خفض التصعيد "سياسياً" إلى أين؟
23.09.2021
بشار الحاج علي
سوريا تي في
الاربعاء 22/9/2021
هل ستنهي تكتيكات خفض التصعيد قوى الثورة والمعارضة سياسيًا كما تم تحجيمها وإضعاف دورها ميدانيًا؟
يعرف مصطلح خفض التصعيد بالسيطرة ووقف الأعمال القتالية والمواجهة في المدن والأراضي، بهدف خلق مناطق أقل توترًا وأكثر أمنًا للسكان، حيث لا ترقى لتكون مناطق آمنة تماما لكنها أقل خطورة.
وظهر هذا المصطلح كحالة في الواقع السوري عام 2017 في أحد اجتماعات ثلاثي آستانة الذي يتكون من روسيا وتركيا وإيران بصفتهم فاعلين على الأراضي السورية ولهم نفوذ على القوى العسكرية المتصارعة حيث تم توقيع ما سمي اتفاقات خفض التصعيد بين هذه الدول، وليس الأطراف السورية، لكن بصفتها قوى ضامنة لأطراف تحت نفوذها أو لنقل لها تأثير عليها.
وفي الواقع كانت هذه الاتفاقات تمثل تكتيكات اتبعتها هذه القوى الإقليمية لإدارة الصراع وتحقيق مصالحها التي ليست بالضرورة تلتقي مع مصلحة السوريين عموما، مما انعكس بشكل سلبي على قوى الثورة والمعارضة وجعلها تنحسر وتفقد السيطرة على مساحات واسعة ومدن وقرى وإعادتها إلى سلطة الدكتاتورية وسلمت الكثير من الناشطين والثوار والمدنيين لقوى الاعتقال والقتل، وتركتها رهينة لانعدام الأمن والخدمات ومتطلبات العيش بعد أن دمرتها قوى البراميل والصواريخ، وأصبحت ساحة للخطف والاغتيالات.
ورويدًا رويدًا أدت اتفاقات خفض التصعيد لقضم مناطق الثورة والتي سميت بالمناطق الخارجة عن سيطرة السلطة الحاكمة لتصبح "شكلاً" تحت هيكل الدولة السورية بينما هي مساحة للانفلات من المحاسبة وللتصفيات وللتفريغ من المطالبين بالتغيير، وأصحاب الرأي.
بالإضافة لذلك انعكست سلبًا على القدرة التفاوضية وقوة الموقف في المحافل الدولية والعملية السياسية في جنيف وإمكانية الضغط من خلال المطالبة بالحل السياسي وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، حيث أصبح التأثير محدودًا ومحكومًا بإرادة الدول الضامنة، في حين أعطت للسلطة الدكتاتورية وحلفائها الفرصة والقدرة على التملص والتسويف.
وهكذا انتقلت تكتيكات خفض التصعيد من الميداني العسكري إلى السياسي المحلي والدولي حيث مصالح الدول المتدخلة على مصالح الشعب السوري بشكل عام وعلى حساب الثورة والمعارضة بشكل أكبر.
وما يثير الاهتمام حاليًا وهو جدير بالوقوف عنده وإيجاد حلول مناسبة قبل الندم ساعة لا ينفع الندم أن يقع السوريون باتفاقات خفض تصعيد سياسي على غرار سابقاتها من الميداني العسكري.
بمعنى أن يتم تفريغ الثورة والمعارضة من شرعيتها من خلال سحب التسويات المحلية لجعلها بمنزلة حل سياسي وتسويق معارضات داخلية مخترقة وموالية أو غير قادرة على الفعل واستخدامها في تفكيك قوى الثورة والمعارضة ولي عنق القرارت الأممية وتطويعها لتكون الطريق في تعويم الدكتاتورية خاصة في ظل انشغال دولي بملفات أخرى وتراجع أهمية سوريا والشعب السوري في الأجندة الدولية سواء بسبب التناقضات في رؤية الحل أم لتطورات أخرى على الساحة السياسية الدولية خاصة في شرق آسيا، والتنافس الأمريكي الصيني، وتطورات الشراكة الأمريكية - البريطانية - الأسترالية، وما نتج عنه من توتر مع فرنسا…
ولهذا يجب على السوريين كل السوريين الحفاظ على الحد الأدنى الذي يلبي طموحات الشعب السوري في التغيير من خلال التمسك بشرعية جنيف وشرعية الانتقال السياسي من خلال القرار 2245 والذي ينص على ضرورة إيجاد حكم شامل للجميع ذي مصداقية وتحقيق بيئة آمنة والعودة الطوعية للاجئين المهجرين.
ولا يمكن ذلك دون تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة المجرمين.
وهذا يتطلب الحفاظ على المؤسسات الممثلة لقوى الثورة والمعارضة لأنها الطرف السوري الرسمي كممثل عن الشعب السوري وخاصة الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة وما تلا ذلك من مؤسسات مثل هيئة التفاوض السورية.
وهذا يحتم الاستمرار في إصلاح هذه المؤسسات ورفدها بالخبرات وتقديم الاستشارات.
ولابد أيضًا من تشكيل رأي عام سياسي ضاغط متمسك بالقرارات الأممية ذات الصلة بالحل السياسي وهذا يتطلب من الفاعلين السوريين على اختلاف وجهات نظرهم ومرجعياتهم الفكرية والسياسية، أن يلتقوا ليضعوا هذا الحد كحد أدنى مقبول للبدء في التغيير الديموقراطي بما يحقق كرامة السوريات والسوريين.
ويكون هذا اللقاء الوطني بمنزلة موقف ورسالة موحدة للداخل لكل السوريات والسوريين وللخارج لكل الفاعلين الدوليين ليقف الجميع أمام مسؤليتهم في صيانة أمن وكرامة الشعب السوري.
إن الانشغال الدولي يجب ألا يدفعنا للقبول أو للسكوت فنحن قضيتنا سوريا أولًا وأخيرا وأجندتنا سورية وليس اهتمامات القوى الدولية وأجنداتها.
ولهذا فإن لقاء وطنيا للفاعلين والناشطين السياسيين لا يتطلب الكثير من الإعداد ولا الورقيات بل الإرادة والدافع الوطني والإنساني لتأدية الواجب في التأكيد على احترام سيادة سورية واستقلالها والمطالب المحقة بنظام ديمقراطي حقيقي يشمل الجميع، وفقًا للقرارات الأممية.
وإعادة توجيه البوصلة الوطنية بشكل عام فمن هم خارج تأثير العصابة وخارج الارتهانات هم أمل الجميع، وربما دق ناقوس الخطر لمصلحة القوى السياسية المعارضة أيضًا لأن انتهاج تكتيكات "خفض التصعيد السياسي" هدفها إنتاج معارضة داخلية على نمط الجبهة الوطنية التقدمية المحكومة من حزبيي البعث والأمن.
إن استمرار هذه السلطة الحاكمة والمغتصبة للدولة السورية سيؤدي لانهيارها وما يلاحظ من هجرة كبيرة من داخل سورية إلى خارجها وخاصة من مناطق سيطرة المنظومة الحاكمة ما هو إلا مؤشر على خطورة بقائها على سوريا شعبًا وأرضًا.