الإدارة السورية الجديدة وتحدي الشفافية
03.02.2025
منهل باريش
الإدارة السورية الجديدة وتحدي الشفافية
منهل باريش
القدس العربي
الاحد 2/2/2025
يتعين على الأمن العام السماح للإعلاميين المحليين والدوليين مرافقة الدوريات الأمنية والسماح لهم بنقل الحقيقة وهو سيقطع الطريق على فلول النظام والمتصيدين تصوير الحال بأنها حرب تطهير ضد الأقليات عموما.
مع تركز العيون على دمشق وقرار تعيين أحمد الشرع رئيسا مؤقتا للجمهورية العربية السورية، والانفتاح العربي الكبير المتمثل بزيارة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، والزيارة المتوقعة للشرع مطلع الأسبوع المقبل إلى السعودية، يتصاعد عنف متفرق في عدة مناطق سورية، منها ريفا حمص وحماة، وهو بدأ يتحول إلى عنف متكرر يبدأ بانتهاكات صغيرة وينتهي بالقتل خارج إطار القانون أو القتل اغتيالا من قبل ملثمين مجهولين كحال ما حصل فجر السبت في قرية أرزة بريف حماة الشمالي.
الحالة الجديدة والأشد خطورة بدأت في ريف السويداء الغربي بعد أن قام أحد أبناء البدو بالتعدي على أحد البساتين في قرية عرى ومحاولة قطع بعض الأغصان بداعي التحطيب، حسب الرواية المتواردة من المنطقة، ومع رفض المالك هاجم المعتدي مالك البستان وأطلق النار عليه، هذا دفع أهالي السويداء إلى مهاجمة أبناء العشائر في المنطقة الغربية وأدى إلى مقتل إثنين من أبناء العشائر وإصابة 12 وهدم أربعة منازل تعود لأبناء العشائر في قرية عرى، وجرت اشتباكات عنيفة بين أبناء العشائر وفصائل محافظة السويداء.
إلى ذلك، دفع هجوم الفصائل الدرزية على قرى العشائر السنية إلى رد فعل غير متوقع من قبل أهالي بلدة المطلة ذات الأغلبية العشائرية والذين قطعوا طريق دمشق ـ السويداء في البلدة وأطلقوا النيران بشكل عشوائي على كل السيارات وحافلات النقل المتوجهة باتجاه السويداء وهو ما تسبب بمقتل سبعة مدنيين بينهم سيدة، إثر الهجوم المباغت لأهالي المطلة، ويندرج الهجوم كرد فعل عشائري سني ضد الموحدين الدروز.
واعتقلت فصائل السويداء عددا من أبناء البدو في منطقة عرى وجوارها خلال الهجوم الأول. وتدخل الشيخ سليمان عبد الباقي قائد فصيل “تجمع أحرار الجبل” وتجمع عشائر الجنوب وإدارة الأمن العام لحل الخلاف. وعقد الأطراف اجتماعا في بصر الحرير بريف درعا الشرقي في مضافة آل الحريري وتم تسليم المتسبب في المشكلة في عرى للأمن العام وإطلاق سراح المعتقلين من العشائر، وطالبت لجنة الصلح بلجوء المتضررين إلى القضاء والاحتكام له من أجل إنصافهم وأخذ حقوقهم.
وفي سياق منفصل، وجه رجل الأعمال المعروف وقائد جيش العشائر سابقا راكان الخضير رسالة إلى عشائر الجنوب السوري، دعا من خلالها إلى “ضبط النفس وعدم الانجرار إلى الاقتتال وتحكيم العقل وتغليب المصلحة العامة”. وناشد أهالي السويداء “تغليب الحكمة وعدم الانجرار إلى حمل السلاح وجعله خيارا أول في هذا المعترك وفي سوريا الجديدة”.
واعتبر الخضير أن سوريا “تعيش فرحة كبرى” بخلاصها من نظام الأسد وتحتفل بـ”خطاب النصر وبتولي رئيس جديد”، مشددا على “الاحتكام إلى الدولة وفرض القانون على الجميع سواسية”. ويعتبر الخضير من أبرز قادة الفصائل المقربة من عمان سابقا، يعيش فيها منذ مصالحة الجنوب عام 2018ـ وكان عاد مؤخرا إلى دمشق والتقى قائد الإدارة السورية الجديدة وينحدر من بلدة المطلة التي قام شبانها بإطلاق النار على سيارات العابرين إلى السويداء.
في المقابل وجه عاطف الهنيدي الشخصية الاجتماعية البارزة في السويداء الجمعة، نداء إلى “الغيارى”، حصلت “القدس العربي” على نسخة منه، مذكرا بأن جبل العرب كان خلال سنوات الأزمة الطاحنة التي عصفت بسوريا “عاملَ تقريبٍ ووحدةٍ لا انعزال وتطرُّف”، ولفت إلى أن أبناء السويداء “كانوا وسيبقون جزءا لا يتجزأ من النسيج المجتمعي السوري الذي حاول كثيرون نقضَهُ منذ قرون فائتة حتى اليوم، وقد أثبتت التجاربُ فشلَ تلك المحاولاتِ ويأسَها”. وثمن بيان عشائر جبل العرب وتأكيدها على “معاني الوحدة الوطنية”، ورفض محاولات “الفتنة وزرع الشقاق”.
وفي الإطار، أقرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بمقتل 6 مدنيين يوم الخميس وحده، ووصفت القتل بأنه “خارج نطاق القانون” وأعلنت انها لم تتمكن من تحديد الجهات المرتكبة للعمليات المذكورة.
وشهدت قرية أرزة بريف حماة الشمالي مقتل تسعة أشخاص من عائلتي سليمان والعشبة، وترتبط القرية بعلاقات ثأر مع أهالي القرى المجاورة حيث انتسب أغلب أبنائها إلى قوات النظام والميليشيات الموالية له. ولم تتمكن “القدس العربي” من معرفة تفاصيل الحادثة التي تزامنت مع كتابة هذه السطور. وحول هوية القتلى أكد مصدر محلي من المنطقة لـ”القدس العربي” أن “أحد القتلى هو مستخدم مدني في مستشفى حماة وآخر متقاعد وكبير في السن”.
وفي ريف حمص الشمالي الغربي، تستمر تداعيات الحملة الأمنية المشتركة بين إدارة الأمن العام وإدارة العمليات العسكرية والتي خلفت مقتل نحو 15 عنصرا من قوات النظام السابق. حيث نفذت القوة المشتركة في 21 كانون الثاني (يناير) الفائت، حملة أمنية استهدفت أفرادا سابقين ينتمون لقوات النظام والميليشيات السابقة الموالية له.
ورفعت الحملة الأمنية شعار مطاردة وملاحقة الضباط والعناصر الذين رفضوا المشاركة في عملية التسوية التي أعلنتها الإدارة الجديدة، عقب سقوط النظام في الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2024. ودعت الإدارة حينها إلى تسليم الأسلحة، وطالت الحملة عشرات القرى بأرياف حمص الشمالية والغربية والشرقية، وصولا إلى خربة الحمام، الزعفران، السنديان، مريمين وفاحل. وشهدت معظم تلك المناطق اشتباكات بين قوى الأمن العام ومسلحين مطلوبين، وأدت عمليات التمشيط هذه إلى مقتل واحتجاز عدد من المسلحين وإصابة عناصر القوات الأمنية خلال عملية ملاحقة الفارين. وتعتبر فاحل ومريمين ومجيدل أبرز المناطق التي سجلت فيها الانتهاكات خلال الحملة الأمنية.
واندلعت مواجهات في قرية حافل داخل الأحياء السكنية والأراضي الزراعية المحيطة بها، انتهت بمقتل 15 مسلحا، بينهم ضباط وعناصر في جيش النظام والدفاع الوطني السابقين خلال اشتباكات مع الدوريات الأمنية داخل المنازل وفي الأراضي الزراعية.
متغيرات الإدارة الجديدة لم تعد تخفى على أحد، وبرز هذا جليا في قضية إطلالة الرئيس المؤقت وإلقاء خطاب النصر، وهي الكلمات التي بُثت مسجلة في أوقات متأخرة من الليل. وهو ما يعكس ضعف الخبرة في التعاطي مع الوسائل الإعلامية وأوقات النشر وإغلاق الصفحات في الصحف المطبوعة أو في تحديد محاور البرامج في القنوات الإعلامية منذ ظهر اليوم. وهو ما ورط محطات عديدة في استدعاء المحللين والمعلقين السياسيين لتقييم الخطاب الذي لم يبث، فبدأ المحللون بالتعليق على ما كان ينشر عبر قنوات “التلغرام” وخصوصا لوكالة “سانا”. وهو ما أنهى ساعات الذروة بلا قيمة إخبارية لأي من تلك القنوات، وهو حال بعض الصحف العربية التي أرسلت أعدادها للطباعة مهملة خطاب الرئيس الشرع.
على صعيد آخر، يتعين على الإدارة الجديدة تعزيز قيم المحاسبة والشفافية والتوقف عن التغطية عن الانتهاكات بالقول انها “فردية” أو الادعاء بمحاسبة العناصر المنتهكين من دون تسميتهم، فمن حق أهالي الضحايا معرفة ما جرى ويجري مع معتقليهم بشفافية كاملة من أجل تحصيل حقوقهم عبر القضاء من خلال الإدعاء على المرتكبين ورؤسائهم.
اضافة إلى ذلك، يتعين على الأمن العام السماح للإعلاميين المحليين والدوليين المرخصين أصولا مرافقة الدوريات الأمنية والسماح لها بنقل الحقيقة وهو سيقطع الطريق على فلول النظام والكثير من المتصيدين والعاملين على تأجيج نار الخلاف وتصوير الحال بأنها حرب تطهير ضد الأقليات عموما.
إن منع الصحافيين من مرافقة الحملات الأمنية بذريعة وجود أخطار تهدد حياة الصحافيين، حجة غير مقنعة، خصوصا وأن العالم بأسره شاهد عشرات المراسلين يخرجون مع مقاتلي “تحرير الشام” من ذات الخندق في ريف حلب الشمالي لحظة شروق شمس 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الذي بدأت فيه معركة إسقاط نظام الأسد.