الرئيسة \  واحة اللقاء  \  العلاقات الروسية الأميركية وانعكاسها على سورية

العلاقات الروسية الأميركية وانعكاسها على سورية

22.05.2019
محمود الحمزة


جيرون
الثلاثاء 21/5/2019
ابتُليت الثورة السورية، منذ انطلاقتها، بتحالف وحشي تقوده إيران وروسيا، ترافق مع وصاية أميركية بالتعاون مع حلفائها. أما الدول الأوروبية فكانت مشلولة وغير قادرة على الفعل منذ البداية.
الموقف الأميركي كان ملتبسًا ومتواطئًا ضد الثورة؛ حيث حرصت الولايات المتحدة على التحكم في مواقف المعارضة المسلحة، من خلال تقديم الدعم والسلاح أو إيقافه، بحسب الموقف السياسي. وباختصار: لم تسمح أميركا بانتصار الجيش السوري الحر عام 2012، ولم تمنع إيران و”حزب الله” وروسيا لاحقًا، من التدخل العسكري لحماية عصابة الأسد.
والمشكلة ليست فقط في منع تقدم الجيش السوري الحر والفصائل المسلحة، التي كانت في بدايتها جادة ووطنية وحررت ثلثي الأراضي السورية من النظام، بل هي في التحكم الأميركي، من خلال غرف العمليات العسكرية المشبوهة في تركيا والأردن، التي شارك فيها خبراء حتى من “إسرائيل” كما يقال، وهناك تسريبات -وهي مقبولة من حيث المنطق- تقول إن الأميركان هم الذين أعطوا الضوء الأخضر لروسيا، وطلبوا منها ليس فقط استلام الملف السوري، بل التدخل العسكري لإنقاذ نظام الأسد، عام 2015.
وتذكرني زيارة مايك بومبيو الأخيرة (14/5/2019) لسوتشي، واجتماعه بنظيره سيرغي لافروف مدة 4 ساعات، ثم مع الرئيس بوتين مدة ساعة ونصف، تذكرني بزيارة تاريخية قام بها جون كيري إلى سوتشي قبل 5 سنوات، واجتمع مع بوتين ثم مع لافروف 7 ساعات متقطعة. حينذاك عرف العالم أن الأميركان والروس اتفقوا على أن تستمر روسيا في استلامها للملف السوري، وحدث ما حدث، وبخاصة التدخل العسكري في أيلول/ سبتمبر 2015 الذي غيّر موازين القوى لصالح روسيا وإيران والنظام.
وقد أعلن بومبيو أنهم اتفقوا مع الروس على خطة في سورية، وأن المباحثات حول سورية (حصرًا) كانت بنّاءة ومثمرة. بينما كانت الخلافات حادة حول فنزويلا وأوكرانيا وكوريا وغيرها. وهناك تحليل يقول بأن الجانبين اتفقا جزئيًا حول إيران، والدليل هو تصريح بوتين، بأن موسكو لا يمكنها أن تقوم بمهمة إطفاء الحرائق، وأن الجانب الأميركي لم يقدم وعودًا لروسيا بعد الهجوم على إيران. أي أن الباب مفتوح لأي احتمالات في المشهد الأميركي الإيراني، والذي بكل تأكيد سينعكس على المنطقة برمتها.
ولكي نختصر التحليلات حول سر التفاهم الاستراتيجي الروسي الأميركي حول سورية؛ نذكّر بوجود لاعب مهم غائب حاضر هو “إسرائيل”، حيث تلتزم كل من موسكو وواشنطن بـ “أمن دولة إسرائيل” وترتبط الأخيرة بالدولتين العظميين بتحالفات استراتيجية. ولكن هل مصالح “إسرائيل” فقط هي التي تفسر ذلك التفاهم حول سورية، أم أن هناك أسبابًا أعمق؟
لكي نفهم حقيقة المواقف الدولية والإقليمية من الوضع في سورية؛ يجب أن نتذكر أن لدى الدول خططًا استراتيجية وجيوسياسية، ولها مصالح وطموحات إمبراطورية (بعضهم يسميها مؤامرة).
ويصب في هذا الاتجاه مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي اقترحه شمعون بيريس من أكثر من عشر سنوات، وأيدته كونداليزا رايس، وجوهر المشروع هو تقسيم المنطقة إلى دويلات اثنية وطائفية ودينية، على أن تكون “دولة إسرائيل” اليهودية هي سيدة المنطقة.
انظروا ماذا يفعل ترامب! أعطى القدس والجولان لـ “إسرائيل” والحبل على الجرار…. وليس من حق ترامب ذلك، والشعوب السورية والفلسطينية لن تتخلى عن حقوقها. لكن موازين القوى حاليًا في مصلحة “إسرائيل”، وترامب يشجعها وينفذ المآرب الصهيونية. والدول العربية عاجزة عن فعل شيء من أجل قضاياها العادلة.
والقادم أخطر، وهو “صفقة القرن” التي ستكون نتيجتها تقسيم المنطقة. وقد تكون الضغوطات على إيران والتهديد بالحرب جزءًا من تلك الجهود الأميركية والإسرائيلية، لتنفيذ مخططاتها الاستراتيجية والجيوسياسية. علمًا أن أميركا تمارس الضغوطات الاقتصادية الموجعة على إيران أملًا في إجبارها على الخضوع. ولكنني أعتقد أن العراق والدول المجاورة تساعد إيران في الالتفاف حول العقوبات، وبخاصة العراق الذي لطالما قدّم المساعدات لإيران ولنظام الأسد.
طبعًا نظام الملالي عدو لشعوبنا، وهو الذي خلق الطائفية في المنطقة طامحًا إلى إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، ولكن الذي شهدناه حتى اليوم هو أن أميركا سلّمت العراق لإيران، وصمتت عن توسع إيران في سورية ولبنان واليمن. لذلك لا أصدق أن أميركا تريد فعلًا ضرب إيران، بل هي تريد ابتزازها، وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية منها لا أكثر. وبصراحة واشنطن مستفيدة جدًا من “البعبع” الإيراني، من خلال ابتزاز دول الخليج وبيعها أسلحة بعشرات المليارات، لقاء وعود بحماية تلك الدول من الخطر الإيراني القادم. حتى موسكو تستفيد من الضغط على إيران وحصارها؛ لأن روسيا تطبق برنامج النفط مقابل الغذاء لإيران، وكذلك تستخدم الورقة الإيرانية في صراعها مع الغرب.
وأبسط ما يقال عن إيران أنها، عندما توسّع نفوذها وتنشر الطائفية وتنظم ميليشيات طائفية، تخدم “إسرائيل” بشكل مباشر، وأكبر دليل على ذلك هو أن إيران و”إسرائيل” حريصتان على إبقاء الأسد.
الدول الكبرى تعرف مصالحها، وهي قادرة على التفاهم والاتفاق حتى في اللحظات الحرجة. كان ذلك أيام الاتحاد السوفيتي والحرب الباردة، حيث وقعت موسكو وواشنطن اتفاقية هلسنكي حول الأمن في أوروبا. ونشهده في السنوات الأخيرة، من خلال توقيع اتفاقيات بين البلدين في لقاءات قمة أميركية روسية نتج عنها اتفاقيات مهمة، ومن خلال الاتصالات المتعددة (خاصة في مدينة سوتشي) التي شهدت تفاهمات استراتيجية حول سورية.
ولكن المشهد السوري ما يزال يكتنفه الغموض، فلا نعرف بالضبط ما هي مشاريع واشنطن الداعمة لقوات (قسد) وفي الوقت نفسه هناك قوى دولية وإقليمية تشجع القبائل العربية، على أن تأخذ زمام المبادرة، وتدير مناطقها بعيدًا من الميليشيات الكردية التابعة لـ (قسد). كما تقوم تلك الدول بتجهيز موالين لهم في المجتمع المدني والاجتماعي في مناطق سورية المختلفة، وبخاصة شرقي الفرات، تمهيدًا لمرحلة قادمة قد يكون عنوانها سورية الجديدة من الناحية السياسية. وطبعًا روسيا وإيران تعملان، ليلًا نهارًا، لتثبيت أقدامهما في المجالات العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية.
شعوبنا هي التي تدفع الثمن في سورية والعراق وفلسطين واليمن ولبنان، والنتيجة مرسومة مسبقًا على خرائط الدول المحتلة لسورية، وقد تتجسد في تقسيم دول المنطقة، وتفتيتها وخلق كيانات مصطنعة قومية ودينية ومناطقية للوصول إلى الشرق الأوسط الجديد.
لكن ما هو موقفنا كنخب وطنية سورية؟ هل نستمر في الوقوف على الأطلال والبكاء، أم نشغّل عقولنا ونبدأ بالطريق الصحيح، ولو أنه طويل، ولكن لنبدأ بخطوة. وهذه الخطوة برأيي ورأي الكثيرين هي توحيد صفوفنا، وبلورة تيار وطني ديمقراطي يتحدث باسم الثورة والشعب السوري على أن يكون مستقلًا في قراراته.
وهناك مبادرات كثيرة في هذا الاتجاه، وعلى الرغم من أن أغلبها يتقاطع بالرؤى، فإن مشكلتنا ما زالت في الأشخاص، ويجب تجاوزها من خلال توسيع الدائرة والالتفاف حول المبادئ الأساسية للثورة، ويجب الحذر من الاختراقات الجديدة التي تروج لمبادرات ظاهرها مقبول إلى حد ما، ولكن بعض من يطرحها ليس جديرًا بثقة السوريين، وقد انكشفت أوراقهم في مواقف عدة. وأنا هنا لا أدعو إلى إقصاء أحد، لأن ساحة العمل الوطني تتسع للجميع، ولكن كما يقول المثل “لا تجرب مجرب”.
شعبنا دفع ثمن مطالبته بالحرية باهظًا جدًا، ومع الأسف، ما زال هناك من يتاجر بتضحياته، ولا يريد أن يتوقف عن ذلك. فهؤلاء ساهموا في تمييع مطالب الشعب السوري، وتحويلها إلى مسائل ثانوية بعيدة من جوهر الموضوع، وهو الحرية والكرامة ودولة المواطنة، التي لا يمكن تحقيقها إلا بعد إزاحة عصابة الأسد، وإجلاء كل القوات الأجنبية من سورية.
الثورة لم تنتهِ بعد، والنظام فاشل بكل المقاييس، وهو كالمصاب بالسرطان، لا أمل في شفائه. ولكن متى سيفهم الروس ذلك، ويلتفتون إلى حل يخلق الاستقرار والأمان والعدالة في سورية، فذلك أفضل لهم حتى من ناحية مصالحهم الخاصة.