الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اغتيالات المعارضة في سوريا.. مسلسل مستمر

اغتيالات المعارضة في سوريا.. مسلسل مستمر

06.10.2019
يمان الدالاتي


نون بوست
السبت 5/10/2019
لم تكن سوريا قبل الثورة بعيدة عن سيناريو الاغتيالات بحق معارضين وناشطين وصحفيين معادين لحكم نظام العائلة الأسدية منذ عهد الأب حتى الأبن، إذ كان استخدام النظام السوري للاغتيالات الفردية جزءًا من السياسة العامة لحكمه وليس بعيدًا عن النهج الذي يتبعه في فرض سيطرته على البلاد. فقد جعل الاغتيالات طريقة لحسم نزاعاته ومشاكله السياسية سواء كانت داخلية أو خارجية غير مراعٍ إلا سلامته وأمنه.
كان للأسد الكثير من الداعمين والحلفاء الذين يساعدونه في إتمام خططه دون تعريضه للمساءلة هو وسياسته، إذ حظي بدعم سوفيتي وأمريكي وعلاقات واسعة مع "حزب الله"، واتفاقات ضمنية مع "إسرائيل" تمكّنه من فعل ما يريد، بوجود غطاء داعم موثوق. بدايةً من اغتيال رفيق الحريري وكمال جنبلاط، ومرورًا باغتيال ناشطين بسيطين على الصعيد الشعبي، كانت هذه الاغتيالات تنفذ لسنوات طويلة على يد دائرة ضيقة مقربة من النظام ومن ضباط وأفراد موثوقين ومدربين خصيصًا للقيام بمهمات كهذه ينتمي بعضهم إلى إحدى أفرعه الأمنية أو حتى باستخدام بعض من عناصر "حزب الله".
وقد عاد صدى هذا السيناريو بالتردد في السنتين الأخيرتين في ظل الغياب الأمني والسيلان غير المحدود للخلايا المسلحة في عدة أماكن سواء في الشمال المحرر كإدلب وحماة ومناطق درع الفرات وأيضًا بعض الأماكن التي تقع تحت سيطرة النظام مثل درعا وحمص، في حين يغيب منفذي الهجوم ويظهرون أحيانًا بين تبني من النظام أو من الفصائل المسلحة الأخرى.
أما الآن فلا تنجو منطقة في سوريا من مواجهة شبح الاغتيالات المتكرر في كل أرجاء البلاد والذي بات وجوده طبيعي في ظل الوضع المتغير، فقد وقعت اغتيالات عديدة في العاصمة دمشق ومثلها في درعا وشرق الفرات حين انفجرت عبوة ناسفة في 2 أغسطس 2018 أمام السفارة الإيرانية في منطقة المزّة ليتبيّن فيما بعد أن المستهدف سيارة لتاجر فلسطيني سوري يدعى أيهم عساف، معروف بقربه من حكومة النظام السوري وقد أثارت هذه الحادثة الكثير من التساؤلات حول المنفذ رغم الاحتياطات الأمنية الشديدة التي يفرضها النظام على العاصمة. وفي منتصف يوليو 2018، استهدفت عبوة ناسفة سيارة نائب قائد الشرطة العسكرية المدعومة من تركيا في منطقة الراعي على الحدود السورية التركية، مما أسفر عن إصابته بجراح بالغة ومقتل ابنه في مكان الحادثة.
ويبدو أن عودة سيناريو الاغتيالات في سوريا لم يكن مفاجئًا جدًا فقد كانت ملامحه قد بدأت بالوضوح أكثر منذ مطلع العام الماضي وصولًا إلى شهر يوليو الماضي.
عام 2018
 حسب قراءة أولية للاغتيالات التي حدثت في سوريا خلال عام 2018 يمكن بسهولة ملاحظة انتشارها في مناطق المعارضة والفصائل المسلحة أكثر من غيرها، فقد شهدت منطقة إدلب وما حولها ازدياداً ملحوظاً في معدلات الاغتيالات المحلية لتعكس صورًة عن غياب الضبط الأمني فقد وقعت 214 محاولة اغتيال في شهر أيار فقط، تركزت أغلبها في مدينة إدلب التي تشهد تغيّرًا دائمًا في سيطرة القوى الفاعلة، فقد جاءت في المرتبة الأولى من بين أكثر المناطق استهدافًا، إذ وقع فيها 164 محاولة، تلتها محافظة حلب بــ 33 محاولة، ثم درعا في المرتبة الثالثة بـ 10 محاولات، لتتوزع بقية الأعداد على عدة محافظات أكثرهم حمص، ثم حماة، وريف دمشق.
وبيّنت الأرقام المسجلة أن الجزء الأكبر من المحاولات التي حدثت قد كانت مناطق تخضع لنفوذ وسيطرة هيئة تحرير الشام فبلغت نسبتها 68% من المجموع العام، بينما بلغت تلك التي وقعت في مناطق سيطرة فصائل معتدلة (إسلامية، جيش حر) بنسبته 28%، إلا أنه لم تتوفر أيّ معلومات عن أسباب هذه العمليات ولا مسببيها. بينما شكّل استخدام الطلق الناري والعبوات الناسفة أكثر الطرق المستخدمة حتى الآن فوصلت إلى 120 حالة. مما يعني زيادة عوامل التدهور الأمني وغياب مؤشرات الاستقرار المشجعة للبقاء في المنطقة بالنسبة للعائلات والمدنيين، وهو ما سينعكس حتماً على الواقع الأمني وسياسات التعافي المبكر.
فلم تشهد المنطقة تحسنًا ملحوظًا في النصف الأخير من العام بل سجلت المحاولات التي نفذت نجاحًا بنسبة 26% زيادة عن النصف الأول من عام 2018. بينما حدثت 20 محاولة في منطقة غصن الزيتون "عفرين" و46 محاولة في مناطق درع الفرات، التي من المفترض أن تكون أكثر ضبطًا من غيرها بسبب وجود الضامن التركي، إضافة إلى 93 محاولة في باقي مناطق إدلب وما حولها تكللت كلها بالنجاح تعتبر داعش والتنظيمات الكردية الأخرى المشتبه الأول.
فيما عرف شهر أكتوبر 2018 بأكثر الأشهر استهدافًا لقيادات معروفة في صفوف الهيئة أغلبهم عضوًا في التيار الأجنبي المعروف بأنه الأكثر تشدد والذي أبدى اعتراضًا واضحًا على اتفاق إدلب الأخير حيث بلغ مجموع المحاولات 26 محاولة نفذ منها 18 في إدلب و6 في حلب ومحاولتين في حماة؛ استهدِفت هيئة تحرير الشام منها بـ 17، والجهات المدنية بـ 5 حالات ثم الجبهة الوطنية للتحرير بـ 4 حالات.
عام 2019
بذلت خلال عام 2019 جهودًا جيدة من طرف عدة جهات تعمل على حفظ الأمن في المنطقة، لكن منذ بداية شهر فبراير حتى يوليو الماضي إلا أن النتائج لم تكن فارقة على الإطلاق بل على العكس، فقد شهدت هذه الفترة ارتفاعًا في عمليات الاغتيال مقارنة بما كان عليه الوضع العام الماضي إذ بلغت محاولات الاغتيال 91 محاولة خلال أول ثلاثة أشهر من السنة، بينما وقعت 96 عملية في مناطق عفرين وما حولها، إضافة إلى 52 محاولة في مناطق إدلب، مقابل 86 محاولة في "درع الفرات" خلال 6 أشهر نجح منها 29 في تصفية الجهة المستهدفة، بينما فشلت 57 بعد نجاة الطرف المُستهدَف، وقد كانت فصائل المعارضة المعتدلة هدفاً لتلك الاغتيالات بواقع 65 محاولة، مقابل 21 محاولة استهدفت جهات مدنية.
فيما كان هناك تنوع في الأدوات والأساليب المستخدمة لتنفيذ العمليات إذ شكلت العبوات الناسفة 89% من مجمل المحاولات التي تمت، بينما كان استخدام الطلق الناري بنسبة 9%، في حين استخدمت القنبلة اليدوية كأداة اغتيال بواقع 2%. إلا أن غرفة عمليات "غضب الزيتون" كانت من أكثر الجهات النشطة في تبني عمليات الاغتيال ضمن مناطق "درع الفرات" بنسبة 69% وهو ما لم يكن واضحًا بهذه الكثرة العام الماضي.
وفي محافظة إدلب بلغ عدد المحاولات ما يقارب 52 محاولة تكلل منها 29 محاولة بالنجاح، بينما فشلت 23 عملية بنجاة المستهدف. وهو ما يعني وجود تحسن ملحوظ عن العام الماضي والتي بلغت نتائجها  60 محاولة اغتيال خلال 3 أشهر فقط.
يتوزع مسلسل الاغتيالات في مناطق الشمال بالتحديد حسب الجهة أو الفصيل المسيطر على المنطقة، وإن فصّلنا نجد أن الفصائل الجهادية هذه السنة كانت على رأس قائمة الاستهداف، بواقع 23 عملية بينما كانت الفصائل المعتدلة هدفاً لـ 12 محاولة، في حين تم استهداف جهات مدنية بواقع 17 مرة. أما بالنسبة لأدوات التنفيذ، فقد اعتمدت عمليات الاغتيال المنفذة في محافظة إدلب على العبوات الناسفة في 32 محاولة من مجمل المحاولات الـ 52 المرصودة، بينما نُفِذت 20 مرة عبر الطلق الناري. وقد بقيت الجهات المسؤلة مستهدفة حتى الآن إلا أنه كان هناك اتهامات كثيرة بضلوع عناصر من هيئة تحرير الشام في تنفيذها.
أما في مناطق نفوذ فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير" فقد أتت الأرقام بانخفاض جيد إذ اقتصرت على 10 عمليات خلال أول ستة أشهر من السنة، وهو ما يشير إلى تحسن أمني واضح ضمن مناطق سيطرة الجبهة بالمقارنة مع سابقاتها من المناطق، إلا أن هذا يشير إلى  ولكن بنفس الوقت فإن أغلب تلك العمليات استهدفت قيادات عسكرية في الجبهة.
درعا آخر الأهداف
لطالما شكّلت مدينة درعا شوكًة في حلق نظام الأسد منذ قيام الثورة حتى يومنا هذا فما لبث أن فعل كل ما باستطاعته لإعادة فرض سيطرته عليها وإعادة تمثال الأب حافظ إلى مكانه دلالة على عودته للمنطقة في يوليو 2018 بعد اتفاق المصالحة بين روسيا والمعارضة، إلا أن الوضع الأمني لم يشهد تقدمًا يذكر فقد اعتبر شهر سبتمبر الماضي أكثر أشهر الاغتيالات منذ سيطرة قوات النظام على البلد، وذلك حسب توثيقات مكتب "توثيق الشهداء في درعا". يقول التقرير إن شهر أيلول 2019 سجّل 38 عملية ومحاولة اغتيال، أدت إلى مقتل 21 شخصًا وإصابة 14 آخرين، في حين نجا ثلاثة أشخاص من محاولات اغتيالهم.
بينما تختلف تصنيفات المستهدفين بين مقاتلين كانوا في صفوف المعارضة سابقًا ومدنيين لا توجد معلومات عن طبيعة نشاطهم فقد وثق المكتب مقتل 3 من المعارضين السابقين في المدينة  على أيدي النظام. أما مكان العمليات فتوزعت بين 28 عملية في ريف درعا الغربي، و6 في ريف درعا الشرقي، وثلاث عمليات في وسط المدينة. كما تم تسجيل ما لا يقل عن 22 معتقل ومختطف في ظل تصاعد وتيرة العمليات الأمنية في المحافظة وغيرها من المناطق.
ومن أبرز الأسماء التي تم اغتيالها في شهر أبريل الماضي دون معرفة هوية المنفذ:
-إبراهيم محمد غزلان  قائد سابق في الجيش الحر.
- قيادي سابق في جيش المعتز محمد نور زيد البردان.
- أحمد حكمت حمورة شرطي منشق قتل في السجن فرع فلسطين.
- رائد الحريري إمام وخطيب مسجد.
- ماجد خليل العاسمي ناشط إعلامي.
نهايًة إن كانت هذه الأرقام كلها تدّل على شيء فهي تدل على أن التدهور الأمني لا يزال يزداد سوءًا في كل المناطق القابعة تحت سيطرة النظام أو الفصائل المسلحة أو الحماية التركية على حد سواء، بالإضافة إلى فشل هذه القوى في تطوير أدواتها وتمكين قدرتها للحدّ من هذه العمليات وكشف ملابساتها ومسبباتها، وتفشي الفلتان الأمني الذي سينعكس حتمًا على حياة المدنيين والاستقرار في المنطقة بينما تعود مسبباته لانتشار ميليشيات وفصائل وحتى أفراد مسلحة تتبع لتنظيم "داعش" أو لاستخبارات النظام من جهة؛ ممل يظهر شكلًا جديدًا خطرًا لاقتتال داخلي نوعي يصل إلى استهداف المدنيين، ووجود حرب اغتيالات هادئة لا يمكن تفسيرها إلا على أنها حرب سلطة تهدف لكسب مناصب وإحكام سيطرة.