الرئيسة \
تقارير \ أبعاد إعلان الكرملين أن روسيا في حالة حرب ... والتداعيات المحتملة
أبعاد إعلان الكرملين أن روسيا في حالة حرب ... والتداعيات المحتملة
01.04.2024
سامر إلياس
أبعاد إعلان الكرملين أن روسيا في حالة حرب ... والتداعيات المحتملة
سامر إلياس
المجلة
الاحد 31/3/2024
عمدت موسكو منذ فبراير/شباط 2022 إلى وصف حربها على أوكرانيا بأنها "عملية عسكرية خاصة"، وسط تكهنات غربية متواصلة بشأن قرب تغييرها لهذا المصطلح واستخدام مصطلح "حرب" بدلا منه. واعتبر الكرملين حينها أن تلك التكهنات "محض هراء". لكن بات ينظر إليها اليوم كحقيقة واقعة بتأكيد الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن بلاده في حالة حرب في أوكرانيا بسبب تدخل الغرب، وهو ما يعد تطورا لافتا قد يحمل في طياته تحولا دراماتيكيا في مسار الحرب الأوكرانية، نظرا للظروف التي سبقت وأحاطت بما قاله بيسكوف، والرسائل التي وجهها للداخل الروسي وللغرب.
أثارت تصريحات بيسكوف هذه، في مقابلة مع صحيفة "أرغومينتي أي فاكتي" الروسية يوم 22 مارس/آذار الجاري، ضجة كبيرة لساعات عدة قبل أن يخطف العمل الإرهابي في مبنى "كروكوس سيتي" شمال غربي موسكو الأضواء ويتصدر المشهد الإعلامي. ومن المنتظر أن تظل هذه التصريحات تحت المجهر لفترة من الوقت، بهدف محاولة استشراف السيناريوهات المستقبلية للحرب الروسية على أوكرانيا، والتغيرات المتوقعة في سياسات موسكو، على ضوء إقرار بيسكوف بأن روسيا تخوض حربا فعلية في أوكرانيا. وعبّر عن ذلك بالقول: "نحن في حالة حرب نعم، في البداية سميت بالعملية العسكرية الخاصة، الوضع القانوني للعملية الخاصة في أوكرانيا لم يتغير، ولكن بمجرد تشكيل هذه المجموعة هناك، وعندما أصبح الغرب مشاركا بشكل جماعي في ذلك إلى جانب أوكرانيا، تحولت إلى حرب بالفعل بالنسبة لنا، أنا مقتنع بهذا، وعلى الجميع أن يفهموا ذلك من أجل التعبئة الذاتية الداخلية".
وزاد أن من واجب روسيا التحرير الكامل للمناطق الأربع، لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا، التي ضمت إلى الاتحاد الروسي في 30 سبتمبر/أيلول 2022، "وحماية مواطنيها الموجودين في الأراضي التي يحتلها نظام كييف بحكم الأمر الواقع"، على حد وصف بيسكوف.
رسائل متعددة
ما قاله بيسكوف حمل مجموعة من الرسائل للداخل الروسي ولكييف والبلدان الغربية، لا تمثل وجهة نظره الشخصية، بل تعبر عن موقف الكرملين.
الرسالة الأولى هي للداخل لحث المجتمع الروسي على التعبئة والتحمل، وتقديم المزيد من الدعم للمجهود الحربي، والاستعداد نفسيا لاحتمال حرب طويلة قد تتخللها تحولات دراماتيكية في مسارها، جراء التدخل الجماعي للغرب إلى جانب أوكرانيا، وسعي الأخيرة لاستهداف البنية التحتية الروسية، فضلا عن احتمالات شن عمليات إرهابية تؤثر على معنويات المواطنين الروس وتخلق حالة من الفوضى. ويصب في هذا الاتجاه تشكيك الكرملين في مسؤولية تنظيم "داعش" وحيدا عن الهجوم الإرهابي على صالة حفلات في ضواحي العاصمة موسكو يوم 22 مارس الجاري، وتوجيهه أصابع الاتهام نحو كييف، و"المشغلين الغربيين".
لرسالة الثانية تحذير كييف من تبعات اتساع نطاق الحرب، والتشديد على تمسك روسيا بالمناطق التي ضمتها إليها (أربع مقاطعات أوكرانية)، في خريف 2022، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من أراضي الاتحاد الروسي، وأن أي اعتداء عليها هو اعتداء على السيادة الروسية. والإصرار على استكمال فرض سيطرة الجيش الروسي على كل الأراضي التابعة إداريا لتلك المناطق. لكن حصر بيسكوف نطاق العمليات المباشرة للقوات الروسية في أوكرانيا، في حدود مقاطعات لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا، إشارة ضمنية تعيد التأكيد على شكل التسوية السياسية التي تريدها موسكو، وترفضها كييف بشكل قاطع. ومن المعروف أن أحد الشروط التي يضعها الكرملين للتسوية اعتراف كييف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم والمقاطعات الأربع المذكورة.
الرسالة الثالثة هي للدول الغربية ومفادها أن روسيا لن تتردد في الرد على أي خطوات استفزازية غربية، والتعامل مع أي وجود عسكري لـ"حلف شمال الأطلسي" (الناتو) على الأراضي الأوكرانية كهدف مشروع ضمن بنك أهداف القوات المسلحة الروسية، على خلفية تصريحات أطلقها مؤخرا الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لم يستبعد فيها مشاركة قوات فرنسية في عمليات على الأرض في أوكرانيا. وتأكيد ماكرون في مقابلة مع صحيفة "لوباريزيان"، نشرت في 16 مارس الجاري، أن "عمليات برية في أوكرانيا من جانب الغربيين قد تكون ضرورية في مرحلة ما".
الجديد في تصريحات بيسكوف
بقليل من التدقيق، نجد أن تصريحات بيسكوف ليست الأولى من نوعها، فقد سبقتها تصريحات لمسؤولين روس آخرين حملت المضامين والرسائل ذاتها. وحتى في استخدامه لمصطلح الحرب لم يخرج بيسكوف عن التوصيف المعتمد من قبل الكرملين للحرب على أوكرانيا، بتوضيحه أن "الوضع القانوني للعملية الخاصة في أوكرانيا لم يتغير"، وأن "العملية الخاصة" تحولت إلى حرب بالفعل بالنسبة لروسيا عندما أصبح الغرب مشاركا فيها إلى جانب أوكرانيا، بمعنى أن الغرب هو من يشن حربا ضد روسيا.
وبالعودة إلى تصريحات سابقة لمسؤولين روس، فإن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كان قد اتهم الغرب بشن حرب شاملة على بلاده، وتوقع أن تستمر لوقت طويل. وأضاف خلال اجتماع لمسؤولي مناطق روسية، يوم 27 مايو/أيار 2022: "الولايات المتحدة وأتباعها يضاعفون جهودهم لاحتواء روسيا باستخدام مجموعة واسعة جدا من الأدوات".
بدوره قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، في حفل لخريجين من الأكاديمية العسكرية في 21 يونيو/حزيران 2023، إن "الغرب بأسره يشن حربا حقيقية على روسيا". وأضاف بحضور الرئيس فلاديمير بوتين أن "الجيش الروسي لن يدخر جهدا لضمان أمن بلاده".
روسيا قد تجد نفسها مضطرة للرد بخشونة، إذا تجاوزت دول "الناتو" الخطوط الحمراء للكرملين
وهناك كثير من التصريحات الروسية تؤكد أن مقدمة شروط موسكو لأي تسوية سياسية أن تعترف كييف بالوقائع الجديدة على الأرض، وأن تتنازل عن الأراضي التي ضمتها روسيا. ومن بين تلك التصريحات تصريح ديمتري بيسكوف، يوم 14 ديسمبر/كانون الأول 2022، رد فيه على خطة طرحها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مداخلة عبر الفيديو أمام قمة "مجموعة السبع".
رغم ذلك حظيت التصريحات الأخيرة لبيسكوف باهتمام كبير، وأثارت ضجة على نطاق واسع، لجهة أن هذه التصريحات، التي تمثل وجهة نظر الكرملين وليس بيسكوف، تشير إلى السياسة التي سيتبعها الرئيس بوتين خلال ولايته الخامسة إزاء الحرب في أوكرانيا، وكيفية الرد على الدعم العسكري الغربي المستمر لكييف، والتداعيات التي ستنتج عن مشاركة قوات من "الناتو" في عمليات على الأراضي الأوكرانية.
واللافت هنا أن بيسكوف تحدث عن أن العملية الخاصة تحولت واقعيا إلى حرب تتورط فيها دول "الناتو" إلى جانب أوكرانيا، مما يفهم منه تلميحا أن روسيا قد تجد نفسها مضطرة للرد بخشونة في مرحلة لاحقة، إذا تجاوزت دول "شمال الأطلسي" الخطوط الحمراء التي رسمها الكرملين. وخطورة هذا التلميح أنه سينقل الصراع إلى طور جديد، ينذر باندلاع مواجهة مباشرة بين روسيا و"الناتو"، تضع العالم على حافة حرب عالمية ثالثة.
وفي دلالة على زيادة التوتر بين روسيا والغرب، فقد سبقت تصريحات بيسكوف مناورات "المدافع الصامد"، الأكبر من نوعها لـ"حلف شمال الأطلسي" منذ انتهاء الحرب الباردة عام 1991، بمشاركة 90 ألف جندي، ومختلف صنوف الأسلحة الجوية والبحرية والبرية. بدأت المناورات في 25 يناير/كانون الثاني الماضي، وتستمر حتى مايو/أيار المقبل، والهدف منها تعزيز ردع "الناتو" لروسيا.
من المستبعد أن تغير روسيا موقفها قريبا، فليس من مصلحتها الدخول في تصعيد غير منضبط
بالإضافة إلى إعلان المستشار الألماني أولاف شولتز، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البولندي دونالد توسك في العاصمة الألمانية برلين 15 مارس الجاري، عن تشكيل تحالف لتوفير أسلحة بعيدة المدى لأوكرانيا، والتزام برلين وباريس ووارسو بشراء المزيد من الأسلحة لصالح كييف، وذلك على مستوى السوق العالمية بأكملها.
وستشكل الأشهر القليلة المقبلة تحديا كبيرا للعلاقات الروسية الغربية، مع تصاعد المعارك بين القوات الروسية والأوكرانية في الأسابيع المقبلة، واحتمال لجوء موسكو إلى استخدام أوراق جيوسياسية من شأنها توسيع نطاق الصراع تكتيكيا للضغط على دول "الناتو" من أجل إعادة حساباتها. على سبيل المثال تسخين روسيا للوضع في منطقة ترانسنيستريا الانفصالية في مولدافيا، أو التلويح بالسيطرة على ممر سووالكي الذي يقع بين حدود ليتوانيا وبولندا وبين بيلاروسيا ومقاطعة كالينينغراد الروسية المعزولة على بحر البلطيق بين بولندا وليتوانيا.
استبعاد إعلان روسيا الحرب
كان بيسكوف حريصا خلال توضيح تصريحاته الأخيرة على تأكيد أن روسيا ما زالت تعتبر الحرب على أوكرانيا "عملية خاصة". ووفقا لما قاله بوتين في خطابه السنوي إلى الأمة، يوم 21 فبراير 2023، فإن هذه العملية "إجراء دفاعي لحماية روسيا والناطقين بالروسية من المعتدين في الناتو". وهذا الموقف يبقي الكرة سياسيا في الملعبين الأوكراني والغربي، ويظهر روسيا في حالة دفاع عن النفس.
ومن المستبعد أن تغير روسيا موقفها في المدى المنظور، لأنه ليس من مصلحتها الدخول في مرحلة تصعيد غير منضبط. كما أن إعلان الحرب قد يحمل معه فرض الأحكام العرفية، بما لا يتوافق مع الأحكام المنصوص عليها في الدستور الروسي، مثل حدوث اعتداء خارجي على الأراضي الروسية، أو احتلال أراض روسية أو ضمها، أو الهجوم على قوات روسية داخل أو خارج روسيا، أو سماح إحدى الدول باستخدام أراضيها لشن هجمات على السيادة الروسية، أو فرض حصار على الموانئ الروسية.. إلخ. وكلها شروط غير متوافرة في الوقت الراهن.
تندرج تصريحات بيسكوف في إطار التلويح بأوراق تحذيرية بقصد ردع الغرب
فضلا عن أنه سينتج عن إعلان الحرب وتطبيق الأحكام العرفية تداعيات سلبية جدا على الأوضاع الداخلية الروسية، ولاسيما على القطاع الاقتصادي والأنشطة المصرفية، وحركة الطيران المدني والنقل البحري والبري من وإلى روسيا، وخطوط الإمداد وتدفق البضائع، إلى جانب تأثر الحياة اليومية للمواطنين الروس وأنشطتهم.
والأهم مما سبق عمليا، أن إعلان موسكو للحرب لن يضيف شيئا للمجهود الحربي الروسي، فالاقتصاد الروسي تحول على أرض الواقع إلى اقتصاد حرب، والجيش الروسي وفقا لما هو معلن ليس بحاجة إلى إعلان تعبئة عامة، والقوات الروسية تستخدم كل ما لديها من أسلحة تقليدية وحديثة في هجماتها على أوكرانيا.
وبالتالي تندرج تصريحات بيسكوف في إطار التلويح بأوراق تحذيرية بقصد ردع الغرب، خشية حدوث تطورات في الحرب الأوكرانية تخرج عن نطاق السيطرة في حال حصول تدخل غربي مباشر، أو تزويد الغرب لأوكرانيا بأسلحة حديثة تغير مسار الحرب مثلما حصل في خريف 2022، عندما استطاعت القوات الأوكرانية شن هجوم معاكس استعادت فيه مساحات شاسعة من الأراضي التي احتلتها القوات الروسية في الأسابيع الأولى من الحرب.