الرئيسة \  تقارير  \  بسبب نقص الدعم في شمال سوريا : الحكومة المؤقتة تتجاهل محصول القمح

بسبب نقص الدعم في شمال سوريا : الحكومة المؤقتة تتجاهل محصول القمح

10.06.2024
منهل باريش



بسبب نقص الدعم في شمال سوريا : الحكومة المؤقتة تتجاهل محصول القمح
منهل باريش
القدس العربي
الاحد 9/6/2024
 يسجل عدم شراء الحكومة المؤقتة القمح كنقطة ضعف كبيرة في سجلها إلى جانب عدم مقدرتها على استعادة الكثير من المؤسسات العامة التي يفترض انها ضمن ملكيتها.
تتجاهل الحكومة السورية المؤقتة موسم حصاد القمح في مناطق عملها في ريف حلب الشمالي وريفي الرقة والحسكة، وتتجنب تسعير القمح للموسم الزراعي لهذا العام، بخلاف حكومة الإنقاذ في شمال غرب سوريا والتي تدير أجزاء من محافظة إدلب وريف حماة الشمالي وجزءا من ريف حلب الغربي، حيث حددت أسعار القمح للموسم، نهاية أيار (مايو).
وأعلنت وازرة الاقتصاد أن سعر القمح من الدرجة الأولى هو 310 دولارات أمريكية للطن الواحد، تتسلمه المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب التابعة لها، وجاء في نص القرار رقم 159 الذي اطلعت عليه “القدس العربي”: “تكلف المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب بوضع التعليمات التنفيذية لتطبيق أحكام هذا القرار” وعزت الوزارة قرارها انه جاء بناء على “الاجتماع الذي عقد مع وزير الزراعة والري، والاتحاد العام للفلاحين، والفعاليات الزراعية والتجارية والمؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب، لمناقشة تكاليف إنتاج محصول القمح، وآلية استلامه للعام الحالي”. وتقوم المؤسسة بتسليم ثمن الأقماح بعد شهر من تاريخ التسليم وهي مدة زمنية مقبولة للمزارعين تمنع من توجه قسم كبير منهم البيع لتجار الحبوب.
حول الكلفة المقدرة، قدر المزارع (محمد. ب) في اتصال مع “القدس العربي” متوسط كلفة إنتاج الطن في ادلب بنحو 260 دولارا في حال سقاية المحصول على الطاقة الشمسية. وأضاف “تقوم الحكومة بطحن القمح وبيعه بأسعار السوق بسعر التكلفة تقريبا بهدف العمل على استقرار السوق وعدم التلاعب بالأسعار قدر الإمكان”.
ويطابق السعر المحدد من قبل حكومة الإنقاذ السعر الذي حددته “هيئة الزراعة والري” في الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا، واللافت أن قرار الإنقاذ صدر بعد يوم من تسعير كيلو القمح من قبل الإدارة الذاتية في 26 أيار (مايو) الماضي، حيث حددت الأخيرة سعير الكيلوغرام الواحد بـ 0.31 سنت من الدولار (310 دولارات للطن الواحد).
والجدير بالذكر أن حكومة الإنقاذ كانت حددت سعر الكيلو للموسم الزراعي عام 2023 بـ320 دولارا للطن الواحد، 420 دولارا للطن عام 2024. ويشير الانخفاض الكبير في تحديد السعر الى عدم رغبة حكومة الإنقاذ بالالتزام بشراء سعر القمح، وساعدها بذلك تراجع زراعة القمح في محافظة إدلب وجوارها لأسباب متعددة أولها توقف المزارعين عن زراعة القمح في المناطق القريبة من خطوط التماس بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري خشية القصف المستمر والذي أدى إلى احتراق المحاصيل الزراعية، إضافة إلى كلفة الإنتاج العالية بسبب ارتفاع سعر المحروقات في إدلب، وعدم تمكن المزارعين من تركيب شبكات الطاقة الضوئية بسبب كلفتها الكبيرة تارة وعدم تلبيتها حاجة المزارعين من السقاية الليلية وهو ما يعيق دورة السقاية لمحصول القمح. وتقدر الإحصائيات غير الرسمية كمية القمح القاسي المزروعة في إدلب وجوارها بنحو 100 ألف طن فقط.
أما في مناطق سيطرة الحكومة المؤقتة فقد تجنبت وزارة المالية والاقتصاد تحديد سعر شراء القمح للموسم الزراعي الحالي بسبب عدم توفر الدعم اللازم المقدم عادة من الصندوق الائتماني لإعادة إعمار سوريا، وتراجع الدعم الكبير الذي يقدمه الصندوق للمؤسسة العامة للحبوب التابعة للحكومة المؤقتة منذ العام الماضي، حيث قدم العام الماضي الدعم المباشر 12.438 مزارع ضمن 51 جمعية للمزارعين وبمساحة تقدر بـ 26.321 هكتار، وحصدوا حوالي 100 طن من القمح، حسب تقرير انجاز الصندوق لعمل العام 2023. في حين كان الصندوق يقوم بتقديم الدعم للمزارعين لزراعة كافة المحاصيل ويلتزم بتقديم الدعم للمؤسسة العامة للحبوب لشراء المحاصيل، وأدى وقف الصندوق لهذا الدعم العام الماضي والحالي، إلى امتناع المؤسسة العام للحبوب من تحديد سعر القمح، ومن المتعارف عليه أن تحديد السعر يعني عمليا شراء المحصول من المزارعين.
وفي السياق، عزا مدير المؤسسة العامة للحبوب ثابت محمد سبب عدم تحديد سعر القمح رغم قرب انتهاء موسم حصاد القمح إلى “عدم وجود التمويل اللازم من الجهات الداعمة”.
وتحتاج الحكومة السورية المؤقتة حسب مصدر في وزارة المالية إلى نحو 70 مليون دولار أمريكي لشراء محصول القمح في مناطق سيطرة المعارضة، مشيرا إلى أنها “تمتلك نحو 5 ملايين دولار فقط من المبلغ المطلوب”.
في سياق آخر، استجابت الحكومة التركية لطلبات أصحاب الحصاد بإدخال آلياتهم من منطقة عملية “درع الفرات” بريف حلب الشمالي إلى منطقة عملية “نبع السلام” في ريفي الرقة الشمالي والحسكة الغربي، وأدخلت قرابة 60 من معبر جرابلس عبر الأراضي التركية وصولا لمعبر تل أبيض، حيث يبدأ موسم حصاد الحبوب في شرق سوريا قبل موسم شمال وشمال غرب سوريا بسبب ارتفاع درجات الحرارة في الشرق. ومن المتوقع حسب تقدير المصدر في وزارة المالية أن تبلغ كمية الموسم الحالي من القمح فقط نحو 200 ألف طن، في حين يقدر موسم الشعير بحدود 300 ألف طن.
وتسيطر فصائل الجيش الوطني السوري على كامل صوامع الحبوب في منطقة “نبع السلام” منذ توقف المعركة التي شنتها تركيا وفصائل الجيش الوطني ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في تشرين الأول (أكتوبر) 2019. ورغم حجم الدمار الكبير الذي لحق ببعضها فإن صوامع الحبوب التي ما زالت في الخدمة هي 7 ترفض الفصائل تسليمها إلى وزارة المالية والاقتصاد وتعتبرها غنيمة حرب وتشترط على الوزارة دفع مبالغ مالية كبيرة من أجل إخلائها، والمفارقة أن الفصائل من الناحية النظرية تتبع إلى وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة.
وتقدر كلفة زراعة الهكتار الواحد (10 دونمات) في الرقة والحسكة من القمح ما يقارب 1400 دولار أمريكي في حال الاعتماد على المحركات التي تعمل بواسطة المازوت، وتنخفض الكلفة إلى قرابة 1000- 1100 دولار في حال الاعتماد على شبكات الطاقة الضوئية. ويبلغ متوسط إنتاج الهكتار الواحد قرابة 3.5 ـ 4 طن، وفي حال جرى تحديد سعر الطن بـ 310 دولارات كما فعلت الإدارة الذاتية التي تسيطر على المناطق المتاخمة فهذا يعني أن الضرر سيلحق بالمزارعين في المنطقة كما حصل لدى المزارعين في مناطق الإدارة الذاتية التي حددت السعر بـ 310 دولارات وفرضت عليهم بيعه لصالح هيئة الزارعة والري.
عدم تدخل الحكومة المؤقتة في تحديد سعر القمح وشرائه من المزارعين يتركهم تحت رحمة التجار ويدفعهم للبيع بأسعار ربما تكون أقل من التكلفة في كثير من الأحيان، كما يساعد على تشجيع تهريب المحصول من منطقة “درع الفرات” إلى مناطق سيطرة النظام أو إلى مناطق سيطرة ““قسد” من منطقة راس العين وتل أبيض، ويكون المستفيد الوحيد فيها شبكات أمراء الحرب بين الجانبين. أخيرا يسجل عدم شراء الحكومة المؤقتة كنقطة ضعف كبيرة في سجلها إلى جانب عدم مقدرتها على استعادة الكثير من المؤسسات العامة التي يفترض انها ضمن ملكيتها، عدا عن كونها غير قادرة على تنظيم عمل الفصائل في الجيش الوطني وتحديد صلاحياتها ومنع تغولها ضد أرزاق الناس وممتلكاتهم وحيواتهم.