الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الانتكاسة التركية – الروسية في سوريا… تصدع مؤقت للعلاقات أم زلزال مدمر؟

الانتكاسة التركية – الروسية في سوريا… تصدع مؤقت للعلاقات أم زلزال مدمر؟

10.02.2020
حسام محمد



القدس العربي
الاحد 9/2/2020
إسطنبول -“القدس العربي”: تقول بعض القراءات لتطورات المشهد السوري المعقد عسكريا في مرحلته الأخيرة، أن تركيا رغم الحشود العسكرية التي أرسلتها إلى شمالي سوريا، إلا أنها لم تكن تتوقع ضربات بحجم القوة التي تعرضت لها إحدى نقاط مراقبتها في ريف إدلب من قبل النظام السوري، والتي أودت بحياة ثمانية بينهم خمسة من جنود الجيش التركي وإصابة آخرين. ويرجح أصحاب هذه الرؤى التحليلية إلى أن أنقرة كانت تثق إلى أبعد الحدود بقدرات موسكو على ضبط إيقاع دمشق عندما تختلط بعض الأوراق، وأن مصدر هذه الثقة يعود للابتعاد التركي أولا عن المعسكر الغربي، والعلاقات الفاترة مع الولايات المتحدة الأمريكية والمتأرجحة مع أوروبا، إضافة إلى التعويل على المشاريع الاقتصادية بين البلدين وكذلك التعاون العسكري المولود حديثا لمنع الانزلاقات الميدانية في سوريا. فهل ما شهدته العلاقات من انتكاسة مؤخرا هو بداية لزلزال مدمر أم تصدع مؤقت ستنجح الدولتان في ترميمه تدريجيا؟
ميدانيا، بدأت ملامح الخلافات التركية- الروسية تطفو على الواجهة منذ سيطرة النظام السوري والميليشيات الإيرانية على مدينة معرة النعمان في ريف إدلب، واحتدم التصريحات بين الجانبين، وخاصة في أنقرة مع دخول مدينة سراقب الاستراتيجية ساحة الحرب، ووصلت الخلافات ذروتها مع مقتل جنود الجيش التركي، لتقوم المدفعية التركية بضرب العشرات من أهداف النظام على امتداد الشمال السوري، وسط تحميل روسيا مسؤولية قتل الجنود الأتراك ورفض موسكو لذلك، في حين رفعت تركيا من نبرة التهديدات والوعيد بضرب قوات دمشق عند أي خرق لها، وبدأت سياسة احتواء الخلافات بين الجانبين مع الاجتماع العسكري الذي شهدته مدينة سراقب بين وفدين عسكريين روسي وتركي، انتهى بانسحاب المعارضة وإعلان دمشق السيطرة على المدينة الاستراتيجية التي تعتبر آخر مدن ريف إدلب الشرقي.
تركيا، لم تخف مشاعر الغضب من حليف الأمس ومنافس اليوم، إذ اعتبر الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” أن هجمات النظام السوري على مواقع الجيش التركي تضر بجهود السلام المشتركة روسيا وتركيا في سوريا، إلا أن موسكو كانت مواقفها ثابتة وكذلك ذرائعها، من خلال تعويم مفهوم مكافحة الإرهاب، وتحميل أنقرة مسؤولية مقتل جنودها بحجج لوجستية رفضتها تركيا واعتبرتها غير صائبة.
التفاهمات التي ظهرت متينة تارة، وتنافسية تارة أخرى بين أطراف اتفاق سوتشي الموقع في روسيا 2018 لم تخف في جوانبها اختلاف الرؤى بين الحل السياسي الذي ترحب به تركيا وتدعيه روسيا، وآخر عسكري تفرضه موسكو بحمم صواريخها الجوية ومدافع الأسد الميدانية، ولعل الاختلاف في القناعات ساعد إلى حد كبير بإنهيار قواعد الاشتباك في الشمال السوري، والإنزلاق الذي كاد يصل إلى مستويات غير مسبوقة.
بعض مصادر المعارضة، ترى أن ما بعد سراقب، ليس كما قبلها، وأن الجيش الروسي فرضت كلمته في الميدان، رغم الرفض التركي وفشل المعارضة السورية المسلحة التي حظيت في المعارك الأخيرة بغطاء مدفعي تركي من كسر قواعد الاشتباك سواء في معارك سراقب أو بلدة النيرب. كما ترى تلك المصادر، أن المقبل هو تفاهم سياسي جديد أو تعديل للاتفاق السابق وفق التطورات الميدانية.
الخبير العسكري والاستراتيجي فايز الدويري قال عبر حسابه في مواقع التواصل الاجتماعي تويتر: مدينة سراقب هي الاختبار الحقيقي لجدية ومصداقية أردوغان في دعم وحماية الشعب السوري وثورته، سقوط سراقب له تداعيات خطيرة، فما بعد سراقب ليس كما قبلها، لقد سقطت سراقب بعد تهديدات أردوغان، فأثبت بوتين أنه صاحب اليد العليا”.
اتفاق أضنة… حدود تركيا
السياسي السوري درويش خليفة يرى أن الخلافات الروسية-التركية بدأت تظهر للعلن وبوضوح شديد وبالذات بعد مقتل الجنود الأتراك الثمانية في الأسبوع الفائت، من دون تقديم العزاء من قبل الحكومة الروسية والاكتفاء بمعاتبة حكومة أنقرة بسبب الرد على مصدر النيران التي قتلت الجنود الأتراك.
الأكثر وضوحا في ملف إدلب أن الدبلوماسية والقانون الدولي، حسب ما قاله خليفة لـ “القدس العربي”: لن يقفا في مواجهة طموح الروس في إعادة محافظة إدلب إلى سيطرة النظام السوري، تاركين لشريكهم التركي اتفاقية أضنة مع إمكانية منحها بضعة كيلومترات لإسكان المناهضين لنظام الأسد يرافقه تجاهل كامل للملف الإنساني بعد تهجير ما يقارب 900 ألف نسمة في آخر شهرين نحو الشريط الحدودي مع تركيا، حاملين معهم القليل من الأدوات التي تقيهم برودة الطقس والكثير من مآسي النزوح.
وما زاد من أرباك الوضع في إدلب مؤخرا، تشابك ملفها العسكري والسياسي مع الملف الليبي بالرغم من بعدهما الجغرافي 2130 كلم.
روسيا بدورها تريد أن تسابق الزمن في إعادة السيطرة على إدلب وتسليمها لنظام الأسد قبل أي استحقاق مقبل على مستوى انتخابات مجلس الشعب في أيار- مايو المقبل، أو الانتخابات الرئاسية السورية في منتصف العام المقبل.
تجنب الضغوط
أما تركيا فتحاول، من وجهة نظر درويش خليفة، ألا تتحمل أعباء كارثة إنسانية بعد أي عمل عسكري للنظام وحلفائه على مناطق قطاع إدلب، والذي عملت القوات الروسية على قضمه من خلال استراتيجيتها التي صرح عنها وزير خارجيتها سيرغي لافروف تحت عنوان “خطوة بخطوة”. إذ أن الروس قاموا حتى اللحظة بقضم 30 كيلو متر جنوبا من محافظة إدلب، بدءً من بلدة طيبة الإمام مروراً بمورك وخان شيخون، وما بين 14 حتى 19 كلم شرق الريف الادلبي.
وإذا ما قلنا هذا النهج يخالف مخرجات سوتشي فالذرائع دائما حاضرة على طاولة الدبلوماسية الروسية وهي وجود فصائل جهادية مصنفة على لوائح الإرهاب لم تستطع تركيا معالجة وجودها وإيجاد حل يطابق ما تم الاتفاق عليه في سوتشي.
الاقتصاد لم يفلح
يرى السياسي السوري خليفة أن الشراكة الاقتصادية التركية الروسية المتصاعدة، لم تساهم حتى اللحظة في تقارب وجهات النظر السياسية والعسكرية بسبب تضارب المصالح وعدم الالتقاء أو الإيفاء في التزامات كل طرف للآخر، رغم وصول حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2019 إلى قرابة 30 مليار دولار، فيما وصل عدد السياح الروس إلى تركيا إلى قرابة 6 ملايين سائح.
كما أن زيارة الرئيس التركي الأخيرة إلى أوكرانيا قد تعمق الشرخ بين الطرفين، حيث قال الرئيس الأوكراني أن بلاده تنتظر المساعدات العسكرية التركية حسب الاتفاق العسكري بين البلدين وكذلك تصريح الرئيس التركي وإقراره بأن جزيرة القرم أوكرانية ولن تعترف بلاده بضمها لروسيا.
أي أن الخلافات لم تعد تنحصر في سوريا فقط، وترابط ملفاتهم أصبح يؤثر في جميع الملفات ولكن تبقى الكارثة الإنسانية في إدلب ومقتل الجنود الأتراك وما ولدته الحملة العسكرية الأخيرة من قبل النظام والروس محطة توجب على حكومة الرئيس أردوغان الوقوف عندها.
تضارب مصالح
في حين قيّم الباحث السوري فراس فحام العلاقات التركية- الروسية في الفترة الحالية بـ “الصعبة”، نتيجة حجم التضارب بين مصالح الطرفين في إدلب.
إذ أن روسيا تعمل على فرض السيطرة على الطرق الدولية بشكل كامل، وعزل تأثير نقاط المراقبة التركية عنها، في حين أن تركيا ترفض تحجيم دورها في إدلب.
 كما رجح الباحث أن تبحث أنقرة وموسكو خلال اللقاء المقبل احتواء وإدارة الخلاف، بسبب حجم المصالح المتبادلة أيضا، حيث تنظر روسيا إلى تركيا على أنها بديل عن أوكرانيا من أجل نقل الغاز إلى أوروبا، وترغب روسيا أيضا بتعزيز الخلافات بين تركيا وأمريكا، ولا تريد أن تدفع أنقرة للتقارب مع واشنطن بشكل أكبر، خاصة أن الأخيرة تسعى لاستغلال الخلاف الحاصل في إدلب عن طريق التأكيد على دعم تركيا في حماية مصالحها
من جهتها تركيا ترغب في الحفاظ على شراكتها مع روسيا، خاصة أن الأخيرة باتت تشكل بديلاً مهما لتركيا عن أمريكا في تأمين الأسلحة اللازمة للدفاع عن الأمن القومي التركي.
صيغة جديدة
ستحاول كل من تركيا وروسيا – وفق قراءة الباحث فحام، إيجاد صيغة تفاهم جديدة تشمل “منبج وعين العرب وتل رفعت” بالإضافة لإدلب، من قبيل جعل هذه المناطق تحت النفوذ الروسي – التركي، والإشراف على فتح الطرقات الدولية، وتسيير دوريات مشتركة، مع منع دخول قوات النظام إلى مناطق الحاضنة الشعبية للمعارضة، وضمان عودة النازحين إلى المدن التي خرجوا منها مؤخراً كخان شيخون وسراقب ومعرة النعمان.
ويبقى خيار العودة للتصعيد وارداً وإن كان بدرجة أقل، فمن غير المستبعد أن تلجأ تركيا للخيارات العسكرية في حال اصطدمت بسقف مطالب مرتفع من الروس.
إلى ذلك اعتبرت صحيفة “إزفستيا” الروسية أن الوضع بين أنقرة وموسكو وصل إلى درجة الخطورة في إدلب، وسط إصرار تركي على حماية المعارضة، أو من وصفتهم الصحيفة بـ “الإرهابيين”، معتبرة أن الخصام بين طرفي سوتشي يفرح الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن واشنطن مشغولة- حسب الصحيفة- بضخ النفط السوري ومحاولة منع إيران من تعزيز نفوذها في المنطقة، إنما يُستبعد أن تبقى على الهامش إذا زادت درجة التوتر بين موسكو وأنقرة. فقد أعلن وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، في تعليقه على حادثة إدلب، دعمه “لتركيا، حليف (أمريكا) في الناتو و(ردها) المبرر في إطار الدفاع عن النفس.
أما صحيفة “موسكوفسكي كومسوموليتس”، الروسية طالبت القيادة الروسية بالرد على التهديدات التركية، ومحذرة من تداعياتها، ونقلت الصحيفة عن مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، سيميون بغداساروف قوله: “إذا لم نتدخل الآن (ضد التهـديدات التركية) فغداً قد نتراجع إلى قاعدة حميميم، وسيقوم المسلـحون، تحت حماية تركيا، بقصفها بصواريخ غراد”.
واعتبر بغداساروف أن “الهدف السياسي الأول بالنسبة لأردوغان هو حلب، وهذا هو أساس أيديولوجيته، وقد أعلن عن ذلك مرات كثيرة: سوف نستعيد شمال سوريا، وشمال العراق، والجزر اليونانية، وباتومي، وهذا ما يسعون جاهدين إليه”.