الرئيسة \  تقارير  \  سوريا: الإدارة الجديدة تفرض شروطها على “اللواء الثامن”

سوريا: الإدارة الجديدة تفرض شروطها على “اللواء الثامن”

14.04.2025
منهل باريش



سوريا: الإدارة الجديدة تفرض شروطها على “اللواء الثامن”
منهل باريش
القدس العربي
الاحد 13/4/2025
تساعد هشاشة السلطة المركزية في السويداء وغياب الدولة في القنيطرة على جعل كامل المنطقة رخوة وتشجع على إعادة إنتاج هياكل محلية وأمنية غير منضبطة ومتناحرة.
في أول تحد للسلطة الجديدة في دمشق، كاد الوضع في ريف درعا الشرقية أن ينفجر على خلفية اعتقال قيادي سابق في الجيش الحر، وهو حاليا يتبع وزارة الدفاع السورية الجديدة. وبعد التوتر الذي استمر ليومين، تواصلت إدارة الأمن العام مع قيادة “اللواء الثامن” الذي يقوده أحمد العودة، والتي تعتبر بصرى الشام معقله الرئيسي. وجاء الاتفاق لينهي التوتر الذي حصل على خلفية اعتقال بلال الدروبي، الخميس، وإطلاق النار عليه من قبل أربعة عناصر يتبعون إلى “اللواء الثامن” واتهام الدروبي بحيازة المخدرات والكبتاغون.
حادثة التعرض تلك، صورتها زوجة الدروبي التي كانت أحد مرافقي زوجها بواسطة كاميرا هاتفها الشخصي. وولد الشريط المصور حادثة غضب في أوساط الناشطين والأوساط المحلية في درعا.
صباح يوم الجمعة، دفعت إدارة الأمن العام ووزارة الدفاع عددا كبيرا من قواتها إلى ريف درعا الشرقي وبدأت بدخول القرى والبلدات التي تتواجد فيها فصائل محلية تتبع إلى “اللواء الثامن” ومصادرة أسلحتها، وتركزت الحملة الأمنية في الجيزة والسهوة وصيدا وجباب، وفرضت القوات الحكومية طوقا على أغلب الطرق المؤدية إلى بصرى الشام قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق غير واضح أو معلن بشكل رسمي.
وأشار مصدر في بصرى الشام إلى أن قيادة “اللواء الثامن” وافقت على إقامة حاجز للأمن العام على مدخل المدينة وتسليم العناصر الأربعة الذين هاجموا الدروبي، في حين نفى المصدر في اتصال مع “القدس العربي” أن يكون اللواء سلم أيا من أسلحته.
وأضاف أن دخول الرتل الأمني إلى المدينة رمزي وشكلي، أصرت عليه قيادة الأمن العام لفرض هيبة الدولة حسب ما أسماه المفاوضون مع قيادة “اللواء الثامن”.
رسميا، قالت وكالة الأنباء “سانا” إن إدارة الأمن العام قد توصلت إلى “اتفاق مع وجهاء منطقة بصرى الشام”، وأكدت أنه “يقضي بتسليم جميع المطلوبين” (عددهم أربعة)، إلى الجهات المختصة، ولفتت إلى أن الاتفاق يأتي في إطار “الجهود المبذولة لتعزيز الاستقرار وبسط سلطة الدولة في ريف درعا الشرقي”.
ونقلت “سانا” عن المكتب الإعلامي في محافظة درعا في بيان الجمعة، أن المطلوبين هم من المتورطين في حادثة الاعتداء الأخيرة على أحد الأهالي وعائلته، لافتاً في الوقت ذاته إلى أنه سيتم تعزيز مفرزة الأمن في منطقة بصرى الشام بقوات أمن إضافية، دعماً للإجراءات الأمنية وتثبيتاً لحالة الاستقرار في المنطقة.
وفي تصريح صادر عن المكتب الإعلامي في محافظة درعا، نقلاً عن إدارة الأمن العام وصف المجموعة التي اعتدت على الدروبي وعائلته أنها “مجموعة من الخارجين عن القانون، لم يخضعوا لعمليات التسوية. وبناء عليه، بدأت قوات الأمن العام عمليات ملاحقة للمعتدين في منطقة بصرى الشام، في إطار جهودها لبسط سلطة الدولة وتعزيز الأمن”.
وأكدت إدارة الأمن العام أنها لن تتهاون مع أي محاولة لزعزعة “استقرار المنطقة”، ودعت “جميع المطلوبين إلى تسليم أنفسهم”، حسب ما ورد في التصريح.
ويعتبر “اللواء الثامن” النسخة الروسية من “فرقة شباب السنة” الفصيل العسكري الذي حافظ على هيكليته بعد “اتفاق المصالحة” في جنوب سوريا صيف 2018، باعتباره الفصيل الوحيد الذي وافق على الانضمام إلى “الفيلق الخامس” الروسي الذي بدأت موسكو بتأسيسه منذ العام 2016 وضم الراغبين إليه من الضباط المتقاعدين والمتطوعين المدنيين وعناصر التسويات، بهدف فرض توازن عسكري على الأرض مقابل عشرات آلاف العناصر الشيعية الموالين لإيران، ورغبة القيادة العسكرية الروسية بإيجاد قوة عسكرية مرتبطة بها مباشرة لتحريكها على الأرض لحماية مصالحها واستثماراتها في حقول النفط والغاز والفوسفات وتأمين طرقها. ومن هنا يمكن فهم السبب الذي يجعل الكثيرين يطلقون عليه اسم “الفيلق” أو “الفيلق الخامس”، إلا أنه حسب الهيكلية هو أحد الألوية الـ 11 التي عملت القيادة العسكرية في سوريا على تشكيلها ضمن “الفيلق الخامس”، إلا أن مشروع الفيلق لاقى فشلا ولم تتمكن القيادة الروسية من إكماله.
وفي لحظة فارقة، ازداد عدد المنتسبين إليه في درعا، حيث فضل المئات من مقاتلي فصائل الجبهة الجنوبية التي انفرط عقدها ولجأوا إليه بحثا عن الحماية الأمنية وتجنب الاعتقال إضافة إلى أنه أحد مصادر العيش بعد توقف الدعم الغربي لفصائل المعارضة السورية.
والجدير بالذكر أن أحمد العودة رفض مشاركة فصيله في العمليات الهجومية ضد فصائل المعارضة السورية في إدلب، واقتصرت مشاركته على بعض المهمات إلى جانب القوات الروسية في البادية السورية، كما شارك الفصيل في مشاريع التدريب العسكرية في معسكر سلمى في جبال اللاذقية تحت القيادة الروسية.
وفي السنوات اللاحقة لاتفاق المصالحة في درعا، غاب العودة عن المشهد وأوكل قيادة “اللواء الثامن” إلى القيادي الشاب علي باش وهو الذراع اليمنى للعودة وقام الأخير بالتنسيق مع العميد لؤي العلي رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية، ورغم الانتقادات الكبيرة واتهام اللواء بعمليات قتل خلال المداهمات والتعذيب لمعتقليه، فإنه لم يتورط بعمليات الاغتيال ضد قادة الجيش الحر المحليين أو أعضاء اللجان الفرعية أو اللجنة المركزية في درعا.
ويعتبر ما حصل في ريف درعا الشرقي أول اختبار مباشر للعلاقة بين الشرع والعودة، في مرحلة ما بعد سقوط النظام، إلا أن العلاقة بينهما كانت قد مرت بفترات صعبة للغاية، على اعتبار أن العودة كان أشد المحاربين لتنظيم “جبهة النصرة” في جنوب سوريا، خلال السنوات الأولى للصراع في سوريا.
وكان العودة قاد معركة تحرير دمشق انطلاقا من الجنوب تزامنا مع سقوط مدينة حمص في إطار معركة ردع العدوان التي قادها أحمد الشرع انطلاقا من إدلب، نهاية شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2024. ورغم أن مقاتلي الجنوب دخلوا دمشق من عدة محاور، وقاموا بحماية وتأمين السفارات والبعثات الدبلوماسية، فإنهم سلموا مدينة دمشق لمقاتلي إدارة العمليات صباح 9 كانون الأول (ديسمبر) وتوجهوا جنوبا عائدين إلى مناطقهم وبلداتهم.
من الملاحظ أن القيادة السورية الجديدة أرادت حسم التوتر الأمني الناتج عن اعتقال الدروبي بشكل سريع من دون تردد، فقد تعرضت إلى اختبارين في الجنوب السوري يظهر ضعف دورها، إذ تراجع انتشارها العسكري إلى حدود ريف دمشق بعد التحذيرات الإسرائيلية المستمرة، وفضلت عدم خسارة المزيد من العتاد العسكري لمجرد الحفاظ على الثكنات العسكرية للفرقة والألوية المنتشرة على خط الجبهة والخطوط التالية لها شرقا.
كما أنها لم تتمكن من بسط سلطتها الأمنية والعسكرية والحكومية في محافظة السويداء للأسباب المذكورة سابقا، هذا الضعف ومنعا لتكريسه، أدى لرد فعل قوي من قبل إدارة الأمن العام، فعدم التعاطي المباشر مع “اللواء الثامن” كان سيكرس حالة من السيولة الأمنية ويظهر الدولة السورية الوليدة في موقف الضعيف وغير القادر على السيطرة والتحكم على كامل الأراضي السورية.
وتعتبر حادثة بصرى الشام بمثابة مؤشر واضح نحو سير الأمور في درعا، فالتهديد الإسرائيلي بعدم السماح بنشر قوات عسكرية تتبع لوزارة الدفاع السورية الجديدة سيفرض حالة فراغ تؤدي إلى تكرار سيناريوهات الصراعات المحلية والفوضى التي غرقت بها درعا منذ مطلع 2019 حتى فترة ما قبل سقوط نظام بشار الأسد. وتساعد هشاشة السلطة المركزية في السويداء وغياب الدولة في القنيطرة على جعل كامل المنطقة رخوة السيطرة وتشجع إعادة إنتاج هياكل محلية وأمنية غير منضبطة ومتناحرة.