الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المبادرة الروسية الغامضة!

المبادرة الروسية الغامضة!

28.07.2015
منار الرشواني



الغد الاردنية
الاثنين  27/7/2015
مع غموض موقف روسيا ذاتها بشأن تفاصيل المبادرة التي طرحها الرئيس فلاديمير بوتين على وزير خارجية نظام بشار الأسد، وليد المعلم، خلال زيارته لموسكو نهاية الشهر الماضي، تتسيد المشهد رواية وسائل الإعلام الداعمة للنظام بشأن حقيقة ما جرى في الاجتماع المغلق والمحدود جداً بالمشاركين فيه من الجانبين.
وفقاً لهذه الرواية، فإن دول الإقليم المعادية لنظام الأسد، صارت "تستجدي" (حرفياً) التعاون معه بعد أن استشعرت خطر تنظيم "داعش" عليها، فيما يتمنع هذا النظام الذي يعاني نقصاً في المقاتلين -باعتراف رئيسه أمس، بعد تقارير صحفية متوالية سابقة بالسياق ذاته- عدا عن حقيقة كون قواته تُعد الأسرع هزيمة أمام "داعش"، وبما لا يقارن -مثلاً- بالمقاتلين الأكراد في الحسكة اليوم.
هكذا، فإن قبول هذه الرواية -التي تجعل الأسد منتصراً، فيما دول الإقليم التي لا تعاني أي مشكلة مقارنة به، هي المهزومة!- لا يكون ممكناً "منطقياً!" إلا بقبول أن "داعش" ليس إلا أحد مكونات قوات الأسد (أو صنيعة إيران أو روسيا الداعمتين له)، بحيث يؤدي استرضاء هذا الأخير، عبر السكوت عن مواصلة مذابحه بحق السوريين، إلى منع التنظيم من عبور الحدود إلى دول الجوار السوري، وتنفيذ عمليات إرهابية فيها!
هكذا، تبدو الرواية المقابلة الأقل شيوعاً، هي الأكثر منطقية. وتتمثل في أن المبادرة الروسية لإنشاء تحالف إقليمي لمواجهة "داعش"، تقوم فعلاً على الاحتفاظ ببشار الأسد رئيساً، ولو لفترة انتقالية، لكن مع إقدامه على تسويات حقيقية داخلية، تؤدي إلى حكومة وحدة وطنية، وصولاً إلى ما يسميه الصحفي في "الحياة" اللندنية إبراهيم حميدي، "دمشق الجديدة". إذ بموجب هكذا مبادرة فقط، ولا يمكن تخيل سواها للآن، سيصير ممكناً إيقاف استنزاف قوات الأسد ابتداء، ثم جمعها بمقاتلي الفصائل المعارضة ضمن إطار عسكري سوري موحد (يفترض أن يكون الجيش السوري الوطني فعلاً)، يكون قادراً على مواجهة "داعش" الحقيقي، وليس وفق تعريف الأسد وأنصاره الذين يجعلون كل معارض، مسلحاً كان أم سلمياً، داعشياً.
ولعل ما يؤيد هذه الرواية هي تصريحات مسؤولي النظام ذاتهم منذ زيارة وليد المعلم إلى موسكو؛ إذ بدأت تركز هذه التصريحات على عدم جدوى الحل السياسي في هذه الفترة، كما انعدام أي مردود للحوار مع المعارضة "المؤتمرة من الخارج"، وفي مفارقة مضحكة مبكية، كون النظام صار يعتمد أساساً على المليشيات من لبنان إلى أفغانستان، والمتحدثون باسمه على كل مستوى هم فقط الإيرانيون ووكلاؤهم في المنطقة.
وإذا كان في ذلك تناقض صارخ بين النظام وحليفه الروسي وفق السيناريو الأخير للمبادرة الروسية، فالسبب هو إدراك النظام، بداية، صعوبة إن لم يكن استحالة تخلي روسيا عنه اليوم بعد تورطها في دعمه كل هذه السنين. وأهم من ذلك، أن الممسك بزمام الأمور فعلياً في دمشق هي طهران وليس موسكو، ولا يريد المحافظون الإيرانيون أن يظهروا بعد الاتفاق النووي بمظهر الضعف، الذي ستكون له انعكاساته على المجتمع الإيراني الذي تتوقع غالبيته، منذ انتخاب حسن روحاني، مزيداً من الانفتاح في الداخل، كما على الخارج. وطبعاً، لا مانع لدى هؤلاء المحافظين من ضبط الداخل الإيراني بدماء سورية، من كل دين وطائفة ومذهب، وصولاً إلى تحقيق مكاسب إقليمية تسمح بهيمنة إيران.