الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الاستحقاق الانتخابي في سورية

الاستحقاق الانتخابي في سورية

04.02.2020
شفان إبراهيم



العربي الجديد
الاثنين 3/2/2020
تُعتبر قضية إجراء الانتخابات من أكثر القضايا إشكالية وجدلية في الشأن السوري، لدى أغلب صناع القرار، خصوصا أنه من ضمن أساس الحل السوري، وإيجاد مخرج يُرضي جميع أطراف النزاع. وعادة ما تكون الانتخابات من أبرز حوامل الديمقراطية لفرز شخصياتٍ تعبر عن الشعب والمشاركين في عملية التصويت. بيد أن المشكلة هي في التوقيت الأنسب لإجراء هذه الانتخابات، وهذه تخضع لثلاثة محدّدات متعاكسة. الأول، قبل أي تسويةٍ سياسيةٍ، كي يقوم الناجحون في الانتخابات بإدارة الملف السوري من الداخل، والعمل على إعادة اللاجئين وإعادة الأعمار وإدارة مرحلة مؤقتة، حتى الوصول إلى تسوية سياسية ودستور متفق عليه. الثاني، الأولوية هي لإعادة كتابة الدستور، وتعقبه فترة حكم توافقي، من مهامها الإشراف على وضع نواظم للعملية الانتخابية تتمة للحل السياسي. الثالث، مستويات الانتخابات ما بين المحلية والبرلمانية والرئاسية هي الأخرى تعتبر المشكلة الكبرى. وتواجه هذه المحددات الثلاثة خمسة إشكالاتٍ تعيق العملية الانتخابية في سورية؛ الوضع الحالي، مستوى الانتخابات، من سيشارك بالتصويت، وضع الأطراف الساعية صوب خصوصية سياسية في سورية، البيئة الآمنة المطلوبة للانتخابات.
الإشكالية الأولى: يشير راهن الوضع السوري إلى خسارة المعارضة السورية أي انتخابات حاليا، خصوصا أنها غير متمكّنة من التحكّم في مسار عملية الانتخابات، بسبب سيطرة الحكومة السورية على مفاصل تلك العملية. عدا عن حاجة الوطن السوري إلى قانونٍ جديدٍ للأحزاب وقانون آخر للانتخابات، وضرورة وضع موانع أمام ترشّح شخصياتٍ لا تؤمن بالعيش المشترك والديمقراطية وحقوق القوميات والتداول السلمي للسلطة.
تصرّ المعارضة السورية على التفاف الشارع السوري حولها، ولعل أصعب المهام أمام جميع 
"الحل السياسي هو الضرورة الأولى، لأنه المؤدّي إلى استقرار اقتصادي اجتماعي أمني"الأطراف المتنافسة في الانتخابات، سواء قبل الخروج بدستور توافقي أو بعده، يتجلى بعمقٍ في إعادة الثقة للشارع السوري، إن كان ممثلا عن جميع المكونات والقوميات والأديان.
الإشكالية الثانية مستوى الانتخابات: من الأفضل التريث قبل إجراء أيّ انتخاباتٍ على المستوى المحلي أو البرلماني أو حتى الرئاسي، لأن عدم اتفاق السوريين على شكل الدولة ونظام الحكم، خصوصا مع استحالة تطبيق العدالة الانتقالية؛ بسبب مشاركة الدول الفاعلة في الملف السوري في إراقة دماء الأبرياء، عن قصد أو من دونه، سيعقّد المشهد السوري أكثر. عدا عن أن المجالس المحلية ومجالس المحافظات والبلديات غالباً ما يكون المسؤول عنها أو رئيسها مُعيناً لا مُنتخباً، وهي إحدى تلك الإشكالات أيضاً.
الإشكالية الثالثة من سيشارك بالتصويت: ثمّة ثلاث عقبات للدلالة على نوعية الانتخابات المقبلة، تتعلق بالمواطنين السوريين ممن يحق لهم المشاركة، وهي العقبة الأكثر إشكاليةً في ملف الانتخابات، تضاف إليها البنية التحتية غير الصالحة لإجراء الانتخابات. أول العقبات: امتلاك اللاجئ السوري الحقّ في المشاركة في التصويت قد ينحصر على مستوى انتخابات رئاسة الجمهورية فقط، وحرمانه من المشاركة في اختيار مرشّحي البرلمان، هو إقصاء جديد للسوريين. ولعل عودة المهجّرين هو الضمان في وجود انتخابات جدّية. ولكن إلى ذلك الحين، ربما يعتبر الدخول في عملية تمثيل توافقي للسوريين الحل الأفضل. العقبة الثانية: أن وجود النازحين بأعداد كبيرة ضمن مختلف المحافظات السورية يطرح سؤالاً مهماً حول أين سيصوت النازح السوري ولمن؟ يتوزّع مئات آلاف من السوريين على مختلف المحافظات السورية، فهل تحق لهم المشاركة في مكان إقامتهم، تصويتاً وترشيحاً، أم أن التصويت سيكون لصالح دائرتهم الانتخابية في نفوسهم الأصلي، لكن من مكان إقامتهم المؤقتة (مثال: نازح من أهالي دير الزور يقيم في عامودا سيصوّت لمرشحي دير الزور من مكان إقامته، وصوته لصالح مُرشحي دير الزور حصراً) أم أن النازحين ستحق لهم المشاركة في الانتخابات من مكان إقامتهم، ترشيحاً وتصويتاً، وما يتوجب عليه من ضمان تمثيل النازحين بمقعد في البلديات ومجالس المحافظة أيضاً. العقبة الرابعة: مكتومو القيد من الكُرد، والذين لا يملكون أيَّ ثبوتياتٍ تخوّلهم المشاركة في الانتخابات، هل سيصار إلى منعهم مُجدداً؟ هذه الأمور مؤشّر على أن نظام الدائرة الانتخابية يجب أن يخضع للاعتبارات والحساسيات التي طغت في الحدث السوري بشكل أعمق وأكثر جذرية مقارنة بسابقتها.
الإشكالية الرابعة، وضع الانتخابات في الأطراف التي تطالب بخصوصية سياسية ضمن سورية:
"من الأفضل التريث قبل إجراء أيَّ انتخاباتٍ على المستوى المحلي أو البرلماني أو حتى الرئاسي"
- إجراء الانتخابات قبل تسوية سياسية شاملة، ومنح الأطراف والقوميات والأقليات الإثنية والدينية طمأنة سياسية حقيقية، سيعني مزيداً من الانسلاخ عن الهوية الوطنية لصالح الهوية الفرعية، وهذه المرة ستكون بعنف وردة فعل أكبر؛ لأن الوضع الحالي لإجراء الانتخابات من دون توافق محلي إقليمي دولي، ومن دون رضا الأطراف الساعية صوب خصوصية سياسية قومية في سورية سيدفع تلك الأطراف والأجساد السياسية الممثلة عن تلك القوميات إلى مقاطعة الانتخابات. عدا عن ضرورة ضمان الجندرة في البرلمان وهياكل الحكم المحلية، وهل سيُتبع كوتا القوميات أم دوائر خاصة لأبناء الشعوب المغايرة للأكثرية.
- إن لم تتم معالجة كل هذه الإشكاليات قبل أي انتخابات، فإن الوضع يتجه صوب مزيد من التفكك والانسلاخ عن الهوية السورية، وهو ما يتطلب وجود مرحلة حكم توافقي، ووضع دستور جديد للبلاد، وضمان وصول كل الشرائح والقوميات إلى البرلمان والمجالس المحلية، وتأكيدا على القرار النهائي لأبناء المحافظات والأقاليم والأطراف في انتخاب ممثليهم لرئاسة الهياكل المحلية. والنقطة الأكثر إشكالية: تحت أيّ مسمّى للدولة سيترشح الكُرد والسريان الأشوريون للانتخابات، ودوام عروبة سورية بكاملها تحت مسمى الجمهورية العربية السورية، أم الدولة/ الجمهورية السورية. كما أن أبرز مخاوف الآخر غير المسلم يتجسّد في قضية دين رئيس الدولة، والتشريع ومصادره للدولة، هل سيبقى الدين الإسلامي المصدر الرئيسي والوحيد للتشريع.. وكم برلماناً سيكون في سورية، واحداً للمركز وآخر للأطراف، وحجم توزيع الصلاحيات بينها، أم نظام الغرفتين في البرلمان، أم العودة مُجدّداً إلى المركز وبرلمان مركزي وقرار مركزي من جديد؟
الإشكالية الخامسة هي شروط البيئة الآمنة التي تتطلبها الانتخابات: في المجمل، المطلوب للبيئة الآمنة توفر ثمانية شروط: بنية تحتية وتوعية بشرية للناخبين والمترشحين وحتى المشتغلين في الحقل السياسي نفسه، ومعرفة حقوق الأعضاء والمرشّحين والمندوبين وواجباتهم. قانون جديد للانتخابات والأحزاب. ضمانات أممية قوية للمراقبة. دستور عصري يشرع هذه العملية الانتخابية، خصوصا أن أبرز المشكلات التي ربما تعيق أو تعرقل أي عملية انتخابية نزيهة هي قضية آلية اتخاذ القرار في البرلمان والمجالس المحلية، وهل ستتبع طريقة أكثرية الأصوات، وماذا يضمن حقوق القوميات في هذه الحالة. عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم. إعادة إعمار البلاد أو إيجاد حل للمساحات المخيفة المهدمة. مناخ وطني وعقد اجتماعي جديد عجزت كل الأطراف عن تأمينه، حتى بعد مضي عقد على الكارثة السورية. دور فعال وعميق لمنظمات المجتمع المدني.
قصارى القول: الحل السياسي هو الضرورة الأولى؛ لأنه المؤدّي إلى استقرار اقتصادي اجتماعي أمني. وإجراء انتخابات بالشكل الحالي هو ترسيخ للصراع الجغرافي حالياً، من دون معرفة مصير المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا ـ روسيا - إيران، ولن تؤدي الانتخابات إلى حل الصراع، ولا البحث في جذوره وأسبابه.