، عزل غالبية الإسرائيليين إلى حد كبير عن عواقب استمرار حكومتهم، في احتلال غير محدود للضفة الغربية وحصار قطاع غزة، وتبخر دعم حل الدولتين عملياً، واختفت القضية تقريباً من الخطاب الإسرائيلي.

شهدت السنوات الخمس الماضية عدداً أقل بكثير من الضحايا المدنيين والعسكريين الإسرائيليين مقارنة بالتسعينات وأوائل القرن الحادي والعشرين، لكن الجمهور اليهودي الإسرائيلي بات أيضاً أقل استعداداً لتحمل الخسائر. وفي أعقاب الحرب التي استمرت 21 يوماً في الربيع الماضي - والتي أشعلتها غارة إسرائيلية على المسجد الأقصى في القدس وردت بإطلاق صواريخ من غزة - والعنف العرقي فيما يسمى المدن المختلطة، قام بن غفير بتوجيه رغبة الإسرائيليين في حل سريع وسهل لما يسميه البعض “المشكلة الفلسطينية” باقتراح حلها بالقوة. وقدم برنامجه وعداً بـ”فرض السيادة على جميع أجزاء أرض إسرائيل المحررة في حرب الأيام الستة، وعلى استيطان أعداء إسرائيل في الدول العربية التي تحيط بأرضنا الصغيرة”.

التركيبة السكانية ليست قدراً، لكن في إسرائيل يمكنها تمكين أغلبية دائمة لتحالف اليمين الديني، الذي توطد خلال أكثر من عقد من هيمنة نتنياهو. وبسبب الحزن على نتائج الانتخابات، يأسف الليبراليون العلمانيون في إسرائيل لأنهم يجدون أنفسهم أقلية في بلدهم بشكل متزايد، إذ إن أكثر من نصف اليهود الإسرائيليين يعدون حالياً تقليديين أو متدينين أو حريديين (أرثوذكساً متطرفين)، ويتوقع الديموغرافيون أن يزداد عدد السكان المحافظين سياسياً كنسبة من سكان إسرائيل. لا يقتصر الأمر على ما يقرب من ثلثي الإسرائيليين اليهود الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً على أنهم يمينيون، ولكن أيضاً، وفقاً لاستطلاع مؤسسة “بيو” لعام 2016، فإن 49 في المائة من اليهود الإسرائيليين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و49 عاماً يوافقون على أنه “يجب طرد العرب أو نقلهم من إسرائيل، مقارنة بـ44 في المائة غير موافقين”.

رغم أن بن غفير ربما كان الصوت الأعلى في اليمين الصاعد، فإنه ليس بالحالة الفريدة، فالحكومة القادمة بقيادة نتنياهو ستكون الأكثر يمينية وأرثوذكسية في تاريخ البلاد. فالحكومة ستضم شخصيات مثل سموتريتش، زعيم الصهيونية الدينية، الذي يصف نفسه بأنه “فخور برهاب المثلية الجنسية”، بالإضافة إلى كونه معارضاً قوياً للمثليين أعضاء الأحزاب الحريدية. إن الصمغ الذي سيبقي هذا التحالف متماسكاً هو التفوق اليهودي الديني الذي سيترجم على الأرض إلى قمع متزايد للفلسطينيين، والأقليات غير اليهودية الأخرى.

كان نتنياهو عقبة أمام الاقتراحات الأكثر طموحاً من شركائه في الائتلاف اليميني، لكنه الآن مدين لهم بالفضل أكثر من أي وقت مضى، لإعادته إلى السلطة، ربما لمساعدته على التهرب من تهم الفساد من خلال شل المحاكم.

ومع ذلك، حتى لو انتصر على محاكمة الفساد، فلن يقود اليمين الإسرائيلي إلى الأبد. فنتنياهو يبلغ من العمر 73 عاماً، وشهدت حقبة قيادته التي استمرت 17 عاماً القضاء على اليمنيين العلمانيين والمعتدلين من “الليكود” الذي تحول إلى حزب شعبوي خاضع لزعيمه. لكن هذا يعني أيضاً أن مستقبل الحزب غير مؤكد بدونه. فعندما يخرج نتنياهو بشكل نهائي من الحياة العامة، سيترك فراغاً في اليمين يستعد بن غفير لملئه.

من ضمن أسباب نجاح بن غفير هو أنه رغم إخفائه للعناصر الدينية لجدول أعماله، فقد قام بحملة لتمثيل مجموعة من المجتمع اليهودي الإسرائيلي. فحزبه يضم شخصيات تجد نفسها عادة في أحزاب منفصلة: فرغم أن الكثيرين في أعضاء حزب “القوة اليهودية” متشددون، ومستوطنون أرثوذكسيون في الضفة الغربية، فإن البعض الآخر ينتمون للصقور العلمانيين. هناك أيضاً “السفارديم” التقليديون، الذين يعدون بن غفير ابن المهاجرين الأكراد العراقيين، والشباب “الأشكنازي الحريديم” الذين يشعرون بخيبة أمل من الأحزاب الأرثوذكسية التقليدية.

في خطابه عشية الانتخابات، أكد بن غفير أن حزبه يدين بنجاحه لقدرته على “تمثيل الجميع - العلمانيين والدينيين، الأرثوذكس المتطرفين والتقليديين، السفارديم والأشكناز”. فخطابه يجمع بين القومية الإثنية الفظة وعبادة أرض إسرائيل وتبجيل القوات المسلحة. في الماضي كان قادة اليمين المتطرف يحتقرون التيار الإسرائيلي ويسعون إلى النأي بأنفسهم عنه، وفي المقابل، يريد بن غفير تمثيلها.

*خدمة “نيويورك تايمز”