الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللاجئون السوريون.. مستقبل مجهول

اللاجئون السوريون.. مستقبل مجهول

15.09.2019
أحمد سلوم


(سورية)
العربي الجديد
السبت 14/9/2019
تمر الأيام يوما بعد يوم، لتجمع بمرورها الشهور والسنين التي تزداد بها مأساة السوريين أمام مرأى العالم أجمع، وذلك من دون أي تحرك ملحوظ أو أي تنفيذ لقوانين إنسانية هم من وضعوها وصاغوها لحماية الإنسان، إلا أن ذلك القانون لا يعتبر "إنسانهم" مثل السوري الذي فقد الغالي والرخيص مقابل حريته التي لم يصل إليها من جرّاء التآمر عليه.
الحرب التي دمرت سورية وقضت على أحلام شبانها لم ترحم اللاجئ في بلدان لجوئه، بل على العكس تماما، الكل استغل قضيته وأزمته لصالحه، ففي أوروبا استغلت الأحزاب اليمينية المتطرّفة أزمة اللاجئين لكسب مزيد من أصوات الناخبين ليصلوا إلى مركز اتخاذ القرار. وفي الدول المجاورة لسورية أيضا، لم ينعم اللاجئ السوري بالأمان، فدائما هو مطالب بالكثير لتحدي العراقيل التي تضعها أمامه حكومات تلك البلدان.
ولا ننسى أبدا أن هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ موجودتان في محافظة إدلب المحرّرة من طغيان نظام الأسد، لم ينعم قاطنوها بالراحة والاطمئنان، فإلى جانب تعرّضهم للقصف بالصواريخ وأنواع مختلفة من الأسلحة، تفرض عليهم تلك الفصائل قوانين جائرة تمنعهم من حق التعبير عن أنفسهم، وهم الذين بذلوا الغالي والرخيص مقابل حريتهم. فمثلا، إنّ فرع الأمنية المتمثل بالداعيات والدعاة التابعين للهيئة، يتدخلون في كل تفاصيل الحياة، يدخلون حرم الجامعة والمعاهد ليراقبوا لباس الإناث وحركاتهم التي يعتبرونها مخلة بالآداب! بالإضافة إلى ابتزاز الناس أيضا، كالتدخل في الأفراح والمؤتمرات، إذ يجب على كل من يقيم فرحا أو مؤتمرا، أن يأخذ إذنا خطيا من الأمنية، ويدفع مبلغا ماليا يقدر بخمسين ألف ليرة سورية، وحين تظاهر عليهم المدنيون اعتبرتهم الهيئة مرتدين ووصفهم الصحافي، أحمد زيدان، بالضفادع والمتآمرين.
وفي بلاد الأحلام أوروبا أيضا، لم يُنصَف السوري الذي شرّدته قنابل الحرب وأشلاء الجثث لبلادهم، بل بدأت الأحزاب السياسية بالترويج لطرد اللاجئين السوريين ليصلوا إلى البرلمان، وبات السوريون ورقة لعب بأيديهم يرمونها كيفما شاؤوا من خلال قوانين يسنّونها وفق مصلحتهم فقط.
لا ننكر أبدا، أنهم في البداية استقبلوا آلافا من السوريين الذين وصلوا إلى أوروبا ومنحوهم حق الإقامة الدائمة، ومنهم من بدأ بالحصول على الجنسية أيضا كما يحدث في السويد مثلا. ولكن لم يدركوا أن غالبية هؤلاء الذين لجؤوا في البداية هم من السوريين الذين لم يعايشوا الحرب، وإنما قدموا من بلدان الخليج، وآخرين من مؤيدي النظام، والدليل على ذلك أن رحلة اللجوء في البداية كانت مكلفة وباهظة الثمن، ولا يستطيع أي سوري تحمّل أعبائها. أما حينما فتحت الحدود، وأصبحت رحلة الموت (اللجوء) رخيصة الثمن، تمكن الكثير ممن عاشوا الحرب والذين دمرت منازلهم وصودرت ممتلكاتهم، من الفرار إلى أوروبا، إلا أن حظهم كان متعثرا بقوانين جائرة لم ترحمهم ولم تكن مأساتهم عونا لهم، لتستمر حالة الخوف والقلق في قلب كل سوري جاء إلى أوروبا في ظل القوانين المعدلة حالماً بحياة ومستقبل جديد.
ليست ظاهرة اللاجئين التي تعتبرها البلدان أزمة لهم وليدة التاريخ الحديث، وإنما يمكن الحديث عن أول مليون لاجئ في تاريخ البشرية على إثر حروب الدين التي شهدتها أوروبا في القرن السادس عشر، والتي بدأت عملياً مع طرد الملوك الكاثوليك يهود إسبانيا في 1492، وبلغت أوجها مع اضطهادات البروتستانتيين، على إثر إلغاء مرسوم نانت الذي كان يبيح حرية المعتقد الديني.
وفي السنة التاسعة للثورة، لا بد أن ندرك ونعيد إلى أذهاننا أن سورية كانت إلى وقت قريب تعرف بأنها ثاني أكبر مضيف للاجئين بعد باكستان، وأن الشعب السوري احتضن اللاجئين من بلدان مختلفة في المنطقة وغيرها، وفتحوا بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم للجميع من دون شروط أو قوانين تعرقل حياتهم، أو أن تشعرهم بأنهم غرباء.