الرئيسة \  تقارير  \  خيار سورية الوحيد في مواجهة إسرائيل

خيار سورية الوحيد في مواجهة إسرائيل

08.05.2025
مروان قبلان



خيار سورية الوحيد في مواجهة إسرائيل
مروان قبلان
العربي الجديد
الاربعاء 7/5/2025
منذ نشأتها على أنقاض فلسطين وأحلام الفلسطينيين، تعزَّز في وعي السوريين أن إسرائيل تمثل تهديداً عظيماً لهم، فهي في وجدانهم كيان توسعي اغتصب جزءاً من سوريّتهم الكبرى التي ما زالوا، رغم كل الخيبات، يحلمون بقيامها، قبل أن تغتصب جزءاً من سوريتهم الصغرى، عندما احتلت الجولان عام 1967 وألحقت بهم واحدةً من أقسى الهزائم في تاريخهم المعاصر. مع ذلك، ورغم كل المواجهات التي خاضوها ضدّها (1948، 1956، 1967، 1973، 1982، 2006) لم يشعر السوريون يوماً بهول التهديد الذي تشكله إسرائيل راهناً عليهم. المفارقة أنّ سورية (مهد القومية العربية ورافعة لواء وحدتها) باتت اليوم، بفعل السياسات الإسرائيلية، المرشّح الأبرز، وربما الوحيد، في المشرق العربي، المهدّدة جدّياً بوحدتها، وانهيار كيانها السياسي الذي ظهر بصورته الحالية عام 1923.
لقد استغلّت إسرائيل ظروف الأزمة السورية، والسياسات الكارثية التي تبنّاها نظام الأسد في معالجتها، لإضعافها وتدمير قدراتها العسكرية، واستخدمت استراتيجية تصعيد متدرّج ضدها على مدى عقد (2013 - 2024) إلى أن قرّرت عشية سقوط الأسد تدمير ما تبقى من أشلاء قدراتها العسكرية. لم تكتف إسرائيل بذلك، بل احتلّت أجزاء إضافية من الأرض السورية، وتتبنّى حالياً سياسة تفتيتها إلى كانتوناتٍ طائفية، عبر تدخّلها بذريعة حماية الأقليات، والتخويف من سياسات النظام الجديد.
حاولت الإدارة السورية الجديدة، منذ وصولها إلى الحكم، تفادي الصدام مع إسرائيل، فتجنّبت حتى التعليق على اعتداءاتها، اعتقاداً منها أنها تطمئن إسرائيل بذلك إلى توجهاتها على أمل أن تكفّ عنها. لا بل ذهب نشطاء محسوبون على الإدارة الجديدة إلى اعتبار تدمير إسرائيل قدرات جيش النظام المنهار، شأناً لا يعنيهم، لأن هذا الجيش وعتاده كانا الخصم الفعلي للشعب السوري. اليوم، ومع تحوّل إسرائيل تهديداً وجودياً لسورية، وتحدّيّاً لوحدتها ونظامها الجديد، ما عاد بالإمكان الاستمرار في غرز رؤوسنا في الرمال درءاً للخطر، بل صار محتّماً فعل شيء لمواجهته، فما هي الخيارات التي تملكها سورية الجديدة؟
الخيار الأول؛ استعادة شيء من توازن القوى، ليصير بإمكان سورية الدفاع عن نفسها. لكن هذا الخيار يحتاج مالاً كثيراً لا تملكه سورية حاليّاً لتعويض العتاد الذي دمّرته إسرائيل، وإلى سنوات من البناء والتدريب والإعداد (ثلاث إلى خمس سنوات)، هذا في حال، طبعاً، أوقفت إسرائيل اعتداءاتها، وسمحت لسورية بإعادة بناء قدراتها العسكرية.
الخيار الثاني؛ الاحتماء بقوة إقليمية أو دولية (تركيا أو روسيا). وهذا أيضا غير متاح، لأن تركيا ليست في وارد الدخول في مواجهة مع إسرائيل بسبب سورية، كما أوضحت ذلك علناً، كما أنها باتت تلزم الحذر أكثر، في ما يتعلّق بخطط زيادة وجودها العسكري على الأراضي السورية، بعد الضربات التي وجّهتها إسرائيل للقواعد المحتمل لتركيا التمركز فيها، مثل مطار حماة ومطار التيفور وغيرها. والاحتمال الأرجح هنا نشوء تفاهم (تقاسم نفوذ) تركي- إسرائيلي في سورية، لكن هذا لن يحمي دمشق والجنوب السوري بالضرورة لأنها ستتحوّل، في هذه الحال، منطقةَ نفوذٍ (عمليات إسرائيلية) في مقابل اقتصار النفوذ التركي على الشمال وصولاً إلى حماة. أما روسيا، فهي، أيضاً، وبخلاف التعقيدات التي ما زالت قائمة في علاقتها بالنظام السوري الجديد، لن تدخل في مواجهة مع إسرائيل من أجل أحد، وهي لم تفعل ذلك من أجل حليفها السابق (بشّار الأسد) فلماذا تفعل ذلك من أجل نظام تساورها بشأنه الشكوك. العرب أيضاً لا يبدو أنهم قادرون على التأثير في السياسات الإسرائيلية تجاه سورية، ولن تقدّم بيانات الاستنكار، التي يُمطرون إسرائيل بها بسبب اعتداءاتها على سورية، في شيء أو تؤخّر.
الخيار الثالث المتاح حالياً يتمثل في سدّ الذرائع في وجه التدخلات الإسرائيلية، والاستقواء بالداخل السوري في مواجهتها بدل البحث عن الحماية منها في الخارج، وهذا لن يجري إلّا بتبني خطاب وطني جامع يعالج الشروخ الاجتماعية العميقة التي مزقت البلد على مدى سنوات الصراع، واضطلاع الدولة بواجب حماية كل مواطنيها، وإشراكهم في إعادة بناء مؤسّساتها، بحيث يشعر كل سوري أنه جزء من هذه الدولة، ومواطن أصيل فيها، يتساوى في الحقوق والواجبات مع بقية المواطنين، فيصبح مستعدّاً للدفاع عنها، طالما أنها تدافع عنه، عندها لا تعود هناك "أقليات" تتذرّع إسرائيل للتدخّل بحمايتها، ومحاولة تفتيت سورية على مذبحها، بل سورية واحدة موحدة تقف في وجهها.