الرئيسة \  تقارير  \  التعافي الاقتصادي في سوريا : الواقع والتوقعات

التعافي الاقتصادي في سوريا : الواقع والتوقعات

07.05.2025
نبراس إبراهيم



التعافي الاقتصادي في سوريا : الواقع والتوقعات
نبراس إبراهيم
سوريا تي في
الثلاثاء 6/5/2025
بعد أكثر من عقد ونصف على اندلاع الصراع السوري، يقف الاقتصاد الوطني اليوم عند مفترق طرق حاسم، تتنازعه تحديات الانهيار العميق من جهة، وبوادر أمل خجولة بالتعافي من جهة أخرى. فبينما تبرز مؤشرات أولية على بدء مناقشات رسمية مع مؤسسات دولية كالبنك الدولي حول آليات دعم الاقتصاد السوري وتيسير التحويلات المالية، إلا أن الواقع الميداني والبيانات الأممية ترسم صورة أكثر تعقيداً وتحدياً.
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن الاقتصاد السوري انكمش بمقدار الثلثين منذ عام 2011، وفقدت الليرة السورية نحو ثلثي قيمتها خلال عام 2023 فقط، ما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم الاستهلاكي إلى 40% عام 2024.
يعيش نصف السكان في سوريا في فقر مدقع، وتضاعف معدل الفقر ثلاث مرات ليصل إلى 90%، في حين ارتفع الفقر المدقع إلى 66%، مع تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 800 مليار دولار خلال 14 عاماً. كما أن ربع السكان عاطلون عن العمل، وأكثر من 40% من الأطفال خارج المدارس، ما يعكس عمق الأزمة الإنسانية والاجتماعية المرافقة للانهيار الاقتصادي.
وإن الاقتصاد السوري يواجه حاليا أزمة هوية هيكلية، تتجلى في غياب رؤية تنموية واضحة وتذبذب السياسات. كما تعمقت الانقسامات الاقتصادية مع نشوء أربع مناطق اقتصادية مستقلة، لكل منها نظامها المالي وسياساتها التجارية، مما خلق تفاوتاً حاداً في مستويات المعيشة وأعاق تحقيق تعافٍ اقتصادي حقيقي. وتبقى العقوبات الاقتصادية الغربية أحد أبرز العوائق أمام أي مساعٍ جدية للتعافي، حيث إنها تسهم في تعميق الأزمة الإنسانية وتعطيل إعادة الإعمار.
تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الاقتصاد السوري لن يستعيد مستواه ما قبل الحرب حتى عام 2080 إذا استمرت معدلات النمو الحالية البطيئة.
إلى جانب ذلك، يواجه الاقتصاد تحديات إضافية تتعلق بتغير المناخ وتفاقم موجات الجفاف، ما أثر على القطاع الزراعي، أحد أعمدة الاقتصاد الوطني، وأبرز الحاجة الملحة لإعادة تأهيل البنية التحتية الزراعية وتبني تقنيات حديثة لضمان الأمن الغذائي.
وتطرح تقارير أممية سيناريوهات متعددة لمسار التعافي الاقتصادي في سوريا. في السيناريو المتفائل، يمكن أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 13% سنوياً بين 2024 و2030 إذا ما تم تنفيذ إصلاحات جريئة وحظيت البلاد بدعم دولي كافٍ، إلا أن هذا النمو لن يعيد الاقتصاد إلى مستواه قبل الحرب إلا بحلول نهاية العقد، ولن يصل نصيب الفرد من الناتج المحلي إلا إلى نصف مستوى عام 2010. أما السيناريو الأكثر واقعية، فيتطلب تحقيق نمو سنوي بنسبة 5% على مدى 15 عاماً لإعادة الاقتصاد إلى حجمه السابق، وهو أمر يبدو بعيد المنال في ظل الظروف الحالية.
وتبدو الصورة أكثر قتامة في السيناريو المتشائم، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن الاقتصاد السوري لن يستعيد مستواه ما قبل الحرب حتى عام 2080 إذا استمرت معدلات النمو الحالية البطيئة. يظل التعافي الحقيقي رهناً باستثمارات واسعة النطاق، وإعادة توحيد الاقتصاد الوطني، وتنفيذ إصلاحات شاملة في النظام الضريبي والسياسة الصناعية والبنية التشريعية، إلى جانب تسويات سياسية حقيقية تعيد الاستقرار وتفتح الباب أمام الدعم الدولي.
وعلى الرغم من بعض المؤشرات الإيجابية، يبقى التعافي الاقتصادي في سوريا عملية طويلة ومعقدة، تتطلب إرادة سياسية صلبة، وإصلاحات هيكلية جريئة، ودعماً دولياً واسع النطاق. إن تجاوز الانقسامات البنيوية، ومعالجة آثار الحرب، وبناء اقتصاد وطني موحد قادر على استيعاب التحولات العالمية، هي الشروط الأساسية لأي انتعاش مستدام. دون ذلك، سيظل التعافي الاقتصادي هدفاً بعيد المنال، وستبقى المعاناة الإنسانية هي عنوان المرحلة القادمة.