الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العلاقات الإيرانية الروسية الراهنة

العلاقات الإيرانية الروسية الراهنة

30.08.2016
عبد العزيز الكحلوت


الشرق القطرية
الاثنين 29/8/2016
كشف استخدام روسيا لقاعدة نوجة الجوية بهمدان عن طبيعة العلاقات الروسية الإيرانية وعن تراجع الدور الإيراني في المنطقة لصالح روسيا التي استغلت فتور الدور الأمريكي واتجاهه إلى آسيا والمحيط الهادي وخروجه من الشرق الأوسط - لتحل مكانه بالتدريج - وقد عكست الأزمة السورية وتداعياتها السياسية وأيضاً الميدانية حجم الحضور الروسي في المنطقة، فروسيا التي ظلت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي لأكثر من عقد من الزمان تبحث لنفسها عن مسار وجدت في الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة وفي حاجة كل من إيران وسوريا إليها مخرجاً لها من محاولات العزل والتضييق التي فرضها الغرب عليها.
لم يكن استخدام روسيا لقاعدة نوجة الجوية بهمدان في حد ذاته يمثل مشكلة لإيران ولكن إعلان روسيا منفردة عن ذلك الاستخدام كان المشكلة إذ حمل في ذاته دلالات تبعية إيران لروسيا ولذا فضلت القيادة الإيرانية أن يظل الأمر سرا بينما تصرفت روسيا كقوة عظمى يهمها أن توضح طبيعة العلاقة بين الدولتين وهو ما أثار تباينا وتخبطا في تصريحات المسؤولين الإيرانيين وعكس ما يشبه الصراع بينهم حول الوجود الروسي في سوريا وإيران فبينما أثار الإعلان وزير الدفاع الإيراني حسن دهقان ودفعه إلى وصف ما قامت به روسيا "بالاستعراض وعدم اللباقة " قال لاريجاني "أن استخدام الطائرات الروسية للقاعدة كان مؤقتا ولذلك لم يكن بحاجة إلى إذن من البرلمان" إلا أن تصريحات رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان علاء الدين بروجردي جاءت مناقضة لها إذ قال "إن روسيا تستخدم القاعدة الجوية منذ زمن طويل لكن تم الإعلان عنها بتفاهم إيراني روسي"، وقد أثار الإعلان أيضا غضب البرلمان الإيراني الذي لم يستشر في الأمر لذلك طالب 20 برلمانيا بعقد جلسة سرية للوقوف على حقيقة ما جرى في همدان خاصة بعد أن تلقى البرلمان صفعة أخرى قوية من وزير الدفاع الذي زعم أن "لا شأن للبرلمان" في الأمر. تباين تصريحات المسؤولين الإيرانيين عكس انفراد مجلس الأمن القومي لا البرلمان بالقرار فقد أثبتت الأقمار الصناعية الأمريكية وجود القاذفات الروسية في قاعدة همدان الجوية وهي ثاني أكبر قاعدة جوية في إيران في ديسمبر 2015 وعزز هذا التعاون العسكري الزيارات واللقاءات التي عقدها مع الروس كل من شمخاني مسؤول الأمن القومي الإيراني ووزير الدفاع خلال الشهرين الماضيين وما قبلهما واعتبار الولايات المتحدة استخدام الروس لقاعدة همدان "أمرا مؤسفا لكنه غير مفاجىء" بما يعني علمها المسبق بما جرى. إعلان طهران وقف استخدام الروس لقاعدة همدان الإيرانية وقول المتحدث باسم الخارجية بهرام قاسمي "ليس لروسيا قواعد في إيران ولا تتمركز هنا..قاموا بهذه العملية وانتهى الأمر في الوقت الحالي" يعكس تذمر إيران من طبيعة علاقتها مع روسيا التي أعلنت أنها بصدد توقيع اتفاق مع طهران شبيه بذلك الاتفاق المذل الذي وقعته مع دمشق فإيران تعتبر نفسها لاعب أساسي في المنطقة وربما استخدمت علاقتها المتنامية مع روسيا للضغط على الإدارة الأمريكية الحالية لتسريع إنهاء العقوبات عليها خاصة أنها تتخوف من الإدارة الأمريكية الجديدة وفي الوقت نفسه فإن روسيا تستغل علاقاتها مع إيران وتأثيرها في الأزمة السورية وتستخدمها كورقة جديدة في اللعب مع الغرب كما قال الكاتب الروسي دميتري يفستافييف وتختلف مع إيران في مسألة بقاء الأسد من عدمه فالذي يهم روسيا منفذها على البحر المتوسط ولا تمانع من قيام نظام فيدرالي في سوريا أما إيران فتعتبر بقاء الأسد خطا أحمر ومسألة حياة أو موت ولا تسمح بتغيير نظام الحكم في سوريا وفي المحصلة النهائية فإن وجود روسيا في سوريا قلل من أهمية الدور الذي تلعبه إيران بل ويرى بعض المراقبين أن روسيا تعمل على بناء محور شرق أوسطي جديد يستتبع بالتدريج إيران ويرث مناطق نفوذها القديمة والتي تمتد عبر العراق فلبنان فسوريا وقد تمتد إلى اليمن بعد دعوة المخلوع المنشق المتحالف مع عصابات الحوثي على عبدالله صالح روسيا للتحالف معه في صنعاء ضد الإرهاب. ولكن هذا السيناريو يبدو صعبا فروسيا اليوم تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة ولها أزمات ووجود في أكثر من منطقة وهي تعلم أن اصطفافها مع إيران يجعلها تخسر أصدقاءها العرب الحاليين والمحتملين خاصة أن إيران بدأت في التعاون العسكري مع الصين وما زالت تتطلع إلى الغرب الذي يملك التكنولوجيا القادرة على تطوير صناعة النفط وغيرها وهو ما لا يتوافر لدى روسيا كما أن إيران لم تعد ترغب بدور أكبر لروسيا في المنطقة يقلل من دورها وأيا كان حجم العلاقات الروسية الإيرانية الراهنة فإن إيران لن تجد شراكة حقيقية ومستقرة إلا مع محيطها العربي وهو الأمر الذي يتطلب منها سرعة وقف مشاريع الهيمنة التي تقف من ورائها في المنطقة.