الرئيسة \  تقارير  \  القصف الإسرائيلي وردود دمشق : هل تجرّ إسرائيل الشرع إلى تغيير قواعد الصراع؟

القصف الإسرائيلي وردود دمشق : هل تجرّ إسرائيل الشرع إلى تغيير قواعد الصراع؟

07.05.2025
منهل عروب



القصف الإسرائيلي وردود دمشق : هل تجرّ إسرائيل الشرع إلى تغيير قواعد الصراع؟
منهل عروب
سوريا تي في
الثلاثاء 6/5/2025
تحاول الإدارة السورية الجديدة تجنب أي صدامات خارجية، وبالطبع إسرائيل من ضمنها. منها أسباب واضحة أهمها عدم وجود جيش وطني مزود بأسلحة نوعية قادرة على الردع. ومنها أسباب غير مباشرة من تكوين تحالفات استراتيجية، وحلفاء قادرين على الوقوف معها، إضافة إلى افتقارها إلى الأوراق السياسية "الواضحة" التي يمكن أن تمارس من خلالها الضغط على إسرائيل أو حلفائها. يشكل وضوح الأوراق وليس فقط وجودها العنصر الأهم لأي دولة تخوض صراعاً ما؛ لأن معرفة الحدود والضوابط والإمكانيات تصوغ إلى حدّ كبير طبيعة الرد، والمكاسب والخسائر وأيضاً المقايضات التي ستحصل في نهاية المطاف.
سوريا ليست استثناء في هذا السياق فالحكومة السورية الجديدة لا تفتقد إلى الأوراق: فالموقف الأوروبي الداعم للاستقرار السوري له سبب واضح وهو ورقة اللاجئين. والاعتراض السعودي القوي واللافت على الاعتداء الإسرائيلي بسبب الرغبة بوجود حكومة سورية قوية معادية لإيران وقادرة على وقف تمدّدها والتصدي لأذرعها في المنطقة، يؤيدها الأميركان في ذلك، وورقة حزب الله وملاحقة طرق تهريب السلاح إليه. إضافة إلى مراقبة العمل "الفصائلي" الفلسطيني على الأراضي السورية أيضاً هي ورقة فاعلة على الصعيد الإقليمي والدولي. وأخيراً صياغة العلاقة السورية ـ الروسية وحدودها تشكل أحد هواجس الأوروبيين أيضاً. لكن التغيرات التي حصلت، وانهيار القوى القديمة، شكّل دينامية جديدة، تحتاج إلى وقت لترسيخ قواعد صراع جديدة (مكتوبة وغير مكتوبة)، تحكم القوى المتصارعة مع وحول سوريا.
الاعتراض السوري الشكلي أو لنقل البائس على الاعتداءات الإسرائيلية ليس جديداً، فقد مارسه النظام البائد لعشرات السنين، ولكن الفرق أن هناك ترتيبات واتفاقيات غير مكتوبة حكمت العلاقة بينهما، واستمرت فاعليتها سنوات طويلة. بل إن دولة الاحتلال وثقت بسلوكيات الأسد أكثر من النظام الأردني على سبيل المثال، والذي تحكمه اتفاقيات دولية مكتوبة! في حين لا تثق إسرائيل بـ"النظام السوري الجديد"، لأن الأوراق وقواعد اللعبة التي تحكمها غير واضحة بعد، ناهيك عن رغبة إسرائيلية بتغييرها، لأنها تعتقد أن موازين القوى والظروف الدولية تغيرت بانهيار المشروع الإيراني وأذرعه، وتمتلك فائض قوة يمكنها من إنجاز سريع وقوي ودائم.
عدم الثقة هذا جعل إسرائيل تصرّ (رغم عدم الرضا الأميركي) على حرمان النظام الجديد من الاستقرار ريثما تتوضح عدد من الأمور، منها رؤية النظام الجديد لقضية الجولان، وخريطة تحالفاته خصوصاً العسكرية منها، وطبيعة العلاقة السورية التركية وغيرها من الملفات، والتي تحتاج إلى وقت ليس بالقصير. ورغم أن دولة الاحتلال تعرف أن الطبيعة العقائدية للنظام الجديد توجهه نحو السعودية أكثر من تركيا، ولكن غرور القوة ـ ربما ـ إضافةً إلى مصالح نتنياهو السياسية، يجعلها تمارس أقصى درجات الضغط، مما يجرّ دمشق لاحقاً إلى تحالفات أو إجراءات لم تكن ترغب بها. كما أن التصريح الإسرائيلي غير المسؤول في دعم طائفة دينية سورية هو تجاوز للخط الأحمر السوري؛ لأنه يشكل خطراً وجودياً على دمشق؛ فهو من ناحية يحاول إظهار الرئيس الشرع بمظهر الضعيف، ومن ناحية أخرى أنه غير قادر على طرح خطاب وطني يوحد القوى والكيانات السورية تحت سلطة الحكومة المركزية، ويفرض السيادة على أراضيه.
على الطرف الآخر يمكن لتلك الاعتداءات الإسرائيلية أن تشكل فرصة كبيرة للشرع لبناء سردية وطنية تُوحد الداخل السوري، وتُظهره كـ"مدافع عن السيادة" وليس كـ"رئيس مرحلة انتقالية ضعيف"، ولكن ماذا لو تجاوزت إسرائيل الخطوط الحمراء وسلّحت ميليشيات درزية تقبل التعاون معها، على غرار التجربة المارونية في لبنان، أو فصائل الصحوة في العراق التي تعاونت مع الأميركان؟
يدرك الشرع جيداً أنه ورغم ضعف الإمكانيات بحاجة إلى تفعيل بعض الأوراق التي يمكن من خلالها أن يحدّ من الغطرسة الإسرائيلية، ويستطيع إرباكها ويجبرها على أن تعيد حساباتها
حتى اللحظة ورغم محاولات كبيرة لترسيخ موقف وطني للقيادات الدرزية، إلا أن هناك فئة يتناغم موقفها مع دروز إسرائيل مدفوعة بثلاثة اعتبارات: ضعف الموقف الوطني العام، والخوف من أسلمة الحكومة المركزية والرغبة في تحقيق مكاسب سياسية ومصلحية إضافية لا تتناسب مع حجمها في الوضع الطبيعي. ومهما كانت هذه الفئة قليلة إلا أنها تستطيع أن تشوّش على الموقف الدرزي العام. وإذا تعاونت مع إسرائيل يمكن لها أن تستجر دعماً أميركياً في حال الصدام السوري الإسرائيلي الصريح.
يدرك الشرع جيداً أنه ورغم ضعف الإمكانيات بحاجة إلى تفعيل بعض الأوراق التي يمكن من خلالها أن يحدّ من الغطرسة الإسرائيلية، ويستطيع إرباكها ويجبرها على أن تعيد حساباتها، خصوصاً في محاولاتها لاستثمار الأقليات في تفجير الوضع السوري. تشكل الشراكة الاستراتيجية مع تركيا أحد الحلول، لكنها محفوفة بمخاطر كثيرة أهمها عدم وضوح النوايا التركية تجاه الصراع السوري الإسرائيلي وكيفية التعامل معه. كما أنه في حال التوصل إلى توافق على إدارة الصراع في سوريا، يمكن أن يحول الأراضي السورية إلى ساحة حرب بالوكالة، وهذا ليس جديداً لا على السوريين ولا على الأتراك. وسيجرّ دمشق في حال الانضواء تحت المظلّة التركية إلى تقييد دبلوماسيتها الدولية ورهنها بالتفاهمات التركية ـ الأميركية والتركية ـ الإسرائيلية.
في خطابه الأخير ردّ الرئيس الشرع بشكل غير مباشر على الاعتداءات الإسرائيلية، وألمح إلى خطورة نتائجها؛ حيث إن عدم استقرار حكومة دمشق أو ضعفها سيقود إلى الفوضى. الجميع يعلم أن الفوضى ستتيح لكثير من التنظيمات المتطرفة بالظهور، حيث انعدام الحلول السياسية سيؤدي حتماً إلى ظهور الحلول العسكرية. أو ظهور مقاومة شعبية وحالة فصائلية تقود مقاومة مسلحة مضبوطة، تجرّ إسرائيل إلى حالة استنزاف طويلة الأمد، تجبرها على تفاهمات ما خلف الكواليس، وتحدّ من عربدتها. هذا ما لم يقله الشرع، ولكن ـ غالباً ـ في أثناء توجيه الرسائل الدبلوماسية يكون ما لم يقله أحد أطراف الصراع أبلغ بكثير مما قاله!