الرئيسة \  تقارير  \  إرث الأسد يطارد الإدارة السورية : الأمن والانتقام وأشلاء مؤسسات

إرث الأسد يطارد الإدارة السورية : الأمن والانتقام وأشلاء مؤسسات

03.02.2025
يوسف أحمد بدوي



إرث الأسد يطارد الإدارة السورية : الأمن والانتقام وأشلاء مؤسسات
يوسف أحمد بدوي
العربي الجديد
الاحد 2/2/2025
يمثل الأمن وتوطيده تحدياً بارزاً أمام الإدارة السورية الجديدة، التي ترث عن نظام الأسد المخلوع بقايا مؤسسات ومديريات أمنية، وانقسامات مجتمعية عميقة، وسلاحا منتشرا في كل أصقاع البلاد، فضلاً عن فلول النظام المخلوع الذين ما زالوا يحتفظون بسلاحهم ما يهدد الأمن والاستقرار في بلد يحاول إعادة تشكيل أجهزة أمن جديدة ووزارة دفاع قادرة على مواجهة التحديات الكبرى. وخلق انهيار النظام حالة من الفراغ الأمني مع فرار ضباط النظام المخلوع من كل المؤسسات الأمنية سواء التابعة لوزارة الداخلية أو للدفاع. وتستغل مجموعات وعصابات في العديد من المناطق حالة الفوضى جراء سقوط النظام، للسيطرة على أسلحة فردية ومتوسطة من الثكنات العسكرية ومقرات الأجهزة الأمنية، سامحة بانتشار عشوائي للسلاح بيد خارجين على القانون، خصوصاً في أحياء المدن الكبرى. ومع نشأة أسواق للسلاح غير منضبطة، تواصل الإدارة السورية عمليات تمشيط ومداهمة وتفتيش لجمع السلاح الذي يهدد السلم الأهلي في أغلب المحافظات السورية.
 نموّ تجارة الأسلحة
في السياق، يقول سليم صفوح، وهو يعرّف عن نفسه تاجر سلاح، لـ"العربي الجديد"، إنه قام بعد سقوط النظام بشراء الكثير من الأسلحة والذخيرة حتى امتلأ مستودع يملكه، مضيفاً أن معظم عمليات الشراء من شبان صغار مدنيين، أتوا بها من المناطق التي جرت فيها المعارك، عبر دراجات نارية أو حتى سيراً على الأقدام. ويتعدى الانفلات الأمني حالات السرقة والسطو ليصل إلى عمليات خطف وتصفية انتقامية بشكل شبه يومي، في العديد من المناطق، تحديداً في تلك التي تضم سكاناً من مكونات مختلفة. ويحاول الجهاز الأمني في الإدارة السورية منع هذه العمليات عبر ملاحقة مجرمي الحرب والمتهمين بالقيام بمجازر بحق السوريين، متمكناً من تحييد عدد كبير منهم، أبرزهم شجاع العلي المتهم بارتكاب مجزرة الحولة في ريف حمص، في مايو/أيار عام 2012. مع العام أن الإدارة السورية وجّهت دعوات لفلول النظام للقيام بعمليات تسوية، وأعطت عدة مهل، ولكن لم يستجب عدد كبير منهم فنصبوا كمائن في مناطق الساحل وحمص، أدت إلى مقتل عدد كبير من عناصر الأمن العام. وبدأت الإدارة السورية بإجراء حملات أمنية لحفظ الأمن ومنع الدخول أو العبث في مباني وسجلات النظام السابق، التي تعرض بعضها لسرقة وبعثرة للمعدات والسجلات مثل بعض مباني الأجهزة الأمنية والسجون.
الإدارة السورية الجديدة بين أسئلة الخارج والداخل
وتواجه الإدارة السورية الجديدة صعوبات إضافية لضبط الأمن في المناطق البعيدة عن مراكز المدن الكبرى، حيث تزداد الخروقات الأمنية أكثر في الأرياف والقرى النائية، التي لا تشهد وجوداً دائماً لعناصر الإدارة السورية الجديدة، ما يزيد من صعوبة فرض الأمن وزيادة في توقعات المدة اللازمة لحصول الاستقرار. وتعمل الإدارة السورية الجديدة على بناء أجهزة أمنية جديدة من الصفر تقريباً، فالأجهزة الأمنية التي كانت تابعة للنظام انهارت بشكل كلي، فضلاً عن رفض السوريين بقاءها. ويمتلك جهاز الأمن العام التابع لـ"هيئة تحرير الشام" خبرة في الضبط، حيث كان يدير الشمال الغربي من سورية لعدة سنوات، إلا أنه لا يملك الكوادر المدربة الكافية للانتشار في كل أنحاء البلاد. ويدفع النقص بالعناصر المدربة الإدارة السورية الجديدة لفتح باب التطوع أمام الشبان السوريين للدخول في هذا الجهاز. كما اضطرت الإدارة السورية للاعتماد على مجموعات محلية لضبط الأمن في بعض المناطق، وهو ما فتح الباب أمام قيام البعض منها بعمليات انتقام فردية، خصوصاً في ريف حمص، الذي شهد أخيراً قيام مجموعة غير منضبطة بعمليات انتقام فردية.
كما أن استبعاد وزارة الداخلية الجديدة الكثير من الكوادر والضباط المحسوبين على النظام المخلوع، أدى دوراً في عدم قدرة الوزارة على ضبط الأمن بشكل كاف لافتقارها إلى الضباط المدربين القادرين على التعامل مع حالات الفلتان الأمني. بيد أن الخبير العسكري ضياء قدور يقلل في حديث مع "العربي الجديد" من أهمية الاستغناء عن ضباط وعناصر وزارة الداخلية إبان حكم الأسد المخلوع، مضيفاً أن ضبط الأمن يعود إلى الوعي المجتمعي وخبرة جهاز الأمن العام الذي ظل لسنوات يضبط الأوضاع في شمال غربي سورية. ويقول إنه لم نشهد عمليات نهب وسرقة لمؤسسات الدولة بعد سقوط النظام بفضل وجود هذا الجهاز.
الناس في سورية يريدون تغييراً حقيقياً وجهاز الشرطة في النظام المخلوع كان مرتبطاً بشبكات الفساد الممنهج. في السياق، يرى المحلل عمار فرهود، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إدارة الأمن العام "اكتسبت خبرة أمنية في إدلب وهذا ما يجعلها تحقق انتشاراً جيداً وانتظاماً في تحركاتها عقب سقوط النظام"، مضيفاً أن ممّا يُسهم في زيادة كفاءة العمل الأمني للحكومة الجديدة "رغبة المجتمع السوري في الوصول إلى الاستقرار وإرساء الأمن". ويضيف فرهود أن "البيانات المتتالية من الفصائل الثورية التي تعلن فيها عن دعمها لمشروع وزارة الدفاع وتشكيل جيش مركزي، تشير إلى ارتفاع احتمالية نجاح هذه الخطوة الوطنية". ويتابع: ولكن ما تزال صورة الجيش الجديد غير واضحة، تحديداً لجهة كونه مركزياً أم يعتمد على نظام الإقطاع العسكري، فضلاً عن عقيدته القتالية وارتباطه بالاستراتيجية السياسية العليا للبلد. ويرى فرهود أن "ضمان تماسك وزارة الدفاع وهيئة الأركان، يعتمد عوامل عدة، من بينها رغبة الفصائل الحقيقية بالانصهار في وزارة الدفاع والنظام الذي ستتبعه هذه الوزارة، مضيفاً: إلى الآن المؤشرات إيجابية.
وفي سياق سعي الإدارة الجديدة لتوطيد الأمن في البلاد، فإنها تدفع بالكوادر العسكرية لمساعدة رجال وزارة الداخلية في هذه المهمة، خصوصاً في العاصمة دمشق، التي يعد ضبط الأمن فيها من أولويات هذه الإدارة، فربع سكان سورية تقريباً يعيشون فيها. ولم تتأخر الإدارة السورية في البدء في عملية تبدو شائكة ومعقدة، وهي تشكيل جيش جديد للبلاد من الفصائل التي قاتلت النظام المخلوع على مدى نحو 14 عاماً. وكثر في سورية وخارجها يعتبرون أن دمج الفصائل والمليشيات لا يؤلف جيشاً وطنياً. وتقول الإدارة الجديدة إنها تريد بناء جيش متماسك ومحترف إذ ألغت التجنيد الإجباري الذي كان متبعاً إبان النظام المخلوع، وفتحت الباب أمام التطوع في الجيش العتيد.
وفي موازاة ضبط الأمن، يبرز تحدٍ آخر لا يقل أهمية أمام الإدارة السورية الجديدة وهو ضبط الحدود مع بلدان الجوار، والذي يعد من المهمات الصعبة في ظل عدم سيطرة الإدارة الجديدة على كامل المساحة الجغرافية للبلاد، حيث لا تزال قوات "سوريا الديمقراطية" (قسد) تضع يدها على الشمال الشرقي المتاخم للحدود مع الجانب العراقي. ولم تتأخر الحكومة الجديدة في إرسال تطمينات لدول الجوار بأن سورية لن تشكل أي تهديد أمني لها بعد اليوم، وأنها بصدد ضبط الحدود بشكل كامل لوضع حد لسياسة تصدير الفوضى التي كان يتبعها نظام الأسد المخلوع. وبدأت الإدارة السورية الجديدة بالفعل بضبط الحدود مع الجانبين اللبناني والعراقي، لمنع أي عمليات تهريب سلاح أو مخدرات أو أفراد عبرها. كما ضبطت الحدود مع الجانب الأردني ما أدى للحد من تدفق المخدرات من الداخل السوري. وعانى الأردن لسنوات طويلة من عمليات تهريب المخدرات الآتية من سورية، والتي كان يتم صنعها في ورش تتبع للنظام المخلوع وخاصة للفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد. ودمّرت الإدارة الجديدة هذه المعامل وأحرقت كميات هائلة من الحبوب المخدرة بعد تسلمها مقاليد الأمور في البلاد، وهو أدى إلى عدم تسجيل أي حالة تهريب مخدرات عبر الحدود.