الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الانسحاب الأمريكي من سوريا… تخبط ترامب والردود العنيفة

الانسحاب الأمريكي من سوريا… تخبط ترامب والردود العنيفة

03.01.2019
صادق الطائي


 القدس العربي
الاربعاء ٢/١/٢٠١٩
تبقى قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مفاجئة حتى بالنسبة لأقرب أعضاء إدارته أو أقرب حلفائه الدوليين، فقد تفاجأ المراقبون عندما صرح الرئيس عبر تغريدة على حسابه في تويتر يوم 19 ديسمبر/كانون الأول أعلن فيها قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا، وبرر الأمر بأن هذه القوات أنجزت المهمة التي كلفت بها، وهي مقاتلة تنظيم "داعش" الارهابي والانتصار عليه. وأكد ترامب في رسالة ضمنها شريط فيديو بثها عبر حسابه بموقع تويتر، قال فيه: "بعد الانتصارات التاريخية ضد "داعش"، حان الوقت لإعادة شبابنا العظماء إلى الوطن". وتابع: "لقد انتصرنا لذا فإن أبناءنا، شبابنا من النساء والرجال سيعودون جميعا، وسيعودون الآن".
وتذكر المراقبون تصريحا سابقا لترامب كان قد أطلقه في مؤتمر صحافي في أبريل/ نيسان الماضي:"بأن الولايات المتحدة أنفقت 7 تريليونات دولار في الشرق الأوسط". وأن "السعودية مهتمة جداً بقرارنا.. وإذا كانت الرياض ترغب ببقائنا في سوريا، فيجب عليها دفع تكاليف ذلك"، كما أكد، أن"تواجد قواتنا في سوريا مكلف للغاية بالنسبة لنا، ويخدم مصالح دول أخرى أكثر مما يساعدنا". وأضاف "أريد أن أعيد قواتنا إلى ديارهم، أريد أن أبدأ بإعادة بناء أمتنا، مهمتنا الأساسية هناك هي التخلص من "داعش"، وقد أنجزنا هذه المهمة تقريباً.. سنتخذ قراراً في وقت سريع جداً"، ما جعل الأمر يفهم حينها على أنه خطوة من سلسلة خطوات ابتزاز النظام السعودي.
من المعروف أن تواجد القوات الأمريكية في سوريايعود إلى عهد الرئيس أوباماأواخر عام 2015، وأن التواجد العسكري تم بدون موافقة دمشق، التي اعتبرته تدخلا سافرا في الشأن الداخلي السوري، لكن الموقف الأمريكي جاء حينها ردا على بلوغ تنظيم "داعش" ذروة توسعه في سوريا والعراق، بعد أن سيطر على مساحات واسعة في البلدين. حينها دفعت الولايات المتحدة بقوات برية لمساندة الميليشيا الكردية المعروفة باسم قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في قتالها ضد "داعش"، فقد زج بقواتالوحدات الخاصة الامريكية في مناطق متعددة في شرق وشمال شرق سوريا.
مع ازدياد حدة المعارك ضد "داعش" ازداد عدد القوات الأمريكية بشكل تدريجي ليصل عام 2016 إلى ‏‏2000 جندي يتمركزون في عدة قواعد عسكرية بمناطق شرق وشمال شرق سوريا، وقد أشارت عدة مصادر إلى تواجد القوات الامريكية في قواعد في المناطق التي تقع تحت سيطرة الاكراد في سوريا، أهمها قاعدة مطار الرميلان بمحافظة الحسكة شمال شرق سوريا قرب الحدود مع تركيا والعراق. كما تواجدت القوات الامريكية في خمس قواعد رئيسية في المنطقة الغنيةبالنفط شرق الفرات، أهمها قاعدة الشدادي التي تضم مهبطاللطائرات المروحية ومعسكرا للتدريب، كذلك في قاعدة المبروكة، وقاعدة تل البيدر في محافظة الحسكة، كما تواجدت في قاعدة عسكرية بمدينة تل أبيض في محافظة الرقة، قرب الحدودالسورية التركية، كما تواجدت القوات الأمريكية الخاصة في مناطق خارجسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) حيث أنشأت قاعدة عسكرية عند حقل العمر النفطي قربمدينة الميادين بمحافظة دير الزور، وقاعدة التنف ذات الأهمية الإستراتيجية عند المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن‏.
 
وزير الدفاع جيمس ماتيس رأى في الانسحاب وترك الساحة للنظام السوري أمرا مهينا لمكانة وهيبة أمريكا
عدم ارتياح جنرالات الجيش الأمريكي لقرار الرئيس ترامب، جاء سريعا وبعد يوم واحد فقط، أي يوم 20 ديسمبر الجاري من وزير الدفاع جيمس ماتيس، فبحكم كونه جنرالا سابقا رأى في الانسحاب من سوريا، وترك الساحة للنظام السوري وداعميه الروس والايرانيين أمرا مهينا لمكانة وهيبة أمريكا. ومع أنه لم يعبر عن ذلك في رسالته، إلا أن رسالته جاءت منتقدة ولاذعة للرئيس ترامب، إذ ذكره ماتيس بقوله ‏"إن قوّة أمّتنا ترتبط ارتباطا وثيقا بقوّة نظامنا الفريد والمتكامل القائم على التحالفات والشراكات، وأن الدول الديمقراطية الـ 29 في حلف شمال الأطلسي أعربت عن مدى صلابةالتزامها، من خلال القتال إلى جانبنا، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول". واختتم ماتيس رسالته بطلب تركه لمهامه في وزارة الدفاع في شهر فبراير/شباط المقبل بقوله:" ولأن لك الحق فياختيار وزير دفاع يتوافق مع آرائك في هذه القضايا، فأنا أعتقد أنه قد حان الوقت بالنسبة لي أن أستقيل منمنصبي". وتجدر الإشارة إلى أن المبعوث الأمريكي لدى التحالف الدولي لمحاربة "داعش" في العراق وسوريا بريت ماكغورك، استقال هو الآخر من منصبه احتجاجا على قرار ترامب، بعد ساعات من استقالة وزير الدفاع، حتى بدا الأمر وكأنه رحيل جماعي لمسؤولين مخضرمين فيشؤون الأمن القومي.
ليأتي رد الرئيس ترامب عليهم غير متوقع هذه المرة أيضا، ففي تغريدة له في تويتر يوم 23 ديسمبر، أمر الرئيس وزير دفاعه المستقيل جيمس ماتيس بالمغادرة الفوريةلمنصبه بدلا من مغادرته المعلنة في فبراير المقبل، وأضاف في تغريدته أنه أمر بتعين وكيل وزير الدفاع باتريك شانهن بمنصب وزيرالدفاع بالوكالة. وقد ذكر ترامب وزير دفاعه المستقيل بتغريدة أخرى جاء فيها: "عندما فصله باراك أوباما، الرئيس السابق، منحته أنا فرصة ثانية"، مشيرا إلى الخلاف بينهما في العديد من القضايا، خاصة العلاقة مع حلفاء أمريكا الذين يستفيدون من هذا التحالف على حد قوله. وقد جاءت ردود الفعل الغاضبة على قرار الرئيس ترامب حتى من أكثر مناصريه في الحزب الجمهوري،فقد قال السناتور لينزى جراهام، المدافع الدائم عن الرئيس، إن أي قرار يتخذه الرئيس دونالدترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا سيكون "خطأ"، وقال فى بيان صحافي: "الانسحاب الأمريكيفى هذا التوقيت سيكون انتصارا كبيرا لداعش، وإيران وبشار الأسد وروسيا، أخشى أن يؤدي ذلكإلى عواقب مدمرة على أمتنا والمنطقة والعالم بأسره". وأضاف "إن قرار الانسحابالمفاجئ سيزيد من صعوبة الاستعانة بشركاء فى المستقبل للتصدى للإسلام الراديكالي. وستعتبر إيرانوغيرها من الأطراف الشريرة ذلك دلالة على الضعف الأمريكي في الجهود الرامية لاحتواء النفوذالإيراني".‏
كما تصاعدت حدة التعليقات على قرار ترامب اعتمادا على تحليلات عسكرية وإستراتيجية، إذ ذكرت مجموعة حل الأزمات الدولية (ICG) في بيان لها أنالانسحاب "المتسرع" من شمال شرق سوريا من شأنه أن يطلق قوى متنافسة تتصارع لتحقيقالامتيازات، وحذّرت المنظمة من أن "عدم وجود اتفاق مسبق تم الاتفاق عليه يمكن أن يهدد بنشوء صراعمتصاعد في المنطقة". كذلك نشر مركز دراسات الحرب الأمريكي (ISW) تقريرا يوم 19 ديسمبر، بعدإعلان الرئيس ترامب انسحاب القوات الأمريكية بساعات جاء في مطلعه: "لم تهزم الولايات المتحدة وحلفاؤهاداعش في العراق أو سوريا"، وتخوف التقرير من أن جيوب التنظيم قادرة على لملمة نفسها مرة أخرى، وأن آلاف المقاتلين ما زالوامتواجدين في مناطق متفرقة من البادية السورية والقرى، بالإضافة إلى وجود شبكة تحت سيطرتهم تشملطرقا وأنفاقا تمتد لأطراف المدن السورية. ونتيجة لردود الأفعال القوية التي أثارها قرار الرئيس ترامب على الصعيدين الداخلي الأمريكي والدولي مع حلفاء الولايات المتحدة، انتقل ترامب إلى المناورة ولغة المهادنة، كما هو ديدنه عندما يجد نفسه في موقف محرج نتيجة قراراته المتسرعة، فقد غردبعد استقالة ماتيس وماكغورك الاحتجاجية، قائلا: "سنقوم بانسحاب بطيء ومنسّق بدقة للقوات الأمريكية من المنطقة". وكذلك: "بحثنا مع الرئيس التركي وضع تنظيم الدولة الإسلامية، وعملنا المشترك في سوريا، والانسحاب البطيء والمنسق للغاية للقوات الأمريكية من المنطقة التي ستعود للوطن".
فهل سيشعل الانسحاب الأمريكي من سوريا المنطقة في صراع قائم على تنامي التنظيمات الارهابية من جديد كما يرى المتشائمون؟ أم أنه سيكون خطوة تساعد على استقرار المنطقة، عبر عمليات التفاوض التي تقودها تركيا وروسيا وإيران كما يرى المتفائلون؟ هذا ما سيتكشف بعد ثلاثة أشهر هي المدة الزمنية المتوقعة لانسحاب القوات الأمريكية الكامل من سوريا.