التحديات المتفجّرة وغموض السلطة السورية
08.05.2025
موفق نيربية
التحديات المتفجّرة وغموض السلطة السورية
موفق نيربية
القدس العربي
الاربعاء 7/5/2025
مع فجر يوم الأربعاء الماضي، وإغارة سلاح الجوّ الإسرائيلي على تلة قريبة من “قصر الشعب” في دمشق، “تحذيراً” مزعوماً للسلطات الجديدة فيها من متابعة انتهاكاتها ضدّ الطائفة الدرزية، أو حماية للأخيرة.. دخل الوضع مرّة أخرى في معادلة جديدة، وازداد مأزق الحكومة السوريّة صعوبة، وحاجة للمعالجة الطارئة والجذرية، كما ازداد قلق السوريين بعد انتعاش آمالهم نوعيّاً في الثامن من ديسمبر، مع سقوط نظام الأسد وفراره.
يمكن ربط ذلك المأزق الجديد، بما يُسمى قضية الأقليات، التي كانت مصدر قلاقل بين فترة وأخرى في تاريخ البلاد، كانت أصعبها الأحداث المأساوية التي شهدها الساحل السوري في النصف الأول من مارس، وما زالت ذيولها واضحة جلية وتتجدّد حتى الآن بين يومٍ وآخر، مثل إشاعة الأخبار عن التسلْح والحشد والتجييش في الوسط العلويّ السوري، واستمرار الجدالات المتوتّرة الاستفزازية.
بعد ذلك، برزت حالتان للتوتّر: أولاهما في العلاقة بين السلطة الجديدة والكرد السوريين، وثانيتهما في تلك التي بينها وبين الدروز السوريين.
كان السيدان أحمد الشرع (الرئيس السوري المؤقّت) ومظلوم عبدي (قائد قوات سوريا الديمقراطية) قد وقّعا اتفاقاً بالغ الأهمية وبتوسّط أمريكي – فرنسي، في العاشر من مارس؛ كان مفاجأة سارّة للجمهور السوري بكل أطرافه، احتُفل بها بشكلٍ غير مسبوق. بعد يومين من حفل التوقيع ذاك، صدر في دمشق الإعلان الدستوري، الذي يُفترض أن يكون ناظماً قانونياً للمرحلة الانتقالية، لكنّه واجه إجماعاً كرديّاً من قبل المجلس الوطني والإدارة الذاتية وغيرهما، على موقف يعترض عليه.. وفي أواخر مارس، أُعلنت الحكومة الانتقالية المؤقّتة من قبل الرئيس وفي احتفال كبير في القصر، قال بعدها المتحدث الرسمي للمجلس الكردي، إن الإدارة الجديدة في دمشق “لم تتواصل معنا حول تشكيل هذه الحكومة، أو تتشاور معنا من أجل اختيار أسمائها أو حقائبها”، ولفت إلى أنه “لا مصلحة لنا بالمشاركة في مراسم الإعلان، بقدر ما يهمنا الحضور من أجل تحقيق مطالب شعبنا وضمانها دستورياً”. كذلك انتقدت الإدارة الذاتية الكردية من جهتها تركيبة الحكومة الجديدة، واعتبرت أنها لا تعكس التنوع والتعدد الذي تتميز به سوريا، وأشارت إلى ضرورة وجود حكومة تمثل جميع المكونات السورية، بعد سنوات طويلة من سياسات الإقصاء والتهميش التي مارسها النظام السابق.
طريق التسويات والتوافق هو الوحيد المفتوح للمستقبل، وهو أيضاً مستحيل من دون تهدئة وتوافق وتنازلات، وليس هنالك طرف قويّ بما يكفي للاستئثار وحيداً، على كلّ المستويات والمعايير
اعتبر الكرد غالباً هنا أن ذلك مخالف لنصّ وروح الفقرة الأولى في الاتفاق المذكور أعلاه، التي تذكر” 1- ضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية ومؤسسات الدولة كافة، بناء على الكفاءة بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية”. والفقرة الثانية التي تنصّ على أن “المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية، وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة وحقوقه الدستورية كافة”. أزعج ذلك السلطات من دون انتباه إلى أن مضمون المواقف هو ذاته موضوع “الشمولية” و”المشاركة” التي ينص عليها القرار 2254 وكلّ الأطراف الدولية والإقليمية المعنيّة. في حين أنه – كما يبدو- قد كان حافزاً لتسريع المصالحة الكردية – الكردية، وعقد” مؤتمر وحدة الموقف الكردي في سوريا” يوم السبت الماضي، وصدور بيانه الختامي الذي يحتوي على ما هو مشترك بين برامج المجلس والإدارة، ومتطلبات الوضع الناشئ الجديد في دمشق. قبل ذلك المؤتمر بيوم واحد، نقل تلفزيون سوريا، أن كمية النفط المرسلة إلى الحكومة السورية، تمّ تخفيضها بنسبة 50% أمس، بعد بروز خلافات بين الطرفين حول تطبيق بنود اتفاقات تتعلق بتطبيق اتفاقات حول أحياء في حلب – الأشرفية والشيخ مقصود- وحول سد تشرين.
من الواضح أن هناك تعارضاً بين الطرفين حول جوهر الاتّفاق: الذي يفهمه أحدهما على أنه تنفيذ شبه مباشر لـ”إعادة الموارد الموقوفة في شمال وشرق سوريا” إلى الحكومة في المركز، مع تفكيك مباشر لقوات سوريا الديمقراطية وانضوائها تحت لواء الجيش الجديد التكوين؛ ويفهمه ثانيهما على أنه مسار أكثر تعقيداً، حُدّد له سقف زمني حتى نهاية العام الحالي، تعمل خلاله اللجان الفرعية على حلحلة التفاصيل التي ما زالت معقدة.. من جهة ثانية؛ أو ثالثةً بعدما حدث في الساحل، ولم تزل حوادثه وآثاره مستمرة؛ عاد التوتّر ما بين الطائفة الدرزية والسلطة، وذلك وجه لتوتّر طائفي يضع جزءاً مهماً من السنّة العرب أيضاً في مواجهة الدروز، أردنا ذلك أم لم نرد. ظهر فيديو لشيخ درزي يُقال إنه من تركيب الذكاء الاصطناعي، يحتوي على إهانات بحق الرسول. واشتعلت النيران على الفور، في تظاهرات – في الشمال خصوصاً- تطالب بإبادة الدروز؛ وفي عدة جامعات سورية، بطريقة أجبرت كلّ هؤلاء الطلاب على ترك مقاعد دراستهم واللجوء إلى أهاليهم ومناطقهم؛ وفي الشوارع في أكثر من مكان.
ابتدأت هجمات مسلّحة من قبل مجموعات غير معروفة في البدء، على مداخل جرمانا من جهة الغوطة الشرقية، ثمّ أخرى معروفة جاءت من أكثر من مكان. وكما هو متوقّع، انتقلت النار بسرعة إلى أشرفية صحنايا القريبة.. وكالعادة تمّ تغليب الحكمة – والشعارات- في مباحثات السلطة وشيوخ جرمانا، ثمّ مع شيوخ الأشرفية والسويداء، من دون ضمان يؤسّس لخمود النيران، لا لبقائها تختزن العنف تحت الرماد، وفوقه. ليست السلطة وحدها في الحقيقة من تُسأل عمّا حدث، بل آخرون أيضاً، الذين ليسوا جميعاً من الدروز، بل مع تنويعات من منظّمات “شمالية” عادت إلى مناطقها الأصلية، كما حدث في الغوطة؛ إضافة إلى انضمام بعض قوى العشائر، لكنّ ذلك كلّه تفاصيل، مضمونها واحد، هو أن هنالك مزالق خطيرة جداً تتعامل معها السلطة الجديدة بالحكمة غالباً، لكنّها لا تضمن من هو في داخلها وخارجها، له مصالح أخرى قد تكون مرتبطة بمصالح خارجية، لذلك فإن تمتين بنية الحكومة وهيكليْتها الأمنية والإد، أكثر تقدّماً من المعتاد سابقاً في أزمات الشمال السوري، وأكثر انسجاماً مع مفهوم الدولة وطرائق بنائها، التي تتضمّنها القوانين والقرارات الدولية، والأصول المرعيّة في ذلك. فمهما حاول البعض لملمة الجراح وإلقاء الخطب الحماسية على هامش المصالحات مع” تبويس اللحى”، لا يستطيع خفض مستوى التصعيد إلّا عبوراً، بينما يضمن استمراره وتناميه التطرّفُ الأيديولوجي، الذي ينخر الثقة المطلوبة أولاً، ثمّ يجري استقلابها إلى سلوك عنيف، ليظهر انعدام الأمن والخوف، اللذين يفخّخان الاستقرار وتوجّهاته.
تفعل مولّدات الاستقطاب وخلخلة الاستقرار هذه فعلها، وتتصاعد عمليّات الحشد والتجييش والتجنيد، ممّا يجعل التسويات أصعب، أو أبعد منالاً. لا ننتقص من جهود السلطة الجديدة التي تعلّقت آمال السوريين عليها، حين نقول إن مسؤوليتها هي الأساس، سواء حين تكون طرفاً مباشراً لا قوةً حيادية، أو حين تكون طرفاً ضعيفاً لا يستطيع ضبط قوى التطرّف، في خارج أو داخل بنيته وقواه، من فصائل مختلفة في مرجعيتها و”قواعد اشتباكها”. ولن نستطيع شيئاً على طريق “بناء الدولة” اللازمة، ما لم تتمّ الاستجابة لنداءات الداخل والخارج حول أولوية الشمول والمشاركة والحوار، وليس كما حدث حتى الآن.. يشمل ذلك أيضاً بناء مؤسسات صلبة للدولة التي سوف يعيش الجميع تحت جناحها في المستقبل.
قلنا- ونعيد- مراراً وتكراراً، إن طريق التسويات والتوافق هو الوحيد المفتوح إلى ذلك المستقبل، وهو أيضاً مستحيل من دون تهدئة وتوافق وتنازلات، وليس هنالك طرف قويّ بما يكفي للاستئثار وحيداً، على كلّ المستويات والمعايير… وقد حدثت عيّنة أوّلية من ذلك مع ما أعلن عن اتّفاقات في السويداء، كان سبقها اتّفاق عام مع الشمال الشرقي. ذلك نفسه – وبدوره- قد يغلق مسارب إسرائيل وغيرها أيضاً إلى” الكيان السوري”.