الرئيسة \  مشاركات  \  مخيَّمات السوريين (DNA) الضمير الإنسانيّ

مخيَّمات السوريين (DNA) الضمير الإنسانيّ

25.01.2021
د. محمد عادل شوك




كـ"سفينة وسط بحيرة"، هذا هو حال المخيمات في الشمال السوريّ، في كلّ موسم شتويّ تشهده المنطقة، والأمر يزداد تفاقمًا مع هطول الأمطار على حين غرّة، كما يحصل هذه الأيام، عندما احتبست، ثمّ جاءت بشكل مباغت.
لقد داهمت الأمطار جلّ المخيمات في الشمال السوريّ، المشيدة بشكل عشوائي، وفي الوديان والقيعان، بعد عاصفة مطرية مستمرة منذ أكثر من أسبوع، عمّت عموم مناطق شمال غرب سورية مع الحدود التركية، حيث يعيش ما يقرب من مليون إنسان أوضاعًا مأساوية.
لقد بلغ حجم الأضرار نتيجة الهطولات المطرية الأولى غرق (13) مخيّمًا، يقطنها (2400) عائلة، ثم أضيف لها نتيجة الهطولات المطرية الثانية (29) مخيّمًا، يعيش فيها نحو (3126) عائلة.
وبحساب تفصيليّ آخر، فقد تضررت (278) خيمة بشكل كليّ، و(513) بشكل جزئيّ، فضلًا على الأضرار الواسعة في الطرقات، تجاوزت (8كم)، ضمن المخيمات ومحيطها؛ ما أدى إلى انقطاع العديد من الطرقات المؤدية إلى بعضها.
وذلك ابتداءً من مخيمات خربة الجوز غربي إدلب، وصولاً إلى المخيمات الحدودية باتجاه ريف حلب الشمالي، إضافةً إلى محيط مدينة إدلب، ومعرة مصرين وكللي وحربنوش وكفريحمول وحزانو وزردنا شمال إدلب.
فتشردت مئات العائلات ونزح عدد منها إلى أماكن أخرى، فيما انتقل قليل منهم إلى دور العبادة ومراكز الإيواء، بينما أمضى آلاف ليلتهم في العراء بعدما ملأت مياه الأمطار خيمهم.
ويتوقع زيادة الأضرار بشكل أكبر في حال استمرار الهطولات المطرية أو تجددها في المنطقة، وما تزال فرق الدفاع المدني، تعمل بكل طاقتها للاستجابة وتقديم المساعدة للمخيمات المتضررة.
هذا ويشار إلى أن عدد المخيمات النظامية في الشمال السوري (1153)، و(242) آخر عشوائيًا، تضمّ نحوًا من (962.392) نسمة، من بينهم نحوٌ من (400) ألف طفل.
إنّه في الوقت الذي كان لافتًا للنظر ما جاء في بيان وزارة الخارجية، الذي أعربت فيه عن أسفها الشديد لإحراق مخيم اللاجئين السوريين شمال لبنان قبل نحو شهر، كان من المنتظر أن يكون هناك مبادرة حسن نوايا، يُسمَح فيها أيضًا لأكثر من مليون نازح يعيش هذه المأساة الموحلة، أن يعودوا إلى ديارهم، التي هُجِّروا منها قبل عامين، في أعقاب أعنف حملة عسكرية شهدتها مناطقهم، في جنوب وشرق إدلب.
غير أنّ الأمر على ما يبدو يتجاوز بيانًا يصدر من وزارة الخارجية، أو دعوة في ختام مؤتمر لعودة اللاجئين، أو تحرّكًا خجولًا لمنظمات الأمم المتحدة في أعقاب كلّ كارثة تحلّ بالمهجَّرين من ديارهم في هذه الدولة أو تلك.
إنّ الأمر بأمسّ الحاجة إلى صرخة تتجاوز الحناجر والبيانات الرسمية، يشعر فيها السوريّ أنّه من فصيلة البشر الذين سكنوا هذه الأرض قبل (50) ألف سنة، يوم كرّمهم الله، وجعلهم خليفة له، لعيشوا في أرضه، التي سخّر كلّ ما فيها، لتكون موطنًا كريمًا له.
إذا كان العالم اليوم يعيش هاجس أحدث جائحة تعمّه، من جرّاء فيروس كرونا (كوفيد 19)؛ فإنّ لسان حال السوريين: " ليس كورونا ما يقلقنا؛ فنحن مقبلون على كارثة أخطر من الفايروس، إنّها الجوع والبرد والتشرّد في وقت احتفل فيه العالم قبل أسابيع، بمطلع القرن الحادي والعشرين".
تلك هي مأساة المشردين السوريين، الذين غدت مخيماتهم (DNA) الضمير الإنسانيّ.