الرئيسة \  تقارير  \  السياسة التركية الجادّة لضبط إسرائيل

السياسة التركية الجادّة لضبط إسرائيل

14.04.2025
فاطمة ياسين



السياسة التركية الجادّة لضبط إسرائيل
فاطمة ياسين
العربي الجديد
الاحد 13/4/2025
أثير لغط بشأن جديد الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع عسكرية ومطارات في الداخل السوري، طاولت مناطق في حماة وحمص، وعلى إثرها خرجت تصريحات من تركيا وإسرائيل، فأكّد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أن بلاده لا تريد أن ترى أيّ مواجهة مع إسرائيل في سورية، لأن سورية ملك للسوريين. وكان نتنياهو قد قال أيضاً إن إسرائيل لا تسعى إلى مواجهة. أوضح الطرفان فور انقشاع دخان الغارات رغبتهما في تجنّب المواجهة.
السياق الذي تظهر فيه الضربات الإسرائيلية، والتصريحات التي أعقبتها، ينبئان بمحاولة جدّية لإيجاد مسافة كافية بين الطرفَين، مع تفهّم التضارب في المبادئ الذي يقود كليهما، فلتركيا الآن وجود فعلي في سورية، وهي من ساعد الإدارة الجديدة في الوصول إلى الحكم، وتتمتّع باحترام وتقدير منها، والجانب السوري يحاول بناء أفضل العلاقات مع تركيا خصوصاً في الشقّ العسكري، وهذا ما جعل إسرائيل تبدي توجّساً، وتتحرّك بمنطق ردّة الفعل الفوري، الذي عادة ما يأتي عنيفاً من حكومة نتنياهو، وهو ما حاولت تركيا امتصاصه ومحاولة بناء بروتوكول جديد ينظّم العلاقة بينهما، منعاً للتصعيد المتزايد.
تؤمن تركيا بأن الإدارة السورية الجديدة تحتاج بشدّة إلى الهدوء من أجل العمل المثمر، وقد تمادت إسرائيل في عملياتها العسكرية، وخاصّة التي تطاول مناطق الوسط السوري التي تبرّرها إسرائيل تحت عنوان "تدمير سلاح النظام البائد"، رغم أن هذا العنوان سقط بسقوط النظام نفسه. لذا، كان التدخّل التركي مطلوباً، فالحديث وجهاً لوجه مع إسرائيل أمر يتجاوز رغبة القيادة الحالية السورية، فرغم تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع بأن سورية ليس لديها نيات عسكرية ضدّ أحد، نظراً إلى التحدّيات الداخلية التي تواجهها في أكثر من صعيد، إلا أن إسرائيل تصرّ على عدم وجود أيّ من أنواع القدرات العسكرية في حدودها، وقد كانت تفاهماتها مع نظام الأسد تؤمّن حدودها، إذ التزم الأسد بخطوط تماسّه العسكرية باردةً إلى حدّ التجمّد، ما أحدث حالة من الطمأنينة، توحي إسرائيل اليوم بأنها حالة لم تعد مضمونةً بوجود مجموعة حاكمة جديدة ذات شكل إسلامي.
يدخل الرئيس الأميركي ترامب في خطّ التفاهم مع تركيا وإسرائيل، والأخيرة تدرك وجود علاقة حارّة تربط ترامب وأردوغان، وتريد أن تستثمر في العلاقة مُحاوِلةً كشف النيّات التركية حول سورية من النواحي العسكرية، وترغب بتطمينات يضمنها ترامب لتبقى حدودها مع سورية هادئةً لتتجنّب فتح جبهة جديدة، وكانت إسرائيل قد تصرّفت بشكل منفرد عقب سقوط الأسد باختراق الشريط الأمني العازل المحاذي للجولان والصعود إلى جبل الشيخ، فتشرف على المنطقة الحدودية، ولم يبالِ القادة الإسرائيليون بتحذيرات أممية عديدة في هذا الشأن. وبعد أن أمّنت حدودها المباشرة، ترغب إسرائيل في مزيد من الأمان يحميها من أيّ هجمات مباغتة بمسيّرات أو تسلّلات عسكرية، وتعتقد إسرائيل أن علاقة تركيا بالإدارة السورية الجديدة تؤهّلها لمنح ضمان من هذا النوع.
يدرك حكّامُ دمشق الجدد حاجةَ سورية العسكرية الملحّة إلى تركيا في هذه المرحلة، وكذلك يعرفها الأتراك، فالدولة بدأت من مرحلة ما قبل الصفر بلا أيّ بنية عسكرية، وقد تم استهلاكها أو تدميرها في مدى السنوات السابقة في أتون الحرب على الشعب السوري أو تحت ضربات القوات الإسرائيلية، وهي بحاجة إلى إعادة بناء كلّي، لضرورة الجانب العسكري في تحقيق الأمن والاستقرار في سورية، التي تقع في فالق سياسي خطير جدّاً، وخصوصاً في وجود دول إقليمية لا تُخفي موقفها المعادي لسورية، والدور التركي مطلوب لتحقيق التوازن، وإسرائيل تعرف ذلك وتدركه، وتؤمن بضرورة إبعاد إيران عن المشهد، أو تحييدها نهائياً، ومحادثات اليوم بين تلّ أبيب وأنقرة، التي وصفها فيدان بالفنّية، تصبّ في هذا الإطار، ومن المتوقّع أن نجد تعاوناً سورياً تركياً واسعاً تحت نظر وسمع إسرائيل، ومن دون اعتراض أميركي، أو حتى روسي.