الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "الخيارات الصعبة".. واقع الشرق الأوسط في يوميات هيلاري كلينتون

"الخيارات الصعبة".. واقع الشرق الأوسط في يوميات هيلاري كلينتون

21.08.2014
هيلاري كلينتون


تأليف: هيلاري كلينتون
ترجمة وعرض: عدنان عضيمة
الاتحاد
الاربعاء 20/8/2014
خلال سنوات أربع قضتها هيلاري كلينتون في إدارة الدبلوماسية الأميركية (2009-2013)، عايشت أحداثاً جساماً مرّ بها عالمنا المضطرب سريع التغيّر، وكانت تجد نفسها بين الحين والآخر في مواجهة مواقف بالغة الدقة والحساسية وتتطلب قدرة فائقة على صنع القرار.
وكان عليها أن تراعي المصالح الأميركية، وأن تعالج المشاكل ذات الصلة بها في طول الأرض وعرضها.
ومن أجل أداء هذه المهمات المعقدة، لم تكن تتوقف عن التنقل بين عواصم العالم، وزارت 112 بلداً في رحلات مكوكية متواصلة قطعت خلالها 1.6 مليون كيلومتر أو أكثر من خمسة أمثال المسافة الفاصلة بين الأرض والقمر. وهي تروي في كتابها هذا يوميات الأحداث التي واجهتها أثناء أدائها لعملها، وتعرض للواقع السياسي الذي يعيشه العالم بقدرتها المتميزة على التحليل، وتستشرف الأحداث المقبلة من منظور سياسي صرف.
صدر الكتاب عن دار "سيمون أند شاستر" في المملكة المتحدة، ويقع في 596 صفحة مقسمة إلى ستة فصول، عناوينها: البداية الجديدة، عبر المحيط الهادي، الحرب والسلام، بين الأمل والتاريخ، الشرق الأوسط والطريق الصعب إلى السلام، والمستقبل الذي نريد.
"الشرق الأوسط".. صعوبة السلام
احتلت الأوضاع المتأزمة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط مساحة واسعة من الكتاب (من صفحة 303 حتى 487).
وتعرضت كلينتون في هذا الفصل لمختلف القضايا والمشاكل السياسية التي تمر بها المنطقة، من تعثر عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية، إلى أحداث "الربيع العربي"، والاعتداء على القنصلية الأميركية في بنغازي، والحرب ضد الإرهاب وتفاصيل عملية اغتيال بن لادن، والعقوبات على إيران.
تفتتح كلينتون حديثها حول الأطوار التي مرّت بها عملية السلام الفلسطينية- الإسرائيلية بالفقرة التالية التي تستحق أن تدوّن حرفياً: "يتألف علم الدولة الفلسطينية من ثلاثة قطاعات مستطيلة أفقية ملوّنة بالأسود، والأبيض، والأخضر.
ومثلث أحمر متساوي الأضلاع ترتكز إحدى قواعده على جهة التعليق بالسارية.
ومنذ حرب الأيام الستة التي اندلعت في شهر يونيو 1967 وحتى اتفاقية أوسلو لعام 1993، حظرت الحكومة الإسرائيلية رفعه في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وكان بعض الإسرائيليين يعتبرونه رمزاً للإرهاب والمقاومة والانتفاضة الفلسطينية العارمة التي اندلعت ضد إسرائيل في الثمانينيات.
وحتى بعد مرور 17 عاماً على توقيع اتفاقية أوسلو، بقي هذا العلم محوراً لخلافات حادة في أوساط الإسرائيليين المحافظين.
وبعد كل هذا، كان من قبيل المفاجأة بالنسبة لي أن أرى العلم الفلسطيني ذاته بألوانه السوداء والبيضاء والخضراء والحمراء، منتصباً إلى جانب علم إسرائيل بلونيه الأزرق والأبيض عندما قمت بزيارة إلى مقر الإقامة الرسمية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في القدس في منتصف شهر سبتمبر 2010.
ولقد حدث هذا على الرغم من أن نتنياهو هو زعيم حزب الليكود اليميني المتطرف".
وتقول كلينتون إن رفع العلم الفلسطيني بجانب طاولة المفاوضات، كان يمثل "إيماءة استرضاء" من نتنياهو لضيفه رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس، الذي استقبله بحفاوة بقوله: "أنا سعيد لزيارتك لي في بيتي".
ولم يفوّت "أبومازن" فرصة التوقف قليلاً في الرواق المؤدي إلى قاعة الاجتماع للتوقيع في سجلّ كبار الضيوف حيث كتب العبارة التالية: "اليوم، أنا أعود من جديد إلى هذا البيت بعد غياب طويل، حتى أواصل المحادثات والمفاوضات أملاً في التوصل إلى سلام دائم في المنطقة كلها، وخاصة السلام بين إسرائيل والشعب الفلسطيني".
إلا أن أزمة الشرق الأوسط أثبتت دائماً أن الكلام المنمّق وحفاوة الاستقبال ليست عملة قابلة للصرف في سوق البحث عن السلام.
وتروي كلينتون أنها ما أن جلست على طاولة الحوار، حتى برزت مشكلة "المهلة الزمنية" التي اقترحها نتنياهو لتجميد العمل في المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية، والتي حددها بعشرة أشهر حتى يقبل عباس الدخول في المفاوضات.
وتزعم كلينتون أن عباس هدّد بالانسحاب من المفاوضات ما لم يتم الإعلان عن تمديد تلك "المهلة" أكثر وأكثر، وهذا تحريف للسبب الحقيقي لفشل تلك المفاوضات لأن عباس اشترط التوقف التام لمشاريع الاستيطان في الضفة الغربية قبل الدخول في أي مفاوضات معتبراً ذلك أحد أهم الثوابت الفلسطينية.
إلا أن نتنياهو تمسك بموقفه زاعماً أن العشرة أشهر من التوقف أكثر من كافية لإظهار حسن النوايا. وهكذا انتهت جولة المفاوضات هذه إلى الفشل بعد أن استغرق التحضير لها عامين كاملين من الجهود الدبلوماسية المرهقة للحصول على موافقة نتنياهو وعباس على الالتقاء وجهاً لوجه حول طاولة واحدة.
وفاتت من جديد فرصة سانحة للتوصل إلى حل لصراع أرهق منطقة الشرق الأوسط لعدة عقود.
وكان كل من الطرفين متمسكاً بمواقفه المتصلبة من القضايا المحورية ذاتها التي كانت سبباً في فشل كل المحاولات السابقة لإحلال السلام وعلى رأسها ترسيم حدود الدولة الفلسطينية الجديدة، والترتيبات والإجراءات التي تضمن أمن إسرائيل، وعودة اللاجئين الفلسطينيين من الشتات، ووضع القدس التي يعتبرها كل طرف عاصمة لدولته.
وتصل كلينتون من هذه الواقعـة إلى النتيجة العامرة بالتشاؤم حيث تقول في تعقيبها على فشل تلك المحاولة: "الآن، وبعد أن غادر الطرفان الطاولة في هذه اللحظة الحرجة، تغلبني القناعة بأنه بات من الصعب جداً أن نجد طريقاً جديداً خارج هذا النفق المسدود".
"حدوتة" أمن إسرائيل
ولم تتخلّف كلينتون عن ركوب موجة المناداة بضمان أمن إسرائيل نزولاً عند رغبة اللوبيات الصهيونية ذات النفوذ الكبير في أروقة الكونجرس والبيت الأبيض.
فهي تشير إلى أنها ليست السياسية الأميركية الوحيدة التي تُكرّس جل اهتماماتها للعمل في هذا الاتجاه، بل إن الكثيرين من أصحاب القرار في أميركا يعتبرون إسرائيل وطناً لشعب تعرّض عبر تاريخه للاضطهاد، ويستحق أن يعيش في "وطن" مستقر،
وفي ظل نظامه الديموقراطي الذي نرى أن من واجبنا الدفاع عنه.
وهي تقول في هذا الصدد: "عندما نتمعّن في قصة نشوء دولة إسرائيل، فإننا نرى فيها انعكاساً صادقاً لقصة نشوء دولتنا (أميركا) ذاتها، وقصة جميع البشر المناضلين من أجل الحرية والذين لهم كل الحق في تقرير مصيرهم ورسم مستقبلهم.
وهنا يكمن السبب الذي جعل الرئيس هاري ترومان يستغرق 11 دقيقة فقط لإعلان اعترافه بدولة إسرائيل الجديدة عام 1948.
وإسرائيل، تمثل أكثر من دولة، إنها حلم ترعرع في ضمائر أجيال وأجيال حتى أصبح حقيقة بفضل عزيمة وتصميم أولئك الرجال والنساء الذين رفضوا الاستسلام لأحلك الظروف وأصعب المواقف.
وإسرائيل أيضاً، مثال يُحتذى عن الاقتصاد المزدهر، ونموذج واضح عن القدرة على الجمع بين فنون الابتكار والحرفية في أداء الأعمال والممارسة الديموقراطية، وبما يضمن خلق الرخاء حتى في أكثر المواقف حرجاً وبعداً عن التسامح".
الموقف من دولة فلسطين
وبعد هذه "الرشّة السخية" من تعابير التفخيم والتعظيم بدولة إسرائيل والتجاهل التاريخي الفاضح للطريقة العرجاء التي تم بموجبها إنشاؤها عام 1948، تعرّج كلينتون على قضية الشعب الفلسطيني لتشير إلى أنها كانت من بين الأصوات الأولى التي أعلنت على الملأ مطالبتها "أيضاً" بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة.
وأشارت إلى أنها أعلنت جهاراً أمام حشد من الشبان الإسرائيليين والفلسطينيين في "قمة شبيبة بذور السلام في الشرق الأوسط" التي نظمت عام 1998، أن "قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة سيصبّ على المدى البعيد في مصلحة كل دول الشرق الأوسط من دون استثناء".
وأشارت إلى أن أطروحاتها وآراءها في ذلك الوقت لقيت اهتماماً كبيراً من وسائل الإعلام، وجاءت قبل عامين من نهاية ولاية رئاسة زوجها بيل كلينتون للبيت الأبيض، والذي اقترح على رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك إنشاء الدولة الفلسطينية فوافق على طلبه إلا أن الرئيس الراحل ياسر عرفات لم يوافق على هذا الاقتراح.
ولقد أغفلت كلينتون عن عمد واضح الأسباب التي دفعت عرفات لرفض الاقتراح وعلى رأسها مخططات التسوية التي "التهمت" فيها إسرائيل أكثر من نصف مساحة الضفة الغربية وإصرارها على عدم التفاوض حول مستقبل القدس.
أوباما ومساعي التسوية
وجاء عهد إدارة أوباما في فترة كان يشهد فيها الشرق الأوسط أوضاعاً عصيبة.
وخلال شهر ديسمبر من عام 2008، أمطر الجناح العسكري لحركة "حماس" إسرائيل بوابل من الصواريخ المنطلقة من قطاع غزة.
وهي التي كانت تسيطر على القطاع بعد أن أعلنت انسحابها من الشراكة السياسية مع منظمة "فتح" المنافسة عام 2007.
وفي بداية شهر يناير 2009، قامت إسرائيل بغزو عسكري للقطاع لهدف وقف إطلاق الصواريخ.
وخلال الأسابيع الأخيرة من ولاية الرئيس بوش الابن، هاجم جنود إسرائيليون مسلحي "حماس" في شوارع مكتظة بالسكان في إطار "عملية الرصاص المصبوب"، ما أدى إلى موت عدد كبير من المدنيين وخسارة "حماس" لمعظم مخزونها من الصواريخ وبقية أنواع الأسلحة.
وكانت ردات الفعل العالمية على هذا العمل بالغة القوة، حيث أدانت معظم الدول الاعتداء الإسرائيلي الذي راح ضحيته أكثر من ألف فلسطيني.
وفي 17 يناير 2009، وقبل أيام قلائل من تنصيب أوباما، أعلن رئيس الوزراء إيهود أولمرت وقفاً لإطلاق النار يبدأ عند منتصف الليل بشرط التزام "حماس" وبقية الفصائل المتطرفة بما فيها حركة "الجهاد الإسلامي" بعدم إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
وتوقف إطلاق النار بالفعل إلا أن إسرائيل فرضت حصارها الخانق على غزة وأغلقت حدودها أمام حركة الغزيين وعرباتهم.
وعمدت "حماس" إلى حفر أنفاق سرية للتهريب تمتد تحت الحدود مع مصر، وتمكنت عن طريقها من إعادة بناء ترسانتها من الصواريخ والأسلحة. وبعد ذلك بيومين، تسلم أوباما مقاليد الحكم في البيت الأبيض.
وتقول كلينتون إن معاناة الشعب الفلسطيني في غزة بلغت مستوى المأساة الحقيقية بسبب الحصار، وأثارت احتجاجات المجتمع الدولي.
وهي تذكر أن أول اتصال قامت به بعد ترؤسها للدبلوماسية الأميركية كان مع رئيس الوزراء إيهود أولمرت.
ودار الحديث بينهما على البحث عن أفضل السبل لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وحماية إسرائيل من الهجمات الصاروخية، بالإضافة لضرورة وضع حدّ لمعاناة الفلسطينيين المحاصرين داخل القطاع وتأمين حاجاتهم اليومية الأساسية.
وتحادثا حول إمكان إعادة إحياء المفاوضات حول عملية السلام المتعثرة والتي تهدف إلى وضع حد نهائي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، مع ضمان أمن إسرائيل وتحقيق السلام الشامل في المنطقة برمتها.
وفي بداية شهر مارس من ذلك العام، شاركت كلينتون في مؤتمر نظم في القاهرة ضم ممثلين عن الدول المانحة يهدف إلى زيادة المساعدات الإنسانية لسكان غزة.
وكان هذا المؤتمر يمثل خطوة باتجاه إقناع الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يعانون من حالة تشنج وتعصب في مواقفهم بضرورة العمل الجاد على وقف دورة العنف.
وهي تقول: "ومهما كانت الأفكار التي تحملها عن السياسات المعقدة المتبعة في منطقة الشرق الأوسط، فلن يمكنك أبداً أن تصرف نظرك عن المعاناة الإنسانية لشعوبها، وخاصة منهم الأطفال.
وللأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين معاً نفس الحق الذي يمتلكه أي طفل في العالم لعيش طفولة آمنة والحصول على التعليم والرعاية الصحية وبناء مستقبل مشرق.
كما أن الآباء والأمهات في غزة والضفة الغربية يتشاركون في نفس طموحات الآباء والأمهات في تل أبيب وحيفا في الحصول على فرص العمل والمسكن الآمن لإعالة أبنائهم.
ويمثل الفهم الصادق لهذه الحقائق نقطة بداية لا بد منها لتضييق شقة الخلافات التي أدت إلى تقسيم المنطقة، ووضع القاعدة المناسبة لإطلاق حوار بنّاء يضمن التوصل إلى اتفاقية لإحلال السلام الدائم.
وعندما قدمت هذا الطرح في مؤتمر القاهرة الذي كان يغصّ بالإعلاميين العرب، ضجّت القاعة بالتصفيق".
موقف "بيريز"
وكان لكلينتون بعد ذلك حظ لقاء صديقها القديم ورئيس دولة إسرائيل شيمون بيريز الذي تصفه بأنـه زعيم اليسـار وصاحب الفضل في إنشاء وزارة الدفاع الإسرائيلية في بداية تأسيسها.
وهو الذي ترأس الوفد الإسرائيلي في محادثات أوسلو، وقاد الحملة من أجل تحقيق السلام بعد اغتيال إسحق رابين عام 1995.
وتقول كلينتون إنه على الرغم من الدور الشرفي لبيريز في إدارة شؤون الدولة، إلا أنه لعب دور "الضمير الحي" لشعب إسرائيل، ودافع بحماسة عن مشروع حلّ الدولتين.
وكان لا يتوقف عن الإشارة إلى الصعوبات الهائلة التي تقف دون تحقيق السلام ووقف الرعب ودورات العنف لكل شعوب منطقة الشرق الأوسط.
وتذكر كلينتون أنها تحادثت في تل أبيب أيضاً مع كل من إيهود أولمرت ووزيرة خارجيته ذات الشخصية القوية وعميلة الموساد السابقة تسيبي ليفني، حول ضرورة تخفيف حدة التوتر في غزة وتمديد وتفعيل وقف إطلاق النار.
ولكن، ومع استمرار الهجمات المتقطعة بالصواريخ وقذائف الهاون من غزة، بدا أن انفجار الوضع وانطلاق عمليات عسكرية واسعة النطاق يمكن أن يحدث في أية لحظة.
ولم تتردد كلينتون أيضاً في تأكيد لمضيفيها الإسرائيليين أن "إدارة الرئيس أوباما شديدة الاهتمام بأمن إسرائيل ومستقبلها كدولة يهودية".
وقالت: "ما من دولة في العالم يمكنها أن تلتزم الصمت وتسمح للصواريخ بالسقوط على شعبها وأراضيها.
ولقد حرصت الولايات المتحدة تحت حكم الديموقراطيين والجمهوريين على حد سواء على تزويد إسرائيل بأحدث الأسلحة وأكثرها فعالية لدرء هذا الخطر".
جدار الفصل العنصري
تقول كلينتون إن التوتر المتصاعد الذي يسود منطقة الشرق الأوسط بسبب الصراع في غزة، وبلوغ الشكوك أعلى مستوياتها في إسرائيل، أدى إلى هبوط مؤشرات إمكان تحقيق السلام إلى أدنى مستوياتها.
وهي لا تتوقف عن تحميل الفلسطينيين مسؤولية فشل كل جولات محادثات السلام ومن دون أن تحمل الإسرائيليين أي مسؤولية عنها.
ومن ذلك قولها إن ذكريات دورة العنف الأخيرة في إسرائيل تمتد لأكثر من عقد مضى، وبالضبط منذ انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
وقُتل أكثر من ألف إسرائيلي وجُرح أكثر من ثمانية آلاف آخرين بهجمات إرهابية خلال الفترة الممتدة من شهر سبتمبر 2000 حتى فبراير 2005.
وهذه الأرقام تفوق عدد الفلسطينيين الذين قتلوا أو جرحوا خلال الفترة ذاتها بنحو ثلاث مرات.
وهذا ما دفع إسرائيل إلى بناء جدار الفصل الأمني الذي يعزلها عن الضفة الغربية.
ونتيجة لهذا "الإنجاز الأمني الوقائي" أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن انخفاض كبير في أعداد الضحايا الإسرائيليين الذين يسقطون في الهجمات الانتحارية من أكثر من 50 ضحية عام 2002 إلى عدم وقوع ضحايا على الإطلاق في عام 2009.
وبالرغم من هذا الشعور بالارتياح، إلا أن الإسرائيليين لا يدخرون جهداً للعمل على تحقيق حالة الأمن الدائم عن طريق عقد اتفاقية للسلام الشامل والدائم مع الفلسطينيين.
مشكلة الاستيطان
وبالرغم من هذه التطورات، كان عدد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية يزداد من دون توقف.
ولا يتردد هؤلاء عن القول بأنهم أقاموا مساكنهم الجديدة فوق الأرض التي منحهم إياها التوراة في الضفة الغربية لنهر الأردن.
وتجاوز بعض المستوطنين الخط الأخضر لعام 1967 وبنوا بيوتهم هناك هرباً من الارتفاع الكبير في أسعار البيوت في المدن الإسرائيلية، وآخرون فعلوا ذلك لأسباب دينية وهم الذين يزعمون أن الضفة الغربية هي هبة من الله لشعب إسرائيل.
ويشكل المستوطنون القاعدة السياسية لأكبر شريك في الائتلاف الحكومي الذي يقوده نتنياهو وهو حزب "إسرائيل بيتنا" الذي يتزعمه المهاجر الإسرائيلي ذو الأصل الروسي أفيجدور ليبرمان الذي تقلد منصب وزير الخارجية في الحكومة الجديدة.
ويرى ليبرمان أن التفاوض ليس إلا الصورة الحيّة للتعبير عن الضعف.
وأعلن جهاراً أنه كان يعارض بقوة عملية السلام في أوسلو.
ويعتقد نتنياهو وليبرمان أيضاً أن البرنامج النووي الإيراني يمثل خطراً أكبر من الصراع مع الفلسطينيين على أمن إسرائيل.
ومرة أخرى تجد كلينتون أن من حق القادة الإسرائيليين البحث في كافة السبل التي تضمن لهم ولشعبهم السلام الدائم.
شروط الاعتراف بـ"حماس"
وتعرض كلينتون لموقفها من حركة "حماس" عندما كانت نائبة في الكونجرس، فتشير إلى أنها أصدرت تصريحاً بعد فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي نظمت مطلع عام 2006 قالت فيه: "ما لم تعلن حماس نبذ العنف ورفض الإرهاب والتهديد بتدمير إسرائيل، فإنني لا أعتقد أن الولايات المتحدة ولا أي دولة في العالم سوف تعترف بها.
وهي ترى أن فوزها هو تأكيد لأن نتائج الانتخابات لا تمثل في كل الحالات التعبير الصحيح عن الممارسة الديموقراطية.
ودليل ذلك أنها ما لبثت بعد عام واحد من ذلك الفوز أن أعلنت عن انقلابها على السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس.
ومع بقاء منظمة فتح كسلطة قوية في الضفة الغربية، انقسم الشعب الفلسطيني إلى قوتين متنافستين لهما رؤى شديدة الاختلاف لمجريات المستقبل".
ويبدو من خلال هذا العرض لمواقف هيلاري كلينتون انحيازها الواضح لوجهات النظر الإسرائيلية كافة، على الرغم من إعلانها المتكرر عن ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية إلى جانب "دولة يهودية آمنة" تضمن الولايات المتحدة حقها في الوجود والاستقرار.
وربما يأتي الإعلان عن هذه المواقف وفي هذه الفترة بالذات تمهيداً لخوضها الانتخابات الرئاسية الأميركية عن الحزب "الديموقراطي" عام 2016.