الرئيسة \  واحة اللقاء  \  المواجهة التركية- الأمريكية في سوريا

المواجهة التركية- الأمريكية في سوريا

18.01.2018
حازم عياد


السبيل
الاربعاء 17/1/2018
دعم الحركة الانفصالية شمال شرق سوريا، ممثلة بقوات قسد المكونة بشكل اساسي من قوات حماية الشعب الكردي وحزب الاتحاد الديموقراطي،؛ محولة بذلك منطقة الجزيرة وشرق الفرات الى بؤرة توتر كبيرة ليس مع تركيا فقط بل العراق وايران وروسيا مستقبلا.
لم يتبق لأمريكا في سوريا إلا المليشيات الانفصالية لتراهن عليها، خصوصا بعد خسارتها الكبيرة في العراق الناجمة عن الاطاحة بطموحات مسعود برزاني للانفصال بإقليم كردستان العراق، وانشاء منصة فعالة لممارسة النفوذ الامريكي؛ فالمشروع الامريكي متعثر لكن واشنطن لا تملك غيره، ويعجز الخيال الغربي الاستشراقي عن ابتكار حلول بعيدة عن هذه التوجهات في حالة اشبه ما تكون بالاصولية الاستشراقية، او ما يمكن تسميته السلفية الاستعمارية في المنطقة؛ فالمشروع يحمل في باطنه مغزًى استعمارياً تمتد جذوره الى المستعمرة الانجيلية المسماة "إسرائيل"، حيث دعمت عصابات متطرفة ارهابية كـ "شتيرن" و"الهاغانا" لارتكاب المجازر والتطهير العرقي على ارض فلسطين؛ امر يتوقع ان تقوم به مليشيات قسد ومن معها من وحدات حماية الشعب التي باشرت عمليا بإعاقة عودة اللاجئين العرب والتركمان الى موطنهم وقراهم.
تركيا بدورها تدرك خطورة المشروع الامريكي على أمنها القومي، وتعتبر المواجهة حتمية؛ فالكلفة الناجمة عن مواجهة هذا المشروع الان ستكون اقل بكثير من مواجهته بعد تحوله الى كيان سياسي مدعوم امريكياً، ومسنود بقوى غربية معنية بإضعاف وتقسيم المنطقة وتمزيق دولها الاقليمية.
فجاويش اوغلو وزير الخارجة التركي تجاوز كل الخطوط الحمر بالقول: "سنتخذ تدابيرنا الأمنية ضد المنظمات الإرهابية، بغض النظر عن الجهة التي تقف خلفها، ولا يهمنا إن كانت تلك الجهة هي أمريكا أو أي دولة اخرى"؛ وبذلك تكون قد حسمت امرها بل إن المعارضة التركية اصطفت حول خيارت الحكومة ورئيس الدولة الذي قال إنه سيتم سحق القوات الانفصالية، مستنكرا تخاذل حلف الناتو عن دعم الحليفة تركيا.
أزمة النفوذ الامريكي في سوريا لا تتوقف عند حدود الصدام مع تركيا إنما ستمتد لتشمل ايران وروسيا والنظام السوري، والحال ذاته مع قوى الثورة السورية التي ترى في المشروع تهديدا مباشرا لطموحاتها وخطابها السياسي؛ فأمريكا تملك اجندة شاذة واصولية في المنطقة لا علاقة لها بتسوية النزاعات او تحقيق التنمية فيها.
فرغم تصدر تركيا للمواجهة الا ان روسيا وعلى لسان وزير خارجيتها لافروف ترى في الخطوات الامريكية لإنشاء مليشيا حدودية تابعة لها بمثابة محاولة لتقسيم سوريا، في حين ان ايران لم تتأخر كثيرا عن تقديم دعم لتركيا إدراكاً منها بأن المواجهة الحقيقية ستكون مع امريكا، وليست فقط مع مجرد مليشيا انفصالية؛ فتركيا اكثر الاطراف تأهلاً لمواجهة التهديدات الامريكية بحكم عضويتها في الناتو وحيوية دورها في القارة الاوروبية؛ فتركيا ليست مجرد حليف عسكري بل قوة جيوسياسية واستراتيجية متعاظمة؛ إذ اعلنت شركة الغاز الروسية "غاز بروم" يوم امس عن رفع استثمارتها في مشروع غاز السيل الجنوبي المار في تركيا نحو القارة الاوربية الى 3.22 مليارات دولار، بمعدل زيادة 89% عما كان عليه العام الماضي وهو 1.64 مليار دولار؛ ما يعني ان تركيا لاعب مهم بالنسبة لروسيا والقارة الاوروبية ولا يمكن تجاوز مصالحة واستقراره.
الرهان الامريكي الوحيد المتبقى في سوريا هم الانفصاليون؛ رهان يأتي في ظل نكسات متتابعة للفيدرالية الامريكية، وفتور في علاقاتها مع اوروبا، وانعدام ثقة في مصداقيتها في العالم العربي وافريقيا؛ امر عكسه وزير الدفاع الأمريكي الأسبق تشاك هاغل بالقول إن ترامب يُمثل "مصدر إحراج" لنا، ويلحق ضررا كبيرا بالولايات المتحدة على الصعيد الدولي"، وهو بذلك يشخص بعض اوجه القصور والفشل الامريكي، ولكنه لا يعبر عن الحقيقة كاملة؛ فترمب جزء من المشكلة ولكنه ليس كلها، وبات انتقاده الوسيلة الاسلم للتعبير عن الفشل والاحباط.
فأمريكا رفعت وتيرة التوتر، دافعة تركيا الى تعزيز قواتها داخل الاراضي السورية على نهر الفرات، وتدشين العملية بعمليات قصف لمواقع قوات حماية الشعب في عفرين لتعد نفسها لمواجهة شاملة للسيطرة على عفرين ومنبج، مستفيدة كغيرها من مناخ سلبي يسود العالم حول الاداء السياسي الامريكي ونزعته الغوغائية.
لم تُخف انقرة نيتها عبور نهر الفرات غربا للقضاء على مشروع تأسيس جيش كردي انفصالي يرابط على حدودها؛ فالقوات التركية تعزز مواقعها على الحدود مع العراق والمناطق المحاذية للمدن المسيطر عليها من القوات الكردية الانفصالية؛ فالحلول الدبلوماسية والوعود السياسية لن تحقق الامن لتركيا بل القوة العسكرية والفعل الميداني كما حدث في اقليم كردستان العراق من قبل، وكما يحدث الان غرب البحر الاحمر بحشد السودان قواته لمواجهة التهديدات الارتيرية، ومن معها من مرتزقة وحلفاء يناصبون الخرطوم العداء؛ فالفعل الميداني ابلغ من المناشدات والاستجداء السياسي؛ فأمريكا لم تتعلم بعد درسها، والباب بات مفتوحا لمزيد من التحركات الميدانية في المنطقة لإنهاء هزال السياسة الامريكية وتهافتها.