الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اللاجئون السوريون في تركيا بين مطرقة المعارضة وسندان الحكومة

اللاجئون السوريون في تركيا بين مطرقة المعارضة وسندان الحكومة

06.08.2019
نجاح عبد الله سليمان


الحياة
الاثنين 5/8/2019
ربما يكون الركود الاقتصادي ومعدلات التضخم العالية، التي بلغت 30 في المئة العام الماضي وعشرة في المئة إضافية هذا العام، وارتفاع معدلات البطالة، من أسباب اشتعال غضب الأتراك تجاه اللاجئين السوريين الذين يُنظَر إلى الكثيرين منهم باعتبارهم عمالة تستولي على الوظائف وتستفيد من الخدمات العامة.
تململ بعض الأتراك، انعكس اعتداءات على متاجر وممتلكات السوريين كالتي حدثت في حي كوتشوك تشيكمجه في اسطنبول. هكذا، ما زال اللاجئون السوريون ورقة مهمة ساومت وتساوم بها حكومات عدة داخلياً وخارجياً، بعدما فتحت دول عدة حدودها على مصراعيها لاستقبال أكبر عدد ممكن منهم ورأت فيهم أداة للدعاية لها، مع استمرار التواجد العسكري لقواتها على طول الحدود من جرابلس إلى عفرين (350 كيلومتر)، حيث تقدم خدمات لسكان المنطقة وللسوريين المقيمين فيها لتقول لهم: "أنظروا، نحن نحترمكم ونقدم لكم كل ما تحتاجونه خلافاً لأنظمة عدة".
بعد قرابة تسع سنوات على بدء الحرب السورية، يوجد في تركيا حالياً أكثر من 3.6 ملايين سوري، وتضم إسطنبول وحدها أكثر من نصف مليون منهم وفقاً لوزارة الداخلية التركية.
والحقيقة أن العلاقات التركية - السورية لم تكن جيدة ومتطورة في يوم من الأيام، إلا بين الأعوام (2006 و2011)، ولكن هذه المرحلة لم تدم كثيراً، كما أن الأزمة القائمة بين الدولتين في الوقت الحالي ليس وليدة الساعة، بل لها جذورها التاريخية العميقة. إذ لا يمكن لأحد أن ينكر أن تاريخ العلاقات التركية - السورية شهد تراوحاً مستمراً بين تحسن وتراجع، ولكن فترات الخلافات والقطيعة كانت الغالبة على تلك العلاقات معظم الوقت. وعلى رغم أن "حزب العدالة والتنمية" أعلن في بداية وصوله للحكم في تركيا "تصفير المشكلات" مع الخارج وخصوصاً دول الجوار وسورية بشكل أخص، إلا أن التوتر مع دمشق عاد ليتصاعد، وكانت البداية مع اندلاع الحرب في سورية واستمرارها كل هذه السنوات، إذ تعيّن على الجهات الفاعلة أن تستجيب لأزمة اللاجئين السوريين، وأن تغيّر بعض الدول استجاباتها على مستوى السياسات، لتتحول من كونها استجابات طارئة، وتصبح نهجاً مستداماً على المدى الطويل. وهذا الواقع يحمل انعكاسات مهمّة على سياسات المجتمع الدولي والدول المانحة.
وعندما ظهر الخوف من الوجود السوري الدائم في المجتمعات المضيفة، تآكلت الفوائد الأولية التي جنتها الحكومة التركية، خصوصاً بعدما كشف السوريون نقاط الضعف المتوطّنة في البنية التحتية السياسية والاقتصادية وتلك المتعلقة بالموارد. وفي ظل تزايد الإحباط العام، اجتازت الحكومة عقبة التوتر المتصاعد عن طريق الحدّ من توفير الخدمات وتقييد وصول اللاجئين. مع ذلك، فإن التلاعب بسياسات اللجوء لم يغيّر شيئاً يُذكر لجهة تهدئة التحدّيات التي كان الجوار يعانيها قبل وقت طويل من وصول اللاجئين السوريين، ما يؤكّد الطبيعة المسيّسة للسياسة المتبعة تجاههم. كما أن تهميش اللاجئين أكثر، سيؤدي بهم إلى مزيد من العوز والبؤس.
ويشكل تاريخ الثالث عشر من تموز (يوليو) الماضي، نقطة تحول أساسية في قضية اللاجئين السوريين في تركيا. بعدما اجتمع وزير الداخلية التركي سليمان صويلو بصحافيين سوريين وعرب في إسطنبول، في حضور مسؤولين أتراك، وكشف أمامهم أن بلاده "أعدت خطة تنفيذية تشمل ثلاثة ملفات: الهجرة غير القانونية، والهجرة النظامية، ووضع الحماية الموقتة"، لافتاً إلى أن "تنظيم ملف الهجرة يعني تطبيق القوانين كاملة على السوريين كتجار ومحلات وأفراد، ما يقضي بضرورة حصولهم على التراخيص المناسبة وحملهم للأوراق الثبوتية وتصاريح العمل بالنسبة إلى العاملين منهم". وفي ما يخص الإقامة، فإن من لا يحمل إقامة نظامية في إسطنبول "معرّض" للترحيل إلى بلده، ومن يحمل "إقامة الحماية الموقتة" (كيملك) من ولاية أخرى سيتم إرجاعه إليها. وفي موازاة ذلك، تناقلت مواقع صحفية وناشطون سوريون قول الرئيس التركي إردوغان، إن بلاده "ستوقف الخدمات الطبية المجانية المقدمة إلى السوريين". وهنا، بدا أن ليس ثمّة حافز لدى المجتمع الدولي للنهوض بأعباء اللاجئين السوريين، في وقت تواجه كل دولة تحدّيات وطنية خاصة بها.
لا شك أنها لحظة حاسمة في أزمة اللاجئين السوريين. لذا، يتعيّن على المجتمع الدولي أن يتحوّل نحو نهج مستدام طويل الأجل للنهوض بأعباء هؤلاء النازحين والمجتمعات المضيفة لهم، علما أنهم يستحقون دعم الدول المانحة لمواجهة التحديات الأكثر انتشاراً على صعيد الموارد والاقتصاد والحوكمة، مع الحفاظ في الوقت نفسه على نطاق الحماية الإنسانية الأساسية لهم.
يبقى أن حل المشكلة السورية يساهم في حل مشكلة اللاجئين، الذين باتوا يشكلون عبئاً اقتصادياً وأمنياً على بعض الدول. وعلينا ألا ننسى أن لدى دول الجوار أعباء كبيرة، فالنظام في أنقرة مثلاً، يرى أنه ينبغي على تركيا أن تصبح قوة كبيرة في الشرق الأوسط لتكتسب النفوذ الكافي لدى أوروبا. كما أن لدى أنقرة عدداً من المخاوف، وهي تعتمد في الوقت ذاته على معطيات موضوعية في رسم مسار موقفها من الأزمة السورية، فحساباتها دقيقة جداً ومعقدة، وإن كانت تحاول أن توازن بين عدد من الاعتبارات الحساسة في وقت واحد، أثناء اتخاذها موقفها. وتعرف تركيا أن التغيير سيطال المنطقة برمتها، لكنها تخاف من سيناريو الفوضى الكارثي.
نعم، من حق السلطات القضائية في أي بلد ومنها تركيا، أن تعاقب كل من ارتكب جريمة في نطاق تخصص سلطته القضائية في إطار منع الجناة من الإفلات من العقاب ووفق منظومة الضمانات القانونية للحقوق، غير أن ارتكاب أحد السوريين جريمة ما، لا يجب أن يُعرّض غيره من السوريين غير المنخرطين لأي ملاحقة أو اضطهاد قضائي أو غير قضائي.
والحقيقة أن المجتمع الدولي يقلّص باستمرار تمويل الاحتياجات الناجمة عن تدفّق اللاجئين، كما شهد اللاجئون السوريون تقييداً مماثلاً لنطاق الحماية في دول الجوار. وعلى رغم زيادة المساعدات الدولية، فإن شعور المانحين بالإعياء، يثير المخاوف من أن يصبحوا مسؤولين عن مجموعة أخرى من اللاجئين على المدى الطويل. وسط كل ذلك، تطلّ القرارات التركية الجديدة في حق اللاجئين، مع التلويح بتفعيل قرارات أخرى قديمة والتشدد في تطبيقها، ما ينبئ بانعكاسات قريبة على وضع السوريين في تركيا، وخصوصاً في ما يتعلق بالإقامة والعمل والرعاية الطبية. فهل أضحى "كرم الضيافة" التركي على المحك؟. وهل أصبح اللاجئون السوريون في تركيا بين مطرقة معارضة وسندان حكومة؟