تأملات في هذا العالم .. (خاطرة)
28.02.2024
د. محمد رفعت زنجير
تأملات في هذا العالم .. (خاطرة)
د. محمد رفعت زنجير
***
أولادك يا أبانا آدم..
طول الدهر وهم:
يتجادلون..
ويتهاوشون..
ويتقاتلون فيما بينهم..
سلخ بعضهم جلود بعض
ونهب بعضهم بعضا
لم يبق شر إلا فعلوه..
ولا دم إلا سفكوه..
ولا فساد إلا زينوه..
ولا منكر إلا استحسنوه..
فتكاد لا تجد أثرا لأخوة بينهم ولا حبا ولا رحمة..
دمروا الطبيعة ..
وأحرقوا الأشجار..
وسدوا الأنهار ...
ولوثوا البحار...
وهم في غيهم سادرون
وإلى نهاية العالم يتسابقون...
لقد صار هذا الوجود كغابة سوداء
وحوش تتصارع ...
جلود تسلخ..
أحساد تقطع إربا إربا..
وأرواح بريئة تنزع..
ومعمعة الموت وحممه لا تكاد تنتهي..
هم وغم وموت يصبغون الآفاق...
وأشباح وعفاريت تتراقص في كل مكان
وسموم قاتلة منتشرة..
ودم يلون الطبيعة في كل اتجاه
***
ولكن برغم هذا كله
فهنالك بينهم نجوم ساطعة...
إنهم الأنبياء والمرسلون
فهم الدرر السماوية التي تبدد وحشة الظلام..
وبين هذه النجوم الأنيقة هنالك بدر يتلألأ هو محمد صلى الله عليه وسلم...
ونظرة واحدة في ليلة داجية نحو السماء المرصعة بالنجوم وهي تحف القمر الوضيء تذهب بهموم الدنيا وآلامها وأحزانها أدراج الرياح...
وتشرق شمس الأمل في قلوب عشاق النور الإلهي..
وبصائر العارفين بشئون الحق والخلق....
شكرا أبانا آدم
فكل الشر الذي فعلته ذريتك ...
يكاد يتلاشى أمام ما فعله الصفوة من أبنائك...
وعلى رأسهم محمد الشاهد المبشر النذير والسراج المنير.
وهنا ينجلي سر قوله تعالى للملائكة حين أخبرهم بقصة الخلافة في الأرض.. فتساءلوا عن الحكمة في خلقهم وهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء!؟،.
فأجابهم: (إني أعلم ما لا تعلمون).
***
الناس تاهت بالأفلاك..
والأفلاك تتوه بمحمد
يكفيك أبي آدم فخرا
أن من نسلك جاء الأنبياء والرسل، وأولو العزم منهم...
وفي مقدمتهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
فاسم محمد هو دليل الرشد والفلاح والرحمة للناس جميعا..
وهو روح الآمال لنهضتنا وأمتنا
وبه أخرجنا الله من الظلمات إلى النور...
صلى وسلم عليك الرحمن يا أبانا آدم، فالطاهر المطهر محمد هو قلادة العقد من ذريتك الكريمة.
***
كثير من العقلاء يترددون في قبول قول المتنبي:
أبوكم آدم سن المعاصي
وعلمكم مفارقة الجنان
وذلك لأن:
آدم هو سبب وجودنا..
والوجود نعمة
وهو سبب تكريمنا حيث سجدت له الملائكة..
وهو سبب علمنا لأن الله علمه الأسماء كلها..
وهو سبب عواطفنا وأحلامنا وآمالانا مع أمنا حواء، وهي شريكته في المسير والمصير...
وإنما الذي دفعه للمعصية دفعا كان هو الشيطان الرجيم...
والإنسان بطبعه ينسى ويخطئ ويغفل وينام...
وآدم أول من علمنا علاج ذلك كله بالتوبة والندم والاستغفار...
والتائب من الذنب كمن لا ذنب له!
ما أكثر محاسنك يا أبانا آدم!
ولله در ابن نباته المصري القائل:
وإذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ
جاءت محاسنه بألفِ شفيع
***
كان أمر الله منذ البداية أن ينشئ:
خلقا لا يعصونه فكانت الملائكة مخلوقة من نور وهم يمثلون الخير..
وخلقا يعصونه، فكانت الشياطين مخلوقة من نار وهم يمثلون الشر..
وخلقا بين هؤلاء وهؤلاء .. يطيعونه مرة ويعصونه أخرى... فكانت ذرية آدم المخلوق من طين، يرشد بعض ذريته فيكونون بطهر الملائكة حينا، ويخبث بعضهم فيكونون بتمرد الشياطين وقذارتهم أحيانا أخرى...
***
أقدار الله تعالى نافذة لا محالة، ولا يكون إلا ما يريده الحكيم العليم..
جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال:
(حاجَّ مُوسَى آدَمَ، فقالَ له: أنْتَ الذي أخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الجَنَّةِ بذَنْبِكَ وأَشْقَيْتَهُمْ!
قالَ: قالَ آدَمُ: يا مُوسَى، أنْتَ الذي اصْطَفاكَ اللَّهُ برِسالَتِهِ وبِكَلامِهِ، أتَلُومُنِي علَى أمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَنِي - أوْ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أنْ يَخْلُقَنِي؟!
قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى).
الراوي : أبو هريرة،المحدث : البخاري
***
آخر الكلام:
الوجود بكل مافيه نعمة ورحمة وحكمة..
وهو وجود مشرق خير وجميل...
والحياة بكل مراراتها وأفراحها حلوة رائعة لذيذة ..
وسترتوي يوما ما حبات الرمال الظمأى بقطر المطر
ومن كان مع الله لا يبالي...
هذا الشر كله كزبد السيل لا قيمة له، سيمر وينقضي..
وما ينفع الناس من الماء العذب الفرات سيبقى في الأرض..
يرتوي منه البشر والطير والحيوان، والنبات، وحتى الحجر..
***
اللهم صل على من وصيت الأنبباء الكرام أن يؤمنوا به وينصروه...
فهو شمس الهدى والسراج المنير الذي لا ينطفئ نوره أبدا... قال تعالى:
﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾.
سورة آل عمران (81).
صدق الله العظيم